لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية في كل جهات البلاد منذ اكثر من اربع سنوات، ففي كل الجهات هناك فقر وحرمان وبطالة وتهميش وقد كانت الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت من الحوض المنجمي في 2008 ثم في بنقردان في صيف 2010 وصولا الى سيدي بوزيد وكل المدن والقرى التونسية وصولا الى زلزال 2011 دليلا على نموذج تنموي فاشل ادى بالبلاد الى أفق مسدود انتهى بسقوط النظام وحل الحزب الحاكم ومطاردة شعبية وقانونية لأغلب قياداته.
واذا كنا نتفهم هذا الغضب الذي لم يتوقف ولن يتوقف مادام هناك فقر وتهميش فان مؤشرات كثيرة تؤكد اليوم ان المسالة في ظاهرها غضب شعبي واحتجاج على التهميش من الشمال الى الجنوب الا ان هذا الحراك الاحتجاجي المبرر يخفي اجندات اخرى مرتبطة بترتيبات إقليمية تقودها دول وتتزعمها احزاب وشخصيات سياسية وجدت اساسا لتنفيذ مشروع يتخفى وراء التوق الإنساني للحرية والديمقراطية.
ان تونس اليوم رغم نجاحها النسبي الى حد الان في تجاوز المرحلة الانتقالية باقل ما يمكن من الخسائر البشرية خاصة قياسا بما يحدث في اليمن وليبيا وسوريا والعراق فإنها مهددة بجدية بسيناريو سياتي على الاخضر واليابس ان لم ينتبه الجميع الى ان هناك من يمسك بعود ثقاب ليشعل الحريق الذي لن يبقي على شىء هذه المرة.
ففي الوقت الذي تلازم فيه الاحزاب والمنظمات والجمعيات الصمت على ما يحدث -ضالع في إشعال الحريق -نلاحظ نزعات قبلية وجهوية تهدد بجدية الوحدة الوطنية التي كانت سر نجاح تونس في تجاوز كل المحن والصعوبات.
ان الدعوات التي تبدو في ظاهرها مجرد احتجاج على واقع اجتماعي واقتصادي صعب تخفي أجندا لتقسيم البلاد ففي كل الجهات تقريبا ترتفع الدعوات على الشبكات الاجتماعية لـ«التمتع بخيرات الجهة» يحدث هذا في الساحل والشمال الغربي والوسط والجنوب واذا لم تتعامل الحكومة والأحزاب والجمعيات والمنظمات والإعلام بالجدية اللازمة لصياغة راي عام يدعو الى الوحدة الوطنية اولا والولاء لتونس فوق كل الاحزاب مع تقدير وتثمين مطالب كل الجهات التي عانت وتعاني من الاقصاء والتجاهل، فان الحريق لن يترك احدا في مأمن ورقعة الدم والخراب تتسع ولن يوقفها احد انذاك.
*صحفي تونسي/”الشروق”