ليبيا ومرحلة ما بعد جنيف

هل ستشهد الأزمة الليبية انفراجا بعد الجولة الأولى من المباحثات بين الأطراف المتصارعة، أم ستواجه تصعيدا ميدانيا وتباعدا في وجهات النظر قد يؤدي إلى اندﻻع حرب أهلية شاملة لكل الأطراف الحالية وأطراف أخرى لم تدخل في الصراع المسلح حتى الآن.
أوﻻ ﻻ بد من تبيّن أن مباحثات جنيف ليست بين الأطراف الحقيقية في ليبيا، وإنما بين الأطراف التي قادت حركة فبراير عام 2011 والتي تحولت إلى أطراف تتصارع على السلطة والنفط والأرصدة الليبية بقصد الإثراء السريع أو لتمويل حركة التوحش الإسلامي المتحالفة مع الإخوان المسلمين.
كما أن عدم استقرار ليبيا بعد ثلاث سنوات سببه أن غالبية الشعب الليبي الذي تمثله القبائل العربية معظمها مؤيد لنظام القذافي وتقود عملية عصيان مدني، تحرم كل الأطراف المتصارعة من الحاضنة الشعبية التي ستمكن هذا الطرف أو ذاك من حسم المعركة لصالحه.
الطرف الثالث في الأزمة الليبية هو الطرف الإقليمي الذي تمثله تركيا التي ترى أن تدخلها يكتسب شرعية تنطلق من حمايتها للأقليات التركية في مصراتة، وأنها ملزمة بدعم ذراعها العسكري “فجر ليبيا”، وهذا ما عبّر عنه علي الصلابي في مقابلة أجراها مع الجزيرة، حيث قال إنه في شهر مارس 2011 قابل أردوغان وطلب منه حماية مصراتة لأن معظم سكانها أتراك. وقال الصلابي إن أردوغان تناول الهاتف واتصل برئيس الأركان التركي وقال له إن مصراتة خط أحمر ويجب أن تتم حمايتها كمدينة تركية، وأضاف الصلابي أن تركيا استلمت قيادة الناتو في نفس الوقت، وفي نفس اليوم انطلقت طائرات السلاح الجوي التركي ودمّرت 30 دبابة من قوات القذافي في محيط مدينة مصراتة.
الطرف الرابع في الأزمة الليبية هو الطرف الدولي الذي تقوده الوﻻيات المتحدة الأميركية، حيث أن الاستراتيجية الأميركية تقوم على دعم الإسلاميين في ليبيا كمخطط لتطويق مصر وإرهاب الجزائر والحيلولة دون القضاء على التوحش الإسلامي حتى يمكن إحياؤه من جديد لابتزاز دول الخليج واستخدام غول الإرهاب للتحكم بعيد المدى في المنطقة وتأمين أمن إسرائيل والحفاظ على التـوازن الإقليمي بين تركيا وإيران كأكبر قوتين إسلاميتين غير عربيتين في المنطقة.
انطلاقا من كل هذه الاعتبارات يتضح أنه ﻻ يمكن حل الأزمة الليبية بإشراف دولي لأن القوى التي تملك القرار مازالت ترتب أوضاع المنطقة برمتها، وهي ليست في عجلة من أمرها لإنهاء الأزمة الليبية، ولهذا فإن الخيار الوحيد أمام الليبيين هو أن يقرروا بأنفسهم إيجاد مخرج لأزمة بلادهم المتفاقمة، وأن تكون المصلحة الوطنية هي الشرط الوحيد للمساهمة في حلها، وأن تبعد الأطراف التي تتلقى تعليماتها من قوى إقليمية أو دولية، وإذا لم يتم هذا فإن ليبيا ستبقى فترات طويلة ساحة صراع للقوى الدولية بعملائها المحليين والإقليميين، وربما ستكون بعد ترتيب الأوضاع في سوريا والعراق ساحة المعركة الجديدة ضد الإرهاب كخطوة وذريعة لترتيب الأوضاع في مصر ومنطقة المغرب العربي، بما يخدم السياسات الغربية في المنطقة.

*كاتب ليبي/”العرب”

اقرأ أيضا

هل يلفظ النظام الجزائري أنفاسه الأخيرة تحت ركام أزماته المتلاحقة ؟!

يعيش النظام الجزائري هذه الأيام، فترة من أصعب الفترات التي مرت عليه منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، حيث تتوالى الأزمات من كل حدب وصوب، وما أن يضع أزمة ما جانبا، حتى يبدأ في مكابدة تبعات أزمة أخرى. وساهم في تفاقم هذا الواقع جملة من الأسباب الذاتية التي تعود لبنية النظام نفسه، وما تراكم فيه من اختلالات على مدى العقود الماضية، والموضوعية التي تتعلق بأطراف دولية وإقليمية، لم ينجح النظام حتى اليوم في ضبط علاقته بها، على مدى تاريخه كله.

-Diana-Haddad-

ديانا حداد تحيي حفلا بمهرجان موازين 2025

تحيي الفنانة اللبنانية ديانا حداد حفلا غنائيا ضمن فعاليات مهرجان موازين في دورته الـ20. وأعلنت …

غزة

غزة.. قصف مكثف وانخفاض مخزونات الغذاء ونقص الأدوية الأساسية

في اليوم الـ36 من استئناف العدوان على غزة، استمر قصف الاحتلال الإسرائيلي المكثف على الأحياء السكنية وخيام نازحين في أنحاء القطاع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *