بقلم: محمد أديب السلاوي*
-1-
الزمن هو أثمن ما يملكه الإنسان في حياة الدنيا.
والزمن في الموسوعات العلمية، بعد فيزيائي رابع للمكان حسب نظرية النسبية الخاصة، هو وسيلة لتحديد وترتيب الأحداث بالنسبة لمعظم الناس.
ربما يكون مصطلح الزمن الأعصى على التعريف، فالزمن أمر نحس به أو نقيسه أو نقوم بتخمينه، وهو يختلف باختلاف وجهة النظر التي ننظر بها بحيث يمكننا الحديث عن زمن نفسي أو زمن فيزيائي أو زمن تخيلي.
لكن يمكننا حصر الزمن مبدئيا بالإحساس الجماعي للناس كافة على توالي الأحداث بشكل لا رجوع فيه، هذا التوالي الذي يتجلى أكثر ما يتجلى بتوالي الليل النهار وتعاقب الأيام فرض على الناس تخيل الزمن بشكل نهر جار باتجاه محدد لا عودة فيه (1).
مع الأيام لاحظ البشر أن العديد من الظواهر الفيزيائية بدءا من حركات الشمس إلى تساقط الرمل من وعاء زجاجي إلى اهتزاز نوّاس بسيط تأخذ فترات زمنية متساوية حسب تقديرهم مما دفعهم لتطوير ميقاتيات وأدوات لقياس الزمن باستخدام هذه الظواهر فأوجدوا المزولة الشمسية ثم الساعة الرملية ثم ساعة النواس أو البندول.
وتاريخيا، تم اعتبار الزمن أحد المطلقات فالفترات الزمنية الفاصلة بين حدثين مختلفين ثابت بالنسبة لكافة المراقبين، وهذا أمر حافظ عليه نيوتن باعتباره الزمن شيئا مطلقا كونيا فتغيرات الزمن ثابتة في جميع أنحاء الكون، وهو يجري أبدا كما هو بالنسبة لجملة فيزيائية تتحرك بانتظام أو بتسارع، تتحرك حركة دائرية أو مستقيمة.
هذا المفهوم للزمن مازال منتشرا بين الناس باعتباره يطابق إحساسهم به إلا أن الفيزياء الحديثة قامت بإنزال الزمن عن عرشه وإلغاء صفة الإطلاق التي اتصف بها عبر السنين، فنظرية النسبية الخاصة اعتبرته أحد مكونات المسرح الكوني التي تجري فيه الأحداث وبالتالي أصبحت لكل جملة فيزيائية زمنها الخاص بها الذي يختلف عن زمن جملة فيزيائية أخرى (2).
-2-
أما الوقت فيعبرعن المسافة الزمنية الفاصلة بين الأحداث أو التعبير عن نقطة ما على الخط الزمني. وحدات قياس الوقت والزمن تشمل الثانية والدقيقة والساعة واليوم والأسبوع، كما تستخدم كسور هذه الوحدات للتعبير عن الوقت أيضا، أما الشهور والسنين فإن استخدامها كوحدات لقياس الزمن فهو غير دقيق بالرغم من شيوعه، وذلك لاختلاف أطوال الشهور وأطوال السنوات (3).
والوقت فيزيائيا جزء من الزمن. قال عنه القدماء: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، والوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب، والزمن خارج هذه المقولات، هو ما يمتلكه كل فرد منا، يملكنا ونملكه، يمتد على حياتنا من الولادة إلى الوفاة.
ووعينا بالزمن فطري، كلنا ندرك علاقة الزمن بالحياة وشؤونها، تقدمها وتخلفها، إلا أن القليل منا من يستطيع إدراك قيمه ومسافاته وتأثيراته، وإن الزمن لا يعيد نفسه، ذلك لأن الأمر يتعلق بتربية وتنشئة وثقافة كل شخص على حدة، وبإدراكه العميق، إن زمن اليوم، لا يتكرر غدا…
إن السؤال الذي تدعونا إليه هذه المقاربة، هو كيف يمكننا التفكير في الزمن، انطلاقا من أوضاعنا الحضارية، /أوضاعنا الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الثقافية. وبالمقابل كيف يمكننا التفكير في زمن يملكنا ولا نملكه..؟
إن الإنسان، مهما كان موقعه في الوجود، فهو محكوم بالزمن، خاضع لشروطه، يفرض عليه زمنه المحدود أن يستغل ذلك الزمن بدقة متناهية في التمتع به، واستثماره لصالحه وصالح محيطه ومجتمعه، ذلك لأن زمن الإنسان هو حياته، وخارج هذا الزمن لا توجد سوى سيادة الفناء.
