كما يزعم الدواعش تمسكهم بالدين الإسلامي، وسعيهم لإقامة الدين الحق، وتطبيق تعاليمه في المناطق التي احتلوها، فإن التتار قالوا الشيء نفسه، عندما ادعوا أنهم ما جاءوا إلى تلك البلاد إلا ليقيموا الدين، ولينشروا العدل، وليخلصوا البلاد من الظالمين، لكن في واقع الأمر انهم لا عهد لهم مطلقاً.
يحدثنا التاريخ أن دولة الإسلام لم تتعرض لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعبة مثلما تعرضت له في القرن السابع الهجري، حيث دمرت جيوش التتار بقيادة “جنكيز خان” حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، وسفكت دماء المسلمين وأتت على معالم الحضارة والمدنية، ولم تستطع قوة إسلامية أن توقف الزحف الكاسح للجيوش التترية، بل انهارت الجيوش الإسلامية، وتوالت هزائمها وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف، وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم، المغول في أن يواصلوا الزحف تجاه الغرب وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها.
لم تكن الخلافة العباسية في وقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على العراق منذ الغزو الأمريكي له ، وتسليمه إيران على طبق من ذهب، فعندما اختل الأمن في العراق، وكثرت الميليشيات التي تبناها المالكي عميل إيران، نجح أبو بكرالبغدادي(صنيعة الموساد والاستخبارات الأمريكية والإيرانية)، في الخطة التي رُسمت له لاحتلال مناطق من العراق، ضمن مخطط الفوضى المدمرة في البلاد العربية، فاجتاح ذلك الإرهابي مناطق واسعة من العراق ،على تخوم بغداد، وقرب الحدود مع تركيا والأردن، حتى صار ممسكاً بزمام الفلوجة وجزء من الرمادي في العراق، ومحافظتَي دير الزور والرقّة في سورية، كما نشط في اللاذقية وحلب وإدلب وحماة، الأمر الذي زاد في استقطاب المرتزقة وشذاذ الآفاق من أنحاء العالم!
“إن ضعف الخلافة العربية في بغداد جعل هولاكو القائد التتري الهمجي يخرج على رأس جيش عرمرم فيجتاح بغداد ويقتل الخليفة المستعصم، ويستبيح بغداد أربعين يوما قضى فيها على الأخضر واليابس، إذ قتل مليون شخص من رجال وأطفال ونساء وشيوخ؛ ثم تجاوزوها إلى ما بعدها، فاجتاحوا الشام بجميع مدنها وفعلوا فيها مثلما فعلوا في غيرها إلى أن وصلوا إلى حدود مصر، وخرج أهلها لملاقاة التتار في موقعة عين جالوت فطحنوا التتار طحناً، وأخذوا يطاردون الفلول المنهزمة، فحرروا الشام وبغداد؛ وانحسرت بعدها إمبراطورية التتار ولم يقم لهم بعدها قائمة”.
كانت لحروب التتار كما لحروب داعش، طبيعة خاصة تميزها عن حروب غيرهم، ومن ذلك: سرعة انتشار رهيبة، وأعداد هائلة من البشر، ونظام محكم وترتيب دقيق، وقيادة عسكرية بارعة جداً، وتحمل الظروف القاسية من (حر أو برد أو صحراء أو أدغال)، ورفض الآخر والسير على مبدأ القطب الأوحد، فلا مجالَ للتعامل مع دول أخرى محيطة، كما تميزت حروبهم بأنها حروب إبادة جماعية لأهل المدن من أطفال ونساء وكهول، فلا يفرقون بين مدني وعسكري الكل عندهم سواء ؛لأن هدفهم هو إفناء النوع وإبادة العالم، وهو عين ما تفعله داعش؛ لإبادة العربي والمسلم السني، حسبما رُسم لهم.
