نجا رئيس وزراء حكومة طبرق «عبدالله الثني» من محاولة اغتيال امس الاربعاء، بعد خروجه من اجتماع برلمان «طبرق» داخل قاعدة عسكرية بحرية في المدينة، محاولة الاغتيال سبقها تجمع حشود غاضبة امام القاعدة على رئاسة «الثني» تطالبه بالتنحي، فالصراع داخل معسكر الحلفاء بلغ مستويات عالية، والمعسكرات المتصارعة في «طبرق» اصبحت اكثر ميلا لحسم صراعاتها على أمل ان يفرض المعسكر الفائز أجندته ورؤيته وتحالفاته.
الصراع الدائر داخل معسكر «عملية الكرامة» نجده منعكسا بإعلان «القاهرة» تأجيل اجتماع القبائل الليبية الذي كان مقررا الثلاثاء الماضي في مصر، كما يمكن رصد المزيد من الانقسامات على خلفية صفقات الاسلحة مع فرنسا في مقابل التأني الامريكي، التنافس الدولي يتجلى بوضوح أكبر بإعلان «عبدالله الدايري» وزير الخارجية الليبي بـ “أن الولايات المتحدة لا تتعاون في مكافحة الارهاب وتربطه بتشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية»، ليختم تصريحاته بتمني نجاح اجتماع القبائل في «القاهرة»، وهو ما تم تأجيله، اجتماع كان يعول عليه لإطلاق الحملة العسكرية التي يراهن عليها معسكر الكرامة متجاوزا ومستبقا بذلك على الارجح تشكيل حكومة وحدة وطنية.
الانقسام في ليبيا يبدأ بالتصارع داخل المعسكر الواحد لينتقل نحو صراع اقليمي يضم الجزائر وتونس والمغرب ومصر من جهة اخرى الى جانب دول من خارج الاقليم، ويتسع اكثر ليشمل قوى دولية تضم فرنسا وامريكا اللتين تتنافسان بدورهما بصمت داخل الساحة الليبية.
الامر لا يتوقف عند هذه الحدود فالاتحاد الاوروبي ايضا بات طرفا في الصراع بضغط من ايطاليا للتعامل مع مشكلة الهجرة المتفاقمة، الامر الذي انتهى الى الاعلان عن استراتيجية تتضمن عملا عسكريا استباقيا يستهدف شبكات تهريب المهاجرين و»قوارب الموت» قبل انطلاقها.
على وقع التوجه الاوروبي للتدخل المحدود، وعلى وقع الصراع المحتدم في معسكر طبرق، وعلى وقع التنتافس والتجاذب بين دول شمال افريقيا العربية، وعلى وقع صفقات الاسلحة الفرنسية في ليبيا، دعا الرئيس الامريكي الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو» الى الوحدة والتكاتف في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، خلال لقائه الأمين العام لـ»الناتو» «جينس ستولينبيرغ» في واشنطن، كما دعا الى التعاون والتنسيق مع القوى الاقليمية، وصفة باتت مستحيلة في ظل التنافس وتضارب المصالح.
«اوباما» نقلا عن (البي بي سي) حدد تركيبة هذه الوصفة العلاجية فقال «إن الناتو بحاجة إلى بحث إمكانية نشر قدراته العسكرية بشكل فعال لمواجهة قائمة من التحديات التي تمتد الآن من ليبيا إلى العراق إلى أوكرانيا»، وهو بذلك يوسع دائرة التحديات الملقاة على عاتق الناتو لتشمل التهديد الامني في اوكرانيا شمالا وعنوانها روسيا، وليبيا وسوريا والعراق جنوبا وعنوانها «داعش». اوباما مراوغ حذق يرى ان المسؤولية تقع على عاتق الحلف والدول الاقليمية، أمر يعطيه قدرة اكبر على المناوره بنقل المعركة الى ساحة حلف الناتو وتجاذبات اعضائه وأولوياتهم، بين من هو منجذب لأمن المتوسط والنفط وسوق السلاح، وبين من ينصب تركيزه على أمن اوروبا الشرقية ممثلة في اوكرانيا والديون اليونانية.
ليبيا بعد هذا كله غارقة في ازمتها والوصفات المقدمة تعمق الازمة وتطيل عمرها وتحرف الحوار عن غاياته الحقيقية، وفي ذات الوقت تعيق القدرة على مواجهة التحديات الامنية الداخلية، فالوصفة الحقيقية هي بالعودة الى طاولة الحوار، والتوقف عن التعويل على الحلفاء الاقليميين او القوى الدولية، فكل الوصفات المقدمة لليبيا لا تهدف الى انهاء الازمة بل الى متابعة الصراع، فالمتنافسون الاقليميون والدوليون لا يتسابقون نحو الساحة الليبية للمساعدة، وانما للمنافسة فيما بينهم فقط، حتى لا ينفرد احدهم بالساحة ويفرض اجندته.
*كاتب صحفي/”السبيل”