الدين والسياسة والإرهاب…!

الدين يجب أن يبقى نقياً محافظاً على رسالته الأخلاقية والقيمية والعقدية، لما فيه من إخلاص العبادة لله وحده، وإقرار للمساواة بين بني البشر، على اختلاف أجناسهم وعقائدهم، مخطئ من يعتقد أنه يوجد صراع أو حروب بين دين وآخر، أو طائفة وأخرى، لأن حقيقة الصراع بين بني البشر منذ الأزل يتمحور حول السلطان والنفوذ وحول المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من المصالح الإنسانية المتعارضة، لكنه عبر التاريخ نجد كثيراً من القوى والفئات قد أسبغت على صراعها مع البعض الآخر ستاراً وغطاء وبعداً دينياً وهالة قدسية لتغطي به على حقيقة أهدافها البعيدة كل البعد عن الدين، فالدين بريء مما يرتكب باسمه من حروب وجرائم وإرهاب، وإنما يجري توظيفه للتضليل والتحشيد للفئات البسيطة من المؤمنين وتوظيفها وزجها في أتون الصراع الدائر بين القوى المتنازعة والمتصارعة على السلطة والنفوذ والمصالح المختلفة.
الديانات السماوية جميعها من عند الله، ومهمة الرسل كانت واحدة على مر العصور والأزمان منذ عهد آدم إلى رسالة الإسلام الجامعة والخاتمة للرسالات السماوية، وإن المتابع لتطور الفكر الديني وللرسالات السماوية يكتشف أن تتابع الرسالات المتعاقبة جاء دائماً لتصحيح وتأكيد عقيدة التوحيد لدى البشر كلما اعتراها انحراف، وهي ثابتة وغير متغيرة ولا متحولة في أي من الرسالات السماوية، وقد اتسمت جميعها بالتدرج فيما يتعلق بالجانب التنظيمي والتشريعي فقط، لا فيما يتعلق بالتوحيد فهو ثابت وليس متدرجاً أو متغيراً أو متطوراً، ولكن المتغير والمتطور فيها تبعاً لتطور المجتمع الإنساني المخاطب بالرسائل السماوية، وتطور مدركاته العقلية هو الجانب التنظيمي للعلاقات الإنسانية، وقد جاء على أكمل وجه في الرسالة الخاتمة في القرآن الكريم، والذي أقر للإنسان ولعقله مهمة الاجتهاد والبحث والتطوير فيما يخدم ويحقق سعادة البشر في الدنيا والآخرة، ويرسخ العبودية لله وحده وينفيها عن أي معبود سواه، وفي ذلك كمال الحرية والمساواة.
إن تسييس الدين وتوظيفه في الصراعات السياسية والمذهبية هو الذي يدفع للتعصب الأعمى، ليقابل التعصب بمثله، وتدب الفتنة باسم المذهب أو الدين أو الاعتقاد والأمر في جوهره لا يعدو عن تحقيق مصالح وغايات بعيدة كل البعد عن الدين وعن الاعتقاد وحتى عن المذهب والطائفة، والأمثلة على ذلك في تاريخ الصراعات كثيرة، لا تعد ولا تحصى حيث وظف الدين فيها دائماً في غير محله، ألم ترفع الحروب الصليبية الصليب المسيحي شعاراً لها ؟!!
فقد وظف الصليبيون الدين المسيحي شعاراً ليغطي على أهدافهم الاستعمارية للبلاد العربية والإسلامية سواء في الشام أو مصر أو في بلاد المغرب العربي، ألم ترفع النازية الألمانية الصليب المعكوف شعاراً لها ؟!! وهي التي قتلت عشرات الملايين من المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهم ؟!! هل صحيح أن النازية حاملة شعار الكاثوليك كانت تهدف إلى تعميم ثقافة وإعتقاد الكاثوليك ؟! كلا إنها كانت تسعى إلى بسط السلطان والنفوذ الألماني على أوروبا والعالم إلى آخره من المصالح المتصارع عليها في حينه.
ومن يعتقد أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، فإننا نؤكد له أن اعتقاده خاطئ حيث جاء انحسار الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية أمام الدولة الإسلامية الأولى قبل أربعة عشر قرناً عن بلاد العرب في العراق والشام ومصر والمغرب العربي، كان نتيجة منطقية لعملية تحرر سياسية لهذه البلاد العربية من المستعمر الأجنبي الروماني أو الفارسي، وأنظر في هذا الشأن أطروحة الدكتور / ميشيل صباح / أب الطائفة الإنجليكانية في فلسطين في أطروحته بعنوان انتشار الإسلام في فلسطين وبلاد الشام، حيث يثبت انتشاره قبل قدوم الفاتح العربي المسلم كانتشار النار في الهشيم لأسباب اعتقادية إيمانية.
فاستخدام الدين في الصراعات القائمة داخل الجماعة الواحدة أو ما بين جماعة وأخرى هو إساءة بالغة للدين وحرف له عن رسالته وتشويه له وللمعتقدين أو المؤمنين به، يجب أن يتنزه الدين عن صراع الفئات والجماعات والقائم على أساس السلطان والهيمنة والنفوذ والمصالح المتعارضة، وبالتالي أن ينسب ما تقوم به هذه الفئات أو الجماعات من أعمال القتل والإرهاب للدين الذي تدين به هذه الجماعات خطأ فادح وجريمة كبرى في حق الدين، يجب أن تنسب مثل هذه الأفعال إلى من يقوم بها من الفئات أو الجماعات أو الأفراد فقط وليس إلى الدين الذي ينتسبون إليه حتى وإن استخدم من طرف هؤلاء الأفراد أو الفئات أو الجماعات الدين كشعار وهدف لها، إن جميع الديانات تنهى عن أفعال القتل والإرهاب والكراهية والازدراء للآخر، واستخدام الدين للأغراض الدنيوية وبسط السيطرة والنفوذ ليس من الدين في شيء وإنما هو إساءة مركبة للدين، واستخدام سيء الغاية له، وأبعد ما تكون عن غايات الدين نفسه

*عضو المجلس الوطني الفلسطيني

اقرأ أيضا

النيجر ترحب بمصادقة مجلس الأمن على القرار التاريخي 2797 الذي يكرس المخطط المغربي للحكم الذاتي

رحبت النيجر، اليوم الثلاثاء، بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار التاريخي رقم 2797، الذي يكرس في إطار السيادة المغربية، مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة كأساس جدي، وذي مصداقية ودائم للتوصل إلى حل لقضية الصحراء المغربية.

بوركينا فاسو تجدد دعمها الثابت للوحدة الترابية للمغرب وتشيد بالمصادقة على القرار التاريخي 2797

جددت بوركينا فاسو، اليوم الثلاثاء، دعمها الثابت والدائم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، مشيدة بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار التاريخي 2797 الذي يكرس في إطار السيادة المغربية، مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة كأساس جاد وذي مصداقية ومستدام من أجل التوصل إلى حل لقضية الصحراء المغربية.

المغرب يدعو الشركاء الدوليين إلى دعم المبادرات الإفريقية في مجال مساندة ضحايا الإرهاب

قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الثلاثاء بالرباط، إن المملكة تدعو الشركاء الدوليين إلى دعم المبادرات الإفريقية في مجال مساندة ضحايا الإرهاب، وتمويل الآليات المبتكرة، بما فيها الشبكات القارية والمنصات الرقمية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *