لم تختلف نتيجة انتخابات الكنيست في الكيان الصهيوني عن ما سبق وكنا قد قلناه. قلنا إنها إن لم تعد لنا نتنياهو كرئيس لحكومة الكيان، فلسوف تأتينا بنسخة نتنياهوية أخرى لن تختلف عنه. الحاصل الآن أنها قد اعادت لنا النسخة الأصل للمرة الرابعة ولم تبدِّل تبديلا. عندما توقَّعنا ما توقَّعناه لسنا حينها بمنكان يتكَّهن ولم نك نضرب بالودع ولا بمن يحقق سبقاً، وإنما استندنا فحسب، الى فهمنا لطبيعة هكذا كيان استعماري استيطاني احلالي من سماته الاتجاه أكثر فأكثر يميناً،يضاف اليه أنه يجد فيراهن أيامنا العربية الأسوأ والأرد ما يحضه على المزيد من غلوِّه في فاشيتة التي لا تجد من يردعها. كانت المنافسة الانتخابية الصهيونية تدور بين المتطرِّف والأكثر تطرُّفاً، والخلافات بين معسكريها كانت في غالبها تتمحور حول شخص نتنياهو واسلوبه في الحكم وليس سياساته. مقياسنا كان هو مواقفهم من الصراع، ومعيارنا هو رؤيتهم لحسمه، أو ما سيتأتى عن هذه الانتخابات منعكساً على القضية الفلسطينية. وعليه، جزمنا بأن لا من متغير لديهم بعدها، بمعنى إما نتنياهو أو لا نقيض له. إن مجرَّد نظرة منا إلى خارطة القوى المتنافسة كانت كافيةً لأن تدلنا على هذا…
تضليلاً لا واقعاً، أُطلق على اصطفافات ساحة المنافسة في هذه الانتخابات معسكري اليمين واليسار، ولنتبين مدى هذا التضليل ومجافاة الواقع، لنأخذ هذين المعسكرين معسكراً معسكراً، ونمر على مكوِّنات كل معسكر تراتبياًوفقما عكستهالنتائج المعلنة للإنتخابات. ونبدأ بالأكبر والفائز، فنأتي إلى الليكود بزعامة نتنياهوالغني عن التعريف، لكن أقله مع وجوب الإشارة فحسب إلى كونه صاحب غزوة الكونغرس مؤخراً، والمختتم لحملته الانتخابية بزيارة مستعمرة “حار حوما” في جبل ابوغنيم المقدسي، والمتعهِّد بالحؤول دون قيام دولة فلسطينية، وأخيراً المتحدث دائماً عن التسوية والعامل الدائب لإفشالها، والحاصل حزبه على ثلاثين مقعداً. يليه حزب”كولاني” الجديد والصاعد بزعامة موشيه كحلون، الرافع لشعار اجتماعي هو “نهاية الصراع أم نهاية الشهر”، مع التذكير بأنه المنشق عن الليكود، والذي يعتبر نفسه الليكود الحقيقي، والحاصل على عشرة مقاعد. يليه حزب “البيت اليهودي” الفاشي بزعامة نفتالي بينت، المطالبب”إسرائيل الكبرى” دون تنازلات، وثمانية مقاعد. ثم يأتي حزب “إسرائيل بيتنا” الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات والمتضائل تمثيله الى ستة مقاعد، بزعامة افيغدور لبرمان، المنادي بتسوية مع العرب لا الفلسطينيين، والقائل “عندما اصبح وزيراً للدفاع ستكون المعركة الأخيرة لحماس”. يلي هؤلاء حزبا الحراديم الدينيين المتزمتينغير المختلفينغلواًعن سابقيهم فيما يتعلق بالصراع، وهما “شاس”، و”يهودات هاتوراة”، وسبعة مقاعد لكل منهما…هذا هو معسكر نتنياهو الفائز، فماذا عن مقابله الخاسر، أو ما يدعى زيفاً ب”اليسار”؟!
في مقدمته “المعسكر الصهيوني” بزعامة هرتسوغ ومعه تسبي ليفني والحائز على 24 مقعداً. وهرتسوغ هذا لا من فارق جوهري بينه وبيننتنياهو إلا في مسألة التفاوض، أما الثوابت واللآءات الصهيونية فهى هى عند الإثنين، إنه، مثلاً، مع تسوية، لكن مع بقاء القدس موَّحدةً، وبقاء المستعمرات جاثمة، ومع نوع من كيان فلسطيني، لكن على أن يكون مسخاً وابعد ما يكون عن تسميته بدولة. يليه حزب “يوجد مستقبل” بزعامة يائير ليبيد، الحائز على 11 مقعداً، والقائل أيضاً بقدس موَّحدة، ومع طلاق ديموغرافي بائن مع الفلسطينيين،لكن من طرف واحد ودون تقديم تنازلات جوهرية. وآخرهم يأتي “ميرتس”، الذي كاد أن لا يحصل على نسبة العضوية والخارج بخمسة مقاعد، فالمستقيلة على اثر ذلكزعيمته زهافا غالؤون، والذي يساريتهعند الضرورة صهيونية بحتة حتى العظم.
لعل المختلف الوحيد في هذه الانتخابات الصهيونية كان حذق نتنياهو وقدرته على استغلال كونها تجري في مجتمع يعاني لطبيعته، التي بيَّناها بدايةً، فوبيا وجودية متأصلة وفقداناًمرضياً لليقين بالقدرة على البقاء. كان ذلكمنه عبر إجادته للعب على وتيرة الهواجس الأمنية لهكذا كيان هش ومفتعل، مستفيداً من اصداء غزوته للكونغرس الأميركي للظهور بمظهر المتحدي الجسور المقتحم حتى لعرين الحلفاء في سبيل الذودً عن أمن صهاينته، وبالتالي جاز له الآن أن يفاخر: إنه “وبخلاف كل التوقعات، حققنا انتصاراً كبيراً للمعسكر الوطني بقيادة الليكود، عليناأن نؤلف حكومة قوية ومستقرة”… ولسوف يشكِّلها، فبين اليمينين الفاشي والمتديِّن المتزمت الصهيونيين لا ثمة من خلاف حول السياسات وإنما قد توجد فحسب في توزيع الغنائم والحقائب الوزارية ابان رحلة استيلاد الحكومة الأكثر من مريحة لنتنياهو من سابق حكوماته في سابق حقب رئاساته الثلاث المنقضية…إذن، وفي هكذا حالة، فماذا عن “أوسلوستان” وتهويماتها التسووية؟!
بعد طول انتظارترجم تلكؤاً وتجميداً للحركة شجَّع عليهما همس أميركي ومبعثهما مراهنةً عربية وأملاً أوسلوياً في أن يتصاعد الدخان الأبيض من مداخن صناديق الإقتراع آتياًبهرتسوغ والمفاوضات الى رئاسة الحكومة الصهيونية، اضطر صائب عريقات الموصوف بكبيرالمفاوضين لأن يؤبن غاليته المغدورة واصفاً ما حدث بأنه “انتخاب لدفن عملية السلام واستمرار الاستيطان”…لكنه لم يزد فيقول، مثلاً، ودفن لأوسلو، ولا أن اقصى ما قد تحصل عليه سلطتها بعد هذا الدفن سوف لن يزد عن احتمال إفراج عن اموال ضرائبها المجمَّدةمقابل مواصلتها تنسيقها الأمني في خدمة أمن الاحتلال، بمعنى مجرَّد الحؤول دون انهيارها الذي لاتريده ولايريده نتنياهو…
*كاتب فلسطيني