وكما يزعم الدواعش تمسكهم بالدين الإسلامي، وسعيهم لإقامة الدين الحق، وتطبيق تعاليمه في المناطق التي احتلوها، فإن التتار قالوا الشيء نفسه، عندما ادعوا أنهم ما جاءوا إلى تلك البلاد إلا ليقيموا الدين، ولينشروا العدل، وليخلصوا البلاد من الظالمين، لكن في واقع الأمر أنهم لا عهد لهم مطلقاً، فقد جبلوا على الغدر، فليس أسهل عليهم من نقض العهود، وإخلاف المواثيق! هذه كانت السمات التي اتصف بها الجيش التتري، وهي صفات تتكرر كثيراً في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله عز وجل، ونجدها تنطبق بصدق على إرهابيي داعش، حيث اجتاحوا المدن التي احتلوها وقتلوا أهلها، وسبوا نساءها وفتياتها وتزوجوهن قصراً، وسرقوا الأموال ونهبوا كل ما وقع في أيديهم من ممتلكات، وذبحوا الناس ذبح النعاج، فجزوا رقابهم بالسكاكين، وحرقوا أسيرًا بالنار حياً، وانتشر ذلك في أرجاء العالم عبر القنوات الفضائية، وما ذلك إلا ليقولوا للعالم كله إن الإرهاب إسلامي الأصل، وأن المسلمين السنة ليسوا إلا صناع إرهاب وعنف، خدمة لإيران التي سعت منذ نشأت دولة الولي الفقيه إلى ترسيخ فكرة أن الإرهاب سني، وفي هذا تشاركها إسرائيل التي تسم العرب كلهم بالإرهاب، أما أمريكا التي مهدت لذلك، فكل ما يحدث يحقق مسعاها إلى نشر الفوضى المدمرة في أرجاء الأرض العربية.
يقول ابن الأثير في كتابه البداية والنهاية: عندما دخل التتار ألقى أهل بغداد السلاح، وقتلوا صفوة أهلها، وانساب جنود هولاكو في شوارع بغداد وطرقاتها، وأصدر السفاح هولاكو أمره الشنيع باستباحة بغداد، ما يعني السماح للجيش التتري بفعل ما يشاء، فيقتل ويأسر ويسبي ويزني ويسرق ويدمر ويحرق. وهو الأمر نفسه الذي يفعله شذاذ الآفاق والمجرمون من شتى أصقاع الأرض الذين التحقوا بإرهابيي داعش، فعاثوا فساداً وإجراماً في بلاد العرب، في دولة العباسيين، دولة الرشيد والمأمون! على مرأى ومسمع من مؤسسة عربية كبرى تدعى جامعة الدول العربية ، لا تحرك ساكناً، وتظل تشاهد كما يشاهد غيرها من الناس، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو من بعيد.
ويواصل ابن الأثير قائلا: فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين، وفعلت في المدينة مالا يتخيله عقل، فبدأ الجنود التتر يتعقبون المسلمين في كل شارع أو طريق، في كل بيت أو بستان، في كل مسجد أو مكتبة. واستمر القتل في الناس الذين لا حول لهم ولا قوة لهم إلا الهرب. وهو ما نشاهده على القنوات الفضائية من هروب جماعي للسكان في مدن العراق المحتلة من قبل مجرمي داعش، يهربون بأجسادهم مخلفين كل ما يملكونه من حطام الدنيا، ليستولي عليه القتلة والمجرمون، فما أشبه الليلة بالبارحة.
يقول ابن الأثير: فعندما يهرب البغدادي إلى داره ويغلق عليه الباب، يأتي التتري ويحرق الباب أو يقتلعه ويدخل عليه، فيهرب إلى السطح، فيصعد وراءه التتري ويقتله ويلقي بجثته إلى الشارع، حتى سالت الدماء بكثرة في الطرق، ولم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء، فكانوا يقتلون الكهول والأطفال والرضع والنساء إلا من استحسنوهن فكانوا يأخذونهم سبياً.
