الإرهاب المُغمّس بالكراهية والحقد يضرب كل دولنا العربية تقريبا هذه الأيام وليس منذ ظهر أبوبكر البغدادي على المسرح فقط، لأن له فينا تاريخ طويل، وهو يضرب بلدان عدة ولا يتركنا فلسطينيا بمنأى عنه، إذ يصر أن يضرب غزة بالتفجيرات التشويشية التخريبية للمصالحة عمدا، وما حصل مؤخرا من تفجير منزل ايهاب بسيسو والصراف الآلي فإنه لا يختلف عن الإرهاب الأخير الذي طال فرنسا كمثال ودول أخرى، وحيث لا فرق مطلقا بين تفجير الصراف الآلي ومنازل قادة فتح بغزة، ولا فرق بين قتل صحفيين في فرنسا، أو قتل بلا تحقيق أو تهم في أي مكان… لا يختلف هذا من حيث التطرف والانحراف والارهاب الجسدي والفكري كليا عن دعوات “داعش” لرق النساء وقتلهن.
إن انتشار الفكر المتطرف له جذور عميقة في النفس الانسانية المظلمة والمرتبطة بخلفية ثقافية سوداء كالحة لا ترى الصواب أبدا في غيرها ، وإن رأت الحق الآخر تُستفز استفزازا شديدا فتقضي عليه لأنها هي فقط الحق الأوحد.
النموذج الفاقع للحث على الكراهية والبُغض والحقد المرتبط بالدين والقومية لا يأتي من “داعش” وأشباهها فقط، وكأن التطرف صناعة اسلامية-كما يحاول البعض الموتور تصوير ذلك- وما هو كذلك، إنه كامن في النفس البشرية عامة تلك المعجونة بالحقد والتعبئة الدينية-القومية السوداء، وما الارهاب الصهيوني في فلسطين إلا أبشع نموذج عالمي لا يقارن بغيره، إذ يرتبط الإرهاب هذا بالاحتلال والاستيطان والطرد والقتل والانكار للآخر كليا.
بأقسى العبارات ندين القتل وندين الإرهاب والتطرف حتى إن كان موجها ضد من يشتموننا ليلا نهارا، لا مراء في ذلك، ولكن هذا لا يعفي أحدا أبدا من المسؤولية فالقضاء على جذور الارهاب في مجتمعاتنا العربية – الاسلامية مهمة ضرورية وان كانت شاقة كما الحال بضرورة القضاء على جذور الإرهاب في المجتمع الغربي، ونراها صعبة في المجتمع اليهودي-التوراتي الخرافي.
لا عذر للقتل ولا عذر للإرهاب أبدا، ولكن لا يجب السكوت عن بيئة تحريض وعدوانية عالية تشعل يوميا نار الكراهية أو الحقد او تستدرج الأفعال العنيفة تماما كما تفعل بعض قيادات “حماس” لفظيا وكحاضنة في فلسطين، أو كما فعلت مليشيات المالكي الطائفية في العراق، أو كما تفعل بعض الأوساط الأوروبية التي تحرض ضد المسلمين بما يسمي (الاسلاموفوبيا)، أو كما يفعل ما يسمى “جيش الرب” المسيحي في كينيا ضد المسلمين، أو كما تفعل المليشيات البوذية في بعض دول شرق آسيا.
(في كتابه «الموت من أجل الانتصار»، يخلص «روبرت باب» الاستاذ في جامعة شيكاغو من خلال دراسة تحليلية مفصلة لـ315 عملية إرهابية عرفها العالم من سنة 1980 إلى سنة 2003 أن خلفيات جل هذه العمليات كانت سياسية أو قومية، ولم يكن العامل الديني حاسماً فيها) ويضيف د.السيد ولد أباه قائلا:(لا مكان في الإسلام لفكرة «الإبادة المقدسة» التي هي مفهوم توراتي، والشهادة في مفهومها الإسلامي التقليدي هي الاستماتة لإنقاذ الحياة لا اتخاذ الجسد سلاحاً للتدمير التي هي فكرة نفذت للجماعات المتطرفة من أدبيات “اليسار” الراديكالي).
فلو تحدثنا تحديدا في مقتل الصحفيين في باريس مؤخرا فهو بلا شك مما نرفضه وندينه بلا جدال، ولكن هذا لا يعني ان يتعامى المجتمع والدولة وأقطاب الرأي في أوربا وغيرها عن حملات التحريض والكراهية والشتم للأديان أو ضد قومية أو طائفة محددة أو رموزها، لماذا؟ لأن مقدمات الارهاب إرهاب ، فالداعي للكراهية والحقد والعنصرية عبر الشتم والسخرية والتسفيه وما شابه يستجلب قاصدا رد الفعل الموتور.
نتنياهو