إن هذا السؤال مطروح اليوم بقوة في تونس وذلك سواء في قالب يستبطن رسائل سياسية صريحة وحامل لاتهامات مباشرة أو يستند إلى تساؤل موضوعي، المراد منه فهم الأسباب والمسببات.
ولقد فرض نفسه بأكثر قوة هذا السؤال الملتبس تحديدا على أثر مجزرة متحف «باردو»، الذي ذهب ضحيتها عدة أبرياء. ثم رد الفعل الانتقامي، الذي قام به الإرهابيون والمتمثل في الكمين الذي زهق أربعة أرواح من الجيش التونسي.
فتحت وطأة تتالي العمليات الإرهابية وضرباتها النوعية، بدأ التونسيون يدركون أن الإرهاب في تونس حقيقة وواقع وليس كما كان يُعتقد فزاعة ومجرد شعار مغرٍ من شعارات الحملات الانتخابية.
فلا يوجد أي شك اليوم في أن تونس قد شملها خطر الإرهاب وأنها أصبحت مجبرة على خوض حرب ضد الإرهابيين مع علمها بتداعياتها وأيضا بنوعيتها باعتبار أنها حرب مفتوحة في الزمن وفي الفضاء.
في هذا الإطار الذي أصبح يخضع في تحديده وتوصيفه إلى الوقائع أكثر منه إلى وضع السيناريوهات الممكنة والاستقراء البرهاني، نرى أن السؤال المشار إليه – والمتمثل في إلى أي مدى كان بإمكان تونس تجنب هذه الحرب – جدير بالطرح ولكن كلما كان الطرح أبعد ما يكون عن التسييس كانت الإجابة بدورها أكثر موضوعية.
لذلك فإنه يبدو لنا أن الإجابة عن السؤال المطروح، تحتمل في نفس الوقت وفي الإجابة ذاتها الإيجاب والنفي. فكيف ذلك؟
فمن جانب معين، نعتقد أنه كان ربما بالإمكان تجنب واقع الحرب على الإرهاب بالصورة التي أصبحت عليها والمتوقعة أيضا، ذلك أنه في المرحلة الأولى لما بعد الثورة، ظهرت ما يسمى رابطات حماية الثورة، وهي رابطات مثلت غطاء لعناصر متشددة كي تنشط وتتحرك، الأمر الذي استثمرته حركة «أنصار الشريعة»، التي كان زعيمها أبو عياض أحد الرؤوس المدبرة والذي نجح في استقطاب الشباب وفي تكوين جبهة من المريدين وهم الذين التفوا حوله في أحد جوامع المدينة تونس عندما أحاط رجال الأمن التونسي بالجامع، وذلك بعد أن تبين دوره التحريضي فيما تعرضت إليه السفارة الأميركية من أحداث عنف عام 2012 من طرف أتباعه. المشكلة أن الملقب بأبي عياض صاحب المشروع التكفيري، كان يتجول بكل حرية في تونس ويظهر في وسائل الإعلام التونسية. كما أن أحزاب «الترويكا» الحاكمة آنذاك قد استماتت في الدفاع بشدة عن رابطات حماية الثورة وتساهلت مع الممارسات العنيفة لكثير من قواعدها. وكانت الأصوات الناقدة والمعارضة آنذاك تنبه من خطورة تنامي هيمنة رابطات حماية الثورة على هيبة الدولة ومؤسساتها.
أيضا يرى الذين يصرون على أن تونس لولا أخطاء الترويكا كان يمكن أن تتجنب المعركة القاسية والدامية ضد الإرهاب، أن بعض الدعاة وأصحاب القراءة الدوغمائية للدين الذين فتحت لهم الترويكا الباب لدخول تونس وتقديم الدروس في منابرها ومساجدها وتمرير الرسائل المسمومة قد أسهموا بشكل أساسي في غرس بذور الإرهاب الشيطانية.
ومن ثم، فإن ما كان يكرره أصحاب المشروع التكفيري المقنَّع آنذاك من أن تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد، قد اتضح مع الوقت أن هؤلاء كانوا يتحدثون عن أولى مراحل المشروع التكفيري وكما هو معروف، فإن أسلوب المرحلية والتدرج من خاصيات هذه الجماعات.
إذن مع التذكير بهذه المعطيات، يمكن القول إنه لو كانت توجد يقظة تجاه الفكر التكفيري منذ تولي الترويكا الحكم في أواخر 2011، لما تمكن الإرهاب من دخول تونس من البوابة الكبيرة وتسجيل ضربات نوعية بالطريقة التي حصلت في مجزرة متحف «باردو»، أي أن عدم اليقظة والتساهل مكنا هؤلاء من تكوين خلايا نائمة ومن كسب عيون وآذان وخصوصا من ربط علاقة مصالح قوية بين الإرهاب والتهريب أي بين الإرهابيين والمهربين.
غير أن ما يجب أن ننتبه إليه أيضا هو أن ما كان يمكن تجنبه، هو حجم اتساع رقعة الإرهاب وليس وجوده في حد ذاته، أي أنه كان بالإمكان لو توفرت اليقظة والإرادة، التحكم في مدى المشكلة وحجمها.
إننا نتبنى مثل هذه الإجابة التوفيقية، التي تجمع بين النفي والإيجاب معًا، لأن الإرهاب ليس مشكلة محلية، بل داء عابر للحدود اكتوت به دول عدة متفاوتة القوة. وكون تونس بلدا عرف أولى الثورات العربية، فإن ذلك مثل فرصة لأصحاب المشروع المتشدد كي تُبنى تونس الجديدة وفق مشروعهم، أي أنها بلاد تسيل لعاب المتطرفين.
أما السبب الأكبر والمحدّد، فإنه يتمثل في المعضلة الليبية، حيث لم يكن بالإمكان تفادي الإرهاب الذي يرتع صباحا ومساء في ليبيا.
من هذا المنطلق، وجدت تونس نفسها مكرهة ومقبلة إجباريا على حرب ضد الإرهاب، خصوصا أن هذه الحرب اتخذت صبغة مصيرية وجودية. وهي الفكرة، التي التقطها التونسيون، الأمر الذي خلق وحدة وطنية تلقائية وعفوية ضد الإرهاب.
* كاتبة وشاعرة تونسية/”الشرق الأوسط”