وبينما كان فريق من التتار يعمل على القتل وسفك الدماء، اتجه فريق آخر من التتر إلى عمل إجرامي بشع وهو تدمير مكتبة بغداد، وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمان بلا منازع؛ فقد جمعت فيها مختلف العلوم والآداب والفنون من شتى بقاع الأرض؛ ولم يوازِها في العظمة والشهرة إلا مكتبة قرطبة في الأندلس، فحمل التتار الكتب العربية وألقوها جميعاً في نهر دجلة، حتى تحول لون مياه النهر إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب، حتى قيل إن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى أخرى! وهذا شبيه بما فعله الدواعش في تدمير آثار وتماثيل في متحف مدينة الموصل، يعود تاريخها إلى آلاف السنين، مستخدمين مطرقات وآلات ثقب كهربائية، كما فجر التنظيم مسجدًا أثريًا في وسط المدينة يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، وأحرق مكتبة تحوي كتبًا ومخطوطاتٍ نادرة، وهكذا يفعل المتطرفون الإرهابيون الذين يفسدون في الأرض، ويخربون الحرث والنسل!
ويظهر في شريط عرض على القنوات الفضائية، داعشي ملتحٍ أمام تمثال ضخم، وهو يقول “أيها المسلمون، إن هذه الآثار التي ورائي إنما هي أصنام وأوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تعبدها من دون الله عز وجل”! يقول الإرهابي ذلك، وهو يظن أنه يقيم شرع الله بتحطيمه تراثاً لا يخص العراق وحده، بل يخص العالم كله، في الوقت الذي يقتلون فيه ضحاياهم ويسلبون أموالهم ، وينفونهم من مناطقهم، ويسبون النسوة ويغتصبونهن، فأيهم أكبر جرماً عند الله؟ أهو ذلك الذي صنع تمثالا”جمالياً” الله وحده كفيل به، أم ذلك الذي تعدى بأفعاله حدود الله التي نهى الله عن تعديها؟
قد يكون أبو بكر البغدادي، ذلك الاسم المزعوم، هو الأكثر إرهاباً في السنوات الأخيرة – الذي غيّر في ساعات خرائط مرسومة منذ سنين – بل ربما يكون أكثر وحشية من زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، فمن هو أبو بكر البغدادي؟
يؤكد تقرير نشر في أحد المواقع الأمريكية أن البغدادى ليس إلا عميلًا للموساد الإسرائيلى، واسمه “سايمون إليوت” أو “إليوت شيمون”، تم تدريبه ليرأس تنظيم داعش بهدف نشر الفوضى في الدول العربية المجاورة لإسرائيل، وأكد التقرير الذي نشره الموقع، أن ” أبو بكر البغدادي” ولد لأبوين يهوديين والتقطته أجهزة المخابرات الإسرائيلية، ليحصل على تدريب عالٍ على التجسس، ومن ثمَّ تم زرعه في إحدى الدول العربية ليقيم تنظيم “داعش” لنشر الفوضى في العالم العربى، وهدم دوله، وفرض سيطرة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
واستدل الموقع بتصريحات أدلى بها “إدوارد سنودن” الأمريكي الذي سرب تفاصيل برامج التجسس لوكالة الأمن القومى الأمريكية لإحدى الصحف، حيث زعم “سنودن” أن تنظيم داعش ليس إلا نتاج خطة أمريكية وإسرائيلية وبريطانية، تهدف إلى جمع أغلبية مجاهدي العالم المتطرفين داخل تنظيم واحد، لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وهدم الدول، ما يعطي إسرائيل والعالم الغربي فرصة أكبر للسيطرة على ثروات تلك المنطقة.
ختاماً رصدت الولايات المتحدة عشرة ملايين دولار ثمناً لرأسه، فهل انقلب السحر على الساحر؟ فبعد أن صنعته انقلب عليها، تماماً كما فعل ابن لادن؟ وهو أمر ليس بالغريب على العملاء، فلابدّ أن يأتي يوم ويغدر أحدهم بالآخر؛ إذ لا يأمن بعضهم لبعض، لاسيما الثقة بالخونة والعملاء، فمن يخون وطنه لن يتوانى عن خيانة من صنع منه خائنا، وعلمه أصول الغدر بوطنه وأمته، ثم فيما لو كان أمر القبض عليه صحيحًا، كيف لم يقبض عليه حتى الآن مع ضخامة المبلغ المرصود، وطبيعة الأوضاع المضطربة في العراق، التي تجعل بعضهم لا يتأخر عن الوشاية بأقرب الناس إليه؟ ألا يؤكد ذلك أنه ليس سوى عميل لأمريكا ومن لفّ لفها؟
* أكاديمية وكاتبة