سبتة ومليلية.. أفقا لشراكة متكافئة بين إسبانيا والمغرب

بقلم: محمد بوخزار

تناقلت عدد من المواقع المغربية، في الأيام الأخيرة، أخبارا عن استعدادات تقوم بها الخارجية الاسبانية،لإعداد خطة دبلوماسية وقانونية وقائية، بقصد التصدي للمغرب، في حالة ما اذا أقدم على إثارة موضوع استعادة سبتة ومليلية والثغور التي تصر اسبانيا على الاستمرار في احتلالها شمال البلاد.
ويستنتج من الاخبار المسربة، بعبارات متماثلة ومضمون متشابه، ان “حربا دبلوماسية” تلوح في الافق بين المغرب وجارته الابيبرية، قد تتحول اللجنة الرابعة المكلفة تصفية الاستعمار الى ميدانها الفسيح.
وهذا التذكير الإخباري، لا يتنافى مع وجود نزاع ترابي بين المغرب وجارته الشمالية، تنكره هذه الاخيرة وسعت، بكل الوسائل، الى طمس معالمه وإبعاده عن اجندة اللقاءات الثنائية والمتعددة، السرية والعلنية، حتى صار موضوع “سبتة ومليلية”مع مرور الزمن والشحن الإعلامي المتدفق للرأي العام الاسباني؛ صار بمثابة “طابو”محاط بالقداسة، تلاحق اللعنة،أي فاعل سياسي،اقتصادي وحتى ثقافي، إن حاول الاقتراب من المحرم.
وفي هذا السياق، فان رئيس الحكومة، عبد الاله بنكيران، مثل سابقيه،الذين قصدوا مدريد لنفس الغاية،وجد معارضة من مضيفيه الاسبان، بخصوص ادراج المسألة الترابية الثنائية، ولو على هامش جدول اعمال اللجنة العليا المشتركة التي بحثت في دورتها التاسعة الاخيرة، اوجه التعاون الكثيف بين الجارين في مجالات حيوية عدة.
اضطر رئيس الحكومة المغربية،لانتقاء العبارات الموحية،المغلفة بستار من البلاغة،لكي يبلغ،بلباقة، رسالة المغاربة الى جيرانهم،بشأن التركة الاستعمارية العالقة.
ويبدو ان الضيف احس بأن اسماع مضيفيه لا تميل نحو جهته، فاثار الموضوع مجددا في اللقاء الصحافي مع نظيره، ماريانو راخوي، إذ قال بدون مواربة، ما معناه “لن يتوقف التطرق لمسألة سبتة ومليلية والاجزاء المحتلة،لا في الحاضر، ولا في المستقبل” في تذكير لمحاوريه بان مطلب المغاربة قديم، وظلم جيرانهم ثابت!!
حيال هذه المواضيع الشائكة، يستحسن اللجوء الى الخيال السياسي واستدعاء سيناريوهات محتملة. في هذا الصدد، يجوز تصديق ما روجته مواقع اسبانية من اعلان حالة طوارئ في جهازها الدبلوماسي واستعانتها باحتياطيين متقاعدين،لاعداد استراتيجية هجومية ودفاعية ضد خطط المغرب. هذا اذاسلمنا بأن هذا الاخير، يفكر حقا،بنفس الكيفية التي يتصورها الجانب الاسباني. كما يصح ان يكون القصد من الخبر استنفار المغاربة لمعرفة ردود فعلهم.
وليس خافيا ان المغرب قلق من استمرار وضع جامد،وبالتالي فمن حقه الاعراب عن مخاوفه بمختلف الوسائل. ضاق ذرعا بتصلب المنطق الاسباني ونظرته الضيقة لملف الاراضي المغربية السليبة.
يرفض الاسبان الاقتناع بان الزمن والمستقبل، يصبان في صالح المقاربة المغربية،على اعتبار انها تتسم بالسلمية والتدرج المرن في اطار مراعاة المصالح المشتركة وطمأنة سكان المدينتين، مغاربة وإسبان.
إن الاوضاع الدولية المضطربة والمتفاقمة على كافة الاصعدة،تشير بوضوح إلى ان جارتنا الايبيرية، معرضة بدورها لرياح التغيير السارة والضارة، ما من شأنه ان يؤدي الى اعادة النظر في الاسس التي يقوم عليها نموذج الحكم في اسبانيا الذي تتجاذبه حاليا، نزعات الفدرالية والانفصال المنكفئ على الحدود الاقليمي
الضيقة.ومابين التيارين، يوجد مجرى ثالث لأفكار،تنشد التحرر من قيود وبنيات الدولة العتيقة والنظام الموروث.
وطلائع التغيير لم تعد بعيدة، تطل برأسها، كلما ذهب الاسبان الى صناديق الاقتراع. فهل ينتظر المغرب حتى يجد نفسه في يوم من الايام في مواجهة حكومة مختلفة في كل شيء؟ لا يدري كيف سيصبح الحوار والتعاون معها؟ منسابا ومتدفقا،أم العودة القهقرى الى زمن المواجهات؟.
هذا سبب كاف وحده، لحمل السلطات الاسبانية، للكف عن تجاهل المطالب المغربية و دعواتها لوضع الخلاف على طاولة النقاش والتفاوض الهادئ، قبل ان ينفد صبر هم.
ان المقايضة التي اتخذتها اسبانيا،ركيزة لسياستها حيال نزاع الصحراء محدودة الصلاحية، غير مفيدة لها استراتيجيا، على المدى البعيد ؛فكلما تأجل الحسم في الخلاف الترابي الا وظهرت أوراق لم تكن في الحسبان قد يضطر المغرب لاستثمارها في خضم معركة تصفية التركة الاستعمارية.
وعلى افتراض ان الرباط، ستعرض إشكالية الاحتلال الاسباني لأراضيها على انظار اللجنة الرابعة للامم المتحدة، فإنها ستفعل ذلك من باب التذكير وليس تهديد الاسبان، لافهامهم ان المستقبل يسير في خط متعارض مع الذهنيات الاستعمارية العتيقة. الرهان المشترك يجب ان يتجه على الاجيال الشابة في البلدين، المشبعة بثقافة العولمة وانتفاء الحدود.
ومن المؤسف ان لا تعترف الدولة العميقة في اسبانيا، بالتطور الذي حققه المغرب في افق تحديث البنيات السياسية والاجتماعية وعصرنة الاقتصاد؛ مامن شأنه ان يقربه اكثر من اسبانيا، في جوار سلمي،يستند على التفاهم والتعاون في السراء والضراء. بلدان يتقاسمان الاعباء ويتبادلان الادوار والتأثير في محيطهما.
الكرة، بايدي الاسبان منذ قرون، و هم الان في ظرف فارق؛ فإن لوحوا لجيرانهم بمنديل ابيض، فلن يروا من جانبهم الا الترحيب والاستعداد،لارساء شراكلة متفاعلة، قوامهه التضامن والتكامل، بديلا لعهد استعماري قاتم، لم يعد له مكان في عصرنا الزاخر بقيم التحرر وحقوق الانسان افرادا وجماعات.

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *