بقلم: سليم قلالة*
لم تكن هناك “فيزا” نحو أوروبا بالنسبة للجزائريين حتى بداية التسعينيات. كان الشباب الجزائري يقوم بصرف مبلغ المنحة السياحية الذي يُسلَّم له، ويتجه سائحا إلى هناك.. يقضي ما استطاع من أيام ثم يعود إلى دراسته أو عمله، قليلٌ منهم فقط من كان يُفضِّل البقاء والعمل “عندهم”، رغم أن الفرق في مستوى الحياة كان كبيرا بيننا وبينهم…
كانت غالبية الشباب تَرجع إلى أحيائها في المدينة أو إلى قُراها في الريف بدون أية عقدة.. حتى وإن لم يكن بمساكنهم كهرباء أو ماء شرب، ناهيك عن أن تكون لديهم سيارة أو درّاجة نارية.. أي كانوا على بساطة الحياة في تلك الفترة يعودون، لم يفروا من بَلَدهم، ولا كانوا منبهرين بأضواء باريس أو حتى جنيف وفرانكفورت.
لم يكن شباب تلك الفترة قد فقد ذاته ولا شعوره بالانتماء لعائلة وبيت ووطن. ولا كان يشعر بأنه بلا مستقبل، ولا كان اليأس قد أَحْكَمَ قبضته عليه.. عكس ذلك تماما، كان يعي بعقلانية تامة الفرق بينه وبين البلاد المتقدّمة صناعيا التي كان يزورها، وكانت تَتَملَّكه رغبة شديدة في الاستجابة لتحدّي التقدم. ولذلك كان يدرس بجد، ويعمل بجد، ويحلم أيضا، يسافر ثم يعود، مثله مثل أي إنسان له بيت ووطن…
كان شبابنا طبيعيا في سلوكه وتصرفاته، متوازنا قانعا بنصيب الحياة الذي لديه، باحثا عن حلول يصنعها بنفسه داخل بلده.
ما الذي حدث خلال عهد ما بعد “الفيزا”؟ ما الذي تغير حتى تبدَّلت السلوك والطبائع؟ ما الذي جعل شبابا لم ير أوربا ويُعبِّر عن استعداده لركوب “قوارب الموت” من أجل بلوغها؟ ما الذي جعل غالبية تفكر بمغادرةٍ من غير رجعة؟ هل هو الطموح الذي افتقد؟ أم هي القناعة التي فَنى كنزُها؟ أم هو الخوف من المستقبل الذي أصبح ضاغطا؟ أم هو الوقوع تحت سحر الإعلام وإنترنت وفايسبوك وآلاف القنوات التلفزيونية التي أصبحت تخترق حتى بيوتنا البسيطة في عمق الصحراء وأعالي الجبال؟ أم هي سياسات الحكومات المتعاقبة التي بأخطائها قتلت روح الأمل في شبابنا ولم تترك له إلا مخرجا واحدا: الفرار؟
يبدو أن هذه العناصر جميعها قد تحالفت ضد شباب بلا حول ولا قوة. أحاطت به من كل جانب بما لم يُحط به خُبرا شبابُ الثمانينيات والسبعينيات، ومنعته من أن يكون كما هو…
أيها الناس لا تلوموا شباب اليوم إن حاول الفرار بل اسألوا أنفسكم: ما الذي قدمتم لتفكوا عنه كل هذا الحصار؟
*كاتب صحفي/”الشروق” الجزائرية