بقلم: عمر الكدي
تركزت الأنظار على تنظيم داعش في درنة أكثر من التنظيم في سرت، وخاصة بعد تقدم الجيش في محور عين مارة، ومن الواضح أن التنظيم في درنة لا يستطيع التمدد شرقا وغربا وجنوبا، لأن المنطقة غير مناسبة لتكون حاضنة لداعش، وحتى الذين اتخذوا من رأس الهلال ملاذا لهم ظلوا هناك، واكتفوا بعمليات انتحارية استهدفت بوابة لملودة وبوابة مطار الأبرق العسكري، وعندما يعجزون عن التقدم يكتفون بصواريخ وقذائف من بعيد معظمها سقط في الخلاء.
في سرت وجد التنظيم بيئة حاضنة، فعدد كبير من سكان المدينة حسب على النظام السابق، ومشاهد دخول مقاتلي مصراته إلى المدينة وهم يطلقون النار على البيوت الخالية بحقد، يؤكد أن الحقد يولد الحقد، كما أن المدينة التي كانت مدللة زمن القذافي أهملت بالكامل، وعانى سكانها مبكرا من اختفاء الوقود والمواد الغذائية والأدوية والسيولة المالية، وتحولت الحياة فيها إلى جحيم، وهي من بين المدن القليلة التي لم تنتخب مجلسا بلديا، أما مجلسها التسييري فاكتفى باصدار البيانات وليست له سلطة حقيقية، وأخيرا سلب منه تنظيم داعش جميع المقرات الحكومية، وجعله يصدر بياناته من الشوارع والمرابيع.
كانت العلاقة في البداية بين فجر ليبيا وتنظيم داعش تتسم بالود، عندما كانت قوات فجر ليبيا تسيطر على المدينة، قبل أن يعلن التنظيم عن هويته ويبايع البغدادي، وقبل أن ينتبه مقاتلو مصراته للفخ الذي نصبه لهم الإسلاميون تمكن تنظيم داعش من السيطرة على المدينة، ويعد محمد بوسدرة أهم من عمل على تقوية التنظيم في سرت، عندما ذهب نيابة عن المؤتمر الوطني للتحقيق في سرقة 53 مليون دينار ليبي و10 مليون بالعملة الأجنبية، وفي 31 أكتوبر 2013 قال رئيس الحكومة علي زيدان أن الموضوع سيحل في غضون ساعات، وعاد بوسدرة إلى طرابلس وطمأن المؤتمر الوطني بأن اللصوص معرفون بالإسم، وأن القبض عليهم سيتم خلال ساعات، إلا أن ذلك المبلغ هو رأس المال الذي بدأ به تنظيم داعش سيطرته على سرت.
مسؤولو النظام السابق وفي مقدمتهم أحمد قذاف الدم راهنوا على تنظيم داعش في سرت، وخاصة بعد أن نجح بعثيو العراق وجيش صدام في توظيف تنظيم داعش، وعندها لم يكتف قذاف الدم بتوجيه الشكر والثناء لهؤلاء”الشباب المثاليين”، ولا يستبعد أن يكون قذاف الدم ومن يقف معه قد وجهوا الدعم المالي وأيضا السلاح إلى التنظيم في سرت، لعلمه أن التنظيم يستطيع التمدد واحتلال الجفرة وحقول النفط، وعندها يمكن تقوية موقفه التفاوضي.
أين ذهبت العشرة آلاف حقيبة متفجرات التي استوردتها وزارة الدفاع عندما كان وكيلها خالد الشريف؟، وفقا لتصريحات العقيد فرج البرعصي آمر المنطقة العسكرية الجبل الأخضر لبوابة الوسط الأسبوع الماضي، أراهن أنها الآن في سرت، وقد تكون تلك المتفجرات هي التي استخدمت في الهجوم الانتحاري على بوابة الدافنية يوم الأحد الماضي.
هل يمكن هزيمة داعش في سرت ودرنة ورأس الهلال وبنغازي وأيضا المتطرفين في الزاوية وصبراته؟ نعم يمكن ذلك إذا اتحد الشعب الليبي أولا، وقد تتحول سيطرة داعش على سرت من مصيبة إلى نعمة، إذا عجلت بالتوافق والمصالحة الوطنية، وتبدو تباشيرها في المصالحة بين مصراته وتارورغاء، فتجاهل تاورغاء كل هذه السنين وأهلها يعيشون لاجئين في وطنهم قد يحول شبابهم إلى وقود لداعش، مثلهم مثل أهالي القواليش وكل المهجرين داخل البلاد وخارجها.
حتى الآن لا أعرف سر انسحاب الكتيبة 166 المفاجيء من قاعدة القرضابية، ولكنني سأتبنى النوايا الحسنة ولا أرجح أن الانسحاب تكتيك لتقوية موقف مصراته في المفاوضات، عندما تدرك الأطراف الأخرى أنه بدون مصراته لا يمكن هزيمة داعش، ووجودها في معركة داعش ضروري مثل وجود الزنتان وقوات الكرامة وجميع القوى الوطنية، فما تعلمناه من ثورة فبراير أن الشعب الليبي يتحد وتتغير أخلاقه إذا هدد، ويمضى على قلب رجل واحد حتى ينهي عدوه ثم يختلف بشدة حول غنائم المعركة، فهل سيوحدنا داعش مثلما توحدنا ضد القذافي خلال ملحمة فبراير؟
“بوابة الوسط”