تحتاج بنية مجتمعاتنا العربية إلى إعادة النظر في تشكيل هويتنا وثقافتنا عامة، وهوية وشخصية المجتمع الليبي بصفة خاصة، وتنبع هذه الحاجة الماسة لمزيد من النقد الفكري من الأهمية القصوى لضرورة انخراط تلك العقليات المهووسة والمسكونة بقيم وأفكار مستمدة من تداعيات أحداث الماضي الذي تحكم ظروفه وواقعه الذي نشأ فيه، والأسباب المباشرة وغير المباشرة التي شاركت في بلورته وصناعته، وأثر التكوين المعرفي والقيمي لشخوصه، ومحاولة استبداله والاستعاضة عنه بقيم العصر ومناخات الواقع المعاصر ومواكبة الحالة الثقافية والفكرية والعلمية والسياسية التي تقوم على مبادئ الدين، وفكرة التعايش وفق مبدأ العدالة والحرية وحق الناس في تحديد مصائرهم ومستقبلهم، من دون قيود أو وصاية بشرية، أو التقوقع حول سلطان معرفي سابق، لا يتماشى مع متطلبات العصر الحاضر.
من هنا، علينا البحث وإمعان النظر لتحديد أهم تلك الأمراض والبنى الفكرية والثقافية المستعصية التي لا تزال تفعل فعلها، وتستحكم بوجودها في بعض جوانب حياتنا الثقافية والاجتماعية التي تقيدها من الانفلات من عقال التخلف والانقسام.
ويعمد دعاة ورموز العصبية المتحكمون بمفاصل القرار الاجتماعى إلى ترفيع أبناء القبيلة أو الجهة أو من العشيرة نفسها إلى المناصب القيادية في الدولة القبلية، أو الجهوية، بتغذية وتوجيه تكالبهم المستميت على احتلال المناصب العليا والوظائف الكبرى، وتوزيع المكاسب والمغانم فيها. ويتم ذلك، طبعاً، على حساب تراجع الأسماء الكبيرة من المفكرين والمثقفين وأصحاب الكفاءات والقدرات الحقيقية المختصين في مجالات الفكر والعمل المختلفة. ويشكل هذا النوع من التعدي والظلم الاجتماعي والعلمي الذي يفضي إلى إحداث اختلال بالغ في موازين المسؤوليات، ومعدل الأداء والتأثير السلبي على نجاح الأدوار والمهام اللازمة، للنهوض بالمجتمع، الأمر الذي يشكل عامل يأس وإحباط ونفور لدى النخب المفكرة والمتعلمة، والراغبة في العطاء. إذ يولد لديها ردود أفعال سلبية، إزاء الوضع الانحداري الخطير الذي بدأت تسير عليه البلاد في كل قطاعاتها ومؤسساتها.
وكم نحن بحاجة إلى الاستفادة من الماضي، والاستناد إلى كل ما فيه من إيجابية، ونترك ما فيه من سلبية، ونستشرف المستقبل مع العيش في الواقع، والتطلع إلى بناء دولة معاصرة، تستظل بمبدأ الحرية، وتحترم كرامة الإنسان.
*كاتب وباحث ليبي/”العربي الجديد”