بقلم: محمد أديب السلاوي*
السؤال الذي يطرح نفسه في حالة وعينا بتخلفنا : ما الذي ينبغي لنا تغييره ؟ كيف لنا أن نصلح كل هذه الحالة …؟ كل هذا التخلف…؟
طبعا يختلف مفهوم “التغيير” في المغرب عن مفاهيمه الأخرى في القرية الكونية، على المستوى العالمي، بدأت موجات التغيير تتصاعد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1979، حيث انهار النظام الثنائي القطبية، وتحول النظام الدولي إلى نظام القطبية الأحادية، الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، تهيمن على المسرح العالمي، بحكم قوتها العسكرية الفائقة وإمكاناتها المالية والاقتصادية والتكنولوجية الفائقة أيضا. وهو ما يختلف – كمفهوم- عن التغيرات الذي يتحدث عنها المغاربة.
وإذا أردنا تحديد السمات الأساسية لهذا التغيير، على المستوى العالمي، سنجد في المقام الأول، التطوير التكنولوجي، وانعكاساته على صناعة الحسابات، وشبكات الانترنيت والاتصال، وآثاره على مجالات السياسية والاقتصاد والثقافة، وما يرتبط بها من قيم وسلوكيات.
وفي المقام الثاني والأخير، سنجد “العولمة” التي تعمل على إلغاء المسافات بين السياسات الداخلية والخارجية للدول والقارات، وآثارها على تشكيل الوجه الجديد للقرية الكونية.
من هذه الزاوية، تصبح كلمة “التغيير” غير قابلة للاختصار ولا للقراءة المبسطة على المستوى المحلي، (مستوى الدولة القومية)، ولكن مع ذلك، نجد لها، موقعا متميزا في الثقافة السياسية للمغرب الحديث.
مغربيا، تسللت هذه الكلمة / التغيير إلى جانب كلمة “الإصلاح” إلى الخطاب السياسي المغربي في فترة ما قبل عهد الحماية في القرن التاسع عشر، حيث كانت البلاد في حاجة إلى قومة تغييرية شاملة، فكان صداها الفطري يتردد على لسان النخبة المغربية، التي كانت تأمل أبعاد الخطر الاستعماري عن البلاد، و لكن رغم ما حدث في مارس 1912 لم تختف هذه الكلمة (التغيير) من الوجود السياسي المغربي، بل ظلت حية متحركة نابضة، داخل / خارج المتغيرات السياسية.
وفي سنة 1955، حيث استعاد المغرب استقلاله، عاش الشعب المغربي، بكل فئاته وطبقاته، أشكال التغيير في اللحظات الانتقالية، من عهد الحماية إلى عهد الاستقلال . بعض النخب من الشعب المغربي توقفت في طرح أسئلة الانتقال التي كان يستوجبها واقع المغرب آنذاك، وبعضها الآخر اكتفى بالتفرج على لحظات التغيير … وما كان مطروحا في تلك اللحظات هو الخوف من السقوط في تغيرات مغلوطة أو سطحية، تنطلق من نفس منطلقات تحقير الإرادات أو الاستخفاف بالتاريخ.
وتمر السنوات الأخرى و تبقى كلمة ” التغيير” حاضرة في الحياة المغربية.
عندما عينت حكومة التناوب التوافقي سنة 1998، أعلنت “التغيير” شعارا لها، باعتبار أنها جاءت من أجل إصلاح ما أفسدته السياسات السابقة، ومن اجل إحداث القطيعة مع أساليب التدبير المعتادة للشأن العام الوطني…
ولأن “التغيير” في نهاية القرن الماضي اتسع مفهومه في القواميس السياسية، واتسعت دائرة شموليته، حتى أصبح يشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والقانون وكل مناحي الحياة، سيطر هذا المصطلح بقوة على خطاب هذه الحكومة من داخل بيتها ومن خارجه، ليصبح جزء منها و من برنامجها … وهو ما كان يتطلب تنقية أرض الديمقراطية من كل المفاهيم المنحرفة التي علقت بها منذ انطلاقتها مع أول دستور للبلاد سنة 1962، حتى تتمكن الدولة من أن تكون ديمقراطية، وتغيير عقلية المسؤولين عن تطبيق القانون، وتطبيق مفاهيم الديمقراطية، وأعني بهم الزعماء السياسيين و الوزراء والمدراء والولاة والعمال وكل رجال السلطة … وهو ما جعل “التغيير” عملية شبه مستحيلة، في زمن شبه مستحيل.
لربما كانت المرة الأولى التي انتبه فيها دعاة التغيير، إلى أن هذا الأخير،هو رهان استراتيجي، لا يتحقق بـ ” الكلام” وان تحقيقه يعني قبل كل شيء، إعداد البلاد وتأهيلها من أجل الاندماج في النظام العالمي الجديد وما يطرحه من تحديات … وهو ما كان يتطلب إرادة فعلية وانخراطا حقيقيا في دولة المؤسسات ودولة الحق القانون.
*كاتب صحفي