والزمن يختلف من إنسان لآخر، غير أن الفلاسفة وعلماء النفس والفقهاء، في الماضي الإنساني العريق، كما في الحاضر، أكدوا على أهميته وجدواه في بناء الشخصية، وفي إدارة شؤونها، وفي استثمار معارفها ومواهبها.
قال أحد حكماء الصين القدماء: كل مفقود يمكن استرجاعه إلا الزمن المفقود.
وقال أحد الحكماء العرب: إذا سمحنا بضياع الوقت عد علينا سفها وطيشا.
والسؤال المحير الذي شغل/ يشغل الباحثين والفلاسفة المسلمين، كيف للإنسان أن يمزح بين القيمة الحقيقة للزمن/ للوقت، الذي هو عمره وحياته، والذي سيحاسب عليه وكيفية تصرفه فيه، وما قدم من خلاله لنفسه ومحيطه وأسرته وبلده..؟
وبخلاف القضايا الفلسفية الأخرى، الكثير من المفكرين وعلماء الدين وعلماء النفس والاجتماع، اهتموا يمثل هذا السؤال، ولكن القليل منهم تداخلوا معه في أبعاده الفكرية والسلوكية، على اعتبار أن الوعي بقيمة الوقت/ الزمن، هو احتياج دائم ومستمر لكافة الأشخاص، وكافة الشرائح والطبقات، ذلك لأن التواصل مع منظومة المعرفة الإنسانية، كان وما يزال يتوقف على مسألة الوقت وثقافته. وأيضا على قهر ذلك الحاجز النفسي الذي يفصل الإنسان عن وقته، وما يختزنه من قيم ومعرفة وإشارات.
هل يعني ذلك أن الإنسان ما زال بعيدا عن وقته، وعن إدراك مسافات هذا الوقت، الثقافية والبيولوجية؟
-3-
في تاريخ الثقافة العربية، كان الزمن حاضرا باستمرار في أطروحات المثقفين الأقدمين، كانت المعلقات والحكم، تعكس بدرجات متفاوتة من الوضوح فلسفة الزمن وقياساته وانعكاساته على الحياة…
وقد لاحظ باحث مغربي (أحمد السطاتي في أطروحته عن مفهوم الزمن في الفكر العربي/ 1980) أن زمن الماضي كان حاضرا باستمرار في وعي الإنسان العربي، يظل محمولا في ذاكرته، يعيد إنتاجه باستمرار، خلاف المستقبل الذي ظل محجوبا مغيبا لا مجال للكشف عن أسراره، إلا باللجوء
إلى السحر والخرافة والأسطورة. وهو ما يعني أن الفكر العربي قبل ظهور الإسلام، بدل أن يحلل الواقع بالتحليل المعقول، لجأ إلى الخيال… ومن ثمة تحول الزمن للفاعلية والسيطرة وتحقيق مختلف الإمكانات، ليغدو مجالا للحكم والانفعال أكثر منه مجالا للفعل والفاعلية.
لربما من أجل ذلك جاء القرآن الكريم، بمنظور مغاير للزمن، فهو في كتابنا المقدس، عنصر أساسي من عناصر بناء الذات على ضوء الهداية الربانية. فهو معبر ومخبر يمارس الإنسان من خلاله واجبات الدنيا والآخرة.
في كتابه “الوقت في حياة المسلم” يؤكد الشيخ يوسف القرضاوي، أن الوقت ليس فراغا أبدا، فلابد له من أن يملأ بخير أو بشر. ومن لم يشغل نفسه بالحق يشغله بالباطل، وفي رأيه، الوقت نعمة كبيرة، إذا كفر العبد بها، فتح على نفسه باب الهوى، وإنقاذ في تيار الشهوات، لذلك كان الإسلام وسيظل، يقيس الوقت/ الزمن، بالإنجاز الخير، ويدفع إلى توظيف الوقت في كل ما هو خير.
-4-
في الثقافة المعاصرة، اتخذت مفاهيم الزمن طرقا أخرى في المعرفة، إذ اتجه اهتمام الباحثين وعلماء التربية والفلاسفة والعلماء المختصين، إلى تركيز “تربية الزمن” في نفوس الأطفال، بالروض والمدرسة، وإلى تعميق الشعور بأهميته في الدراسة والتكوين والترفيه، بهدف جعل وقت الناشئة، وقتا إنتاجيا، يساهم في تطوير الكفاءات الذاتية، لتصبح أكثر فاعلية… ذلك أن القيمة الأخلاقية والجمالية للزمن، في نظر العديد من الباحثين والفلاسفة والعلماء، يجب أن تظل حاضرة في الشعور الفردي للأشخاص بمحتواها وأبعادها داخل الضمير الإنساني، من المهد إلى اللحد… وهو ما أبرز إلى الوجود ما يطلق عليه في عالم اليوم “الوقت الثالث”.
الباحثون والعلماء، يقدرون للإنسان، إنه يمتلك ثلث وقته، أي الوقت الذي يبقى خارج أوقات العمل والنوم وضرورات الحياة، وهو الوقت الثالث، وهو يختلف بطبيعة الحال، من فرد لآخر، ومن شريحة إلى أخرى، باختلاف الأشخاص والأعمار والتكوين والبيئة والعمل والمستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي… ويلحون على أن يكون هذا الوقت/ الثالث إنتاجيا على مستوى قيمته الأخلاقية والجمالية.
إسلاميا، جاء الاهتمام بهذا الوقت/ الثالث، مبكرا، فأطلق عليه المسلمون الأوائل، “وقت الفراغ” وألحوا على استغلال نعمه في ما يرضي الله… على أن لا تطغى أوقاتا على أخرى، أي لا يتغلب وقت العمل على وقت ترويح على النفس، ولا وقت الواجب الديني على وقت الواجب الأسروي… ولكن من منا تعامل مع وقته وفق هذه المقاييس؟
-5-
وفي الزمن الراهن، عرفت هذه المفاهيم الكثير من التغيير. الأسماء التي أصبح يحملها هي : ( الزمن المعلوماتي/ الزمن التقنولوجي) ومن خلالها أصبح الزمن يطرح نفسه بحدة كمفهوم/ كقضية أولا لأنه أصبح يرتبط بالعديد من الإشكالات والتساؤلات، وثانيا، لأنه (أي الزمن) أصبح أكثر من أي زمن مضى، ينعكس على قضايا الإنسان الفكرية والتربوية والثقافية والدينية والاجتماعية، ليتحول في النهاية، إلى إشكالية للتأمل والبحث والمقاربة والاستنتاج.
إن الانفجار الاتصالاتي/ المعلوماتي، الذي يعتمد على الصور والرسائل والأرقام وغيرها من المنتوجات الإلكترونية، التي تنقل الزمن من قارة إلى أخرى بسرعة فائقة، على امتداد الكوكب الأرضي، جعل من السرعة الهائلة سمة لعصرنا الحديث/ عصر العولمة/ عصر التكنولوجيا/ عصر المعرفة، بل أن هذا الانفجار قلص المسافات، وألغى الحدود بين الزمان والمكان/ بين العلاقات البشرية/ بين المسافات الجغرافية، بين الثقافات والحضارات، وهو ما جعل إنسان الجنوب يعيش زمن إنسان الشمال، وجعل غرب الكرة الأرضية مكشوفا أمام شرقها. وجعل كل شيء يجري إنجازه ونقله في اللحظة ذاتها، خارج أي رقابة أو حدود… وهو ما شكل بعدا جديدا لمفهوم الزمن، ولمفهوم العالم.
تتجسد مظاهر هذا الانفجار في نظر العديد من الباحثين المختصين في ملمحين اثنين: ثورة الاتصالات التي ألغت المسافات بين الأزمنة والأمكنة، وانفجار المعلومات التي غيرت بشكل صارخ حياة الناس وأنماط عيشهم وطرائق تفكيرهم وآلياتهم.
والسؤال: أين موقعنا نحن المغاربة/ نحن العرب/ نحن العالم السائر في طريق النمو، من هذا الانفجار الاتصالاتي/ التكنولوجي…؟
من أجل الوصول إلى مشهد الزمن المعلوماتي الراهن، لابد لنا من توضيح بعض الأرقام والمقارنات التي طبعت الأزمان السابقة.
قبل بداية الزمن الاتصالاتي (بداية العقد السابع من القرن الماضي) كان حجم المعرفة البشرية يتضاعف كل عشر سنوات، وأصبح يتضاعف مرة كل خمس سنوات، تم تطور الأمر في نهاية القرن الماضي، فأصبح حجم هذه المعارف يتطور كل سنة، وهو ما جعل البشرية تملك في نهاية كل عام كما من المعلومات يساوي ضعف ما انتجته في كل تاريخها السابق.
باحث برازيلي يشرح هذه الوتيرة(4) المتسارعة في إنتاج المعلومات بالزمن التكنولوجي/ المعلوماتي الراهن، من خلال مقارنته بين الثورات التي حصلت في العالم حتى الآن في مجالي الإنتاج والطاقة، فيقول : ” لقد تم اكتشاف الزراعة قبل حوالي 8 آلاف عام (آثار جرمو في شمال العراق) أما الحضارة الزراعية الأولى – الحضارة السومرية- فقد بدأت قبل حوالي 4-5 آلاف عام، و احتاجت البشرية آلاف الأعوام لكي تستطيع الانتقال بعد ذلك إلى ثورة أخرى هي الثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر في انجلترا. لكن البشرية لم تكن بحاجة إلى أكثر من قرنين لكي تنتقل إلى “ثورة” المعلومات التي بدأت في السبعينيات (من القرن الماضي) وهذه ” الثورة” الجديدة بدورها لم تكن بحاجة إلى أكثر من ربع قرن لكي تتبلور وتبدأ بالسيطرة على مختلف أوجه الحياة البشرية المعاصرة “.
هذا التباين في الفترات الفاصلة بين هذه التحولات الحاسمة، من آلاف الأعوام إلى قرون ثم إلى عقود، يلفت النظر، والسؤال الذي يواجهنا الآن هو : هل سنشهد من الآن فصاعدا مثل هذه الثورات بين عام وآخر ؟ ثم ماذا يعني ذلك بالنسبة للزمن الراهن ولثقافتنا في العالم العربي ؟
-6-
من الواضح أن التحولات الواسعة التي عرفها الزمن المعلوماتي/ الاتصالاتي الراهن، أصبحت تطرح على العالم المتخلف/ السائر في طريق النمو، طائفة من القضايا والمشاكل التي تحتاج بكل تأكيد إلى إعادة التفكير والتأمل فيها، والبحث عن أفضل الحلول لها لإنتاج تكنولوجيا لجمع ومعالجة وتوزيع المعلومات، وهو ما يبدو حتى الآن أمرا مستحيلا.
نعم هناك تنافس بين البلدان المنتجة للتكنولوجيا تتصدره الولايات المتحدة واليابان، وبالأخص في إنتاج الأجيال الجديدة من الحاسبات، ثم إن بعض البلدان المنتجة أصبحت تعلن صراحة أن هدفها الأسمى، هو التخصص في صناعة المعلومات وتحويل الصناعات الثقيلة تدريجيا إلى بلدان العالم الثالث، و الاحتفاظ بالصناعات النظيفة والتخلص من الصناعات التي تسبب التلوث.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وصراحة علينا وعلى كل البلدان السائرة في طريق النمو، كيف لنا أن نواجه الزمن المعلوماتي، ونحن غير قادرين على إنتاج التكنولوجيا، وتنقصنا الأموال اللازمة لاستيرادها واستعمالها، بينما يستمر تركيزها في البلدان الصناعية وحدها.
لا نبالغ إذا قلنا أن كل يوم يمر علينا، يزيد من حراجتنا في هذه القضايا لأن التطور التقني للوسائل الحديثة لم يعد يقاس بالسنوات بل بالأيام والشهور. الأقمار الاصطناعية بدأت تغزو العالم ببرامج التلفزيون والراديو. الهوائيات الصحنية أصبحت تتيح للمتسلم في أي بلد التقاط مئات القنوات و البرامج ونحن العرب، لا علم لنا بما تفعله بنا…وبزمننا.
