بقلم: عبد الناصر*
لا يوجد شعب مدلّل مثل الشعب الجزائري.. مقولة صار يردّدها مسؤولون كبار وصغار كثيرون، بعد أن انهار سعر النفط، وهم يعدّون بعض الامتيازات من ضروريات وكماليات، التي حصل عليها الشعب، من مجانية العلاج والتعليم وسكنات اجتماعية، ويتفاخرون بكونه الشعب الوحيد في العالم الذي يحيا ويعيش من دون أن يعمل، بل إنه وحده من يتحرّك بمعدل خمسة عشر ألف احتجاج في السنة الواحدة، بينما لا يكاد الوزراء يتحركون مرة واحدة في السنة، وهناك من البرلمانيين من لم ينطق بكلمة واحدة ولو “كحّة”، منذ أن لمست يداه أوراق مرتب الثلاثين مليون سنتيم.
الدولة، بعد أن جففت آبار النفط من أجل شراء السلم الاجتماعي باعترافها، تركت الشعب الآن يسيّر البلاد. فهو وحده من يفرض بعض المشاريع على الدولة، من خلال احتجاجاته، فتراه هنا يُدخل الغاز بالقوة، وهناك يجبرها على تعبيد الطريق وبناء ثانوية. وانتقل الآن إلى اللعبة الشعبية، كرة القدم، فصار يقيل المدربين ويطرد اللاعبين. وهاهو الآن يفرض على هذا الرئيس التنحية، وعلى ذاك العودة، كما حدث في تيزي وزو والعلمة وعنابة. وقد ينتقل إلى رسم الخطة المناسبة لأجل الفوز بهذه المباراة أو تلك، إلى أن بلغنا درجة العبث، عندما اعترف رئيس ناد بأنه استقدم المدرب، إذعانا لطلب الأنصار. واعترف نفس المدرب بأنه طرد بعض اللاعبين إذعانا لطلبات الأنصار أيضا. فإذا تواصل الأمر على هذا المنحى، فقد تتغير لعبة كرة القدم نهائيا في الجزائر، وبدلا من أن يتنقل اللاعبون في وقت الراحة إلى غرف تغيير الملابس، سيذهبون إلى المدرجات لتلقي النصائح أو الأوامر من الأنصار.
قد تكون الكرة أفيون الجزائريين فعلا، لأن الذين طالبوا برحيل محند الشريف حناشي، رئيس شبيبة القبائل، من أجل أن تتحسن نتائج ناديهم مثلا، يعلمون أن مدينة تيزي وزو تعاني من مشاكل في كل المجالات. والذين طالبوا برحيل محمد الهادي، كروم رئيس اتحاد عنابة، يعلمون أن مدينتهم تعيش منذ بضعة أشهر من دون وال ولا رئيس دائرة. وجميعهم على علم بأن لاعب الكرة يتقاضى أعلى مرتب، وحتى لو حصلوا على الألقاب كما حدث في سطيف، فإن حياتهم لن تتغير، ومعاناتهم لن تتبدّد.
نعود إلى الدلال المزعوم، الذي يفتخر به النظام، وهو يلفّ شعبه في القماط، ويجبره على ألا يتعلم صيد السمك، ويبذل ما بوسعه لأن يقدمه له مستوردا ومجمّدا في صحن ليلتهمه. وهو دليل على أن السلطة إنما تدفع الجزائريين إلى أن ينسوا دورهم الحقيقي في الحياة، فنراهم يمارسون قطع الطرقات في وجه بعضهم البعض، ويقيلون مديرين ورؤساء أندية تم انتخابهم ديمقراطيا، ويفرضون على مسؤولين بعض المشاريع من دون أدنى تخطيط، لتتباهى الدولة بعد ذلك بديمقراطيتها المزعومة وبدلال شعبها المزعوم، بينما هي في الحقيقة تنجح في إسقاط الشعب.. بالضربة القاضية.
*صحفي جزائري/”الشروق”