أما المظهر الآخر لهذا الاختلال فيتمثل في تركيز السيطرة على بنوك المعلومات، لقد أصبح إنتاج واختيار ومعالجة وخزن وبيع المعلومات من الصناعات المتميزة التي لا غنى عنها لأي بلد يريد التطور، ولكن وكما في كل صناعة أخرى، فإن البلدان المتطورة تملك كل المصادر التي تمنحها موقع السبق و الأفضلية. هذا الواقع أدى ويؤدي إلى وضع من التسيب والمفارقة بينها وبين بلدان العالم الأخرى، اذ نرى من ناحية أن المعلومات متوفرة والاتصال بشبكة بنوك المعلومات في أي وقت سهل وممكن. لكننا نرى من ناحية أخرى أن الحصول على المعلومات يعني شراءها ليس بالمال وحده…ولكن بتبادل المصالح والتنازل عن المواقف أيضا، وهذا بدوره يعني أن الدول غير المتطورة ينبغي ان تخصص في ميزانياتها وسياساتها ما يتوافق مع ذلك، إذا أرادت الاستفادة من المعلومات لأهدافها التنموية.
-7-
من المؤسف القول، إننا بقدر ما نوجد داخل زمن الانفجار المعرفي، نوجد خارجه، لأننا مع الأسف، مازلنا نعاني من فقر معلوماتي/ اتصالاتي، مدقع، مازلنا مستهلكين للمعلومات وأوعيتها بشكل سيء، ومازلنا نعاني من التبعية المطلقة لإنتاجية هذه المعرفة… نعاني من جهلنا ومن جهل قيمها الأخلاقية والعلمية.
لاشك، أن علوم التكنولوجيا الحديثة، قد جعلت كوكب الأرض، نقطة محدودة/ مكشوفة في الزمان والمكان، وضعت للزمن مفهوما جديدا / مغايرا، جعلت الإنسان يعيش في اللحظة ذاتها زمانه الذاتي وأزمنة الآخرين الذين تفصلهم عنه مسافات الجغرافيا التي يتعذر الإمساك بها، بل جعلت الإنسانية جمعاء تعيش عالما يقترب بعضه من بعض، حتى بدأت قاراته ومحيطاته المتباعدة تلامس بعضها البعض، وهو ما يضع الإنسانية جمعاء أمام قدر جديد/ تاريخ جديد/ مفاهيم جديدة للزمن… لكن ذلك يفرض على الإنسان أن لا يتخلى بالإطلاق عن رؤاه الأخلاقية والتربوية للزمن.
إن الزمن اليوم،بفضل التطور العلمي/ التكنولوجي،أصبح يعيد تشكيل الوجود داخل جوف التكنولوجيا، ولكنه لا يعيد تشكيل القيم لا داخل مفاهيم الزمن، ولا داخل مفاهيم الإنسان المحكوم بزمن محدد في حياته، وتلك مسألة تفرض علينا كعرب / مسلمين/ نؤمن بالتطور والتقدم. إعادة النظر في ثقافتنا… وفي مفاهيمها وقيمها وفي نظرتها للإنسان والكون .
والسؤال المحير، متى وكيف لنا أن نفعل ذلك، والتخلف العلمي/ الحضاري/ الثقافي يحاصرنا من كل جانب ، ونحن خارج دائرة الزمن الذي كسر كل حدود بين الأنا والآخر… بين الكائن والممكن، داخل الكوكب الأرضي الواحد؟.
إن الأمر هنا لا يتعلق بزمن العولمة. لا يتعلق بعولمة الزمن، ولكنه يتعلق بالتغيير الذي يجب أن يشمل مفاهيمنا للتربية والتعليم والثقافة والسياسة…ولكل القيم التي تحركنا من الداخل.
السؤال المحير بالنسبة لنا / للمغرب : هل حقا نعيش الزمن الراهن / زمن التواصل الالكتروني / زمن الحاسوب / زمن القرية الكونية / زمن الانفجار المعلوماتي، الاتصالاتي، أم ما نزال محاصرين في الأزمنة الغابرة…؟.
أفلا تنظرون…؟
———————————-
(1) الموسوعة الحرة / وكيبديا
(2) الموسوعة الحرة / نفس المرجع
(3) الموسوعة الحرة نفس المرجع
(4) سان خوسيه / اتجاهات العلاقة بين الثقافة والتقنولوجية / جريدة الشرق الأوسط 27 ماي 1994 ص 18.
*كاتب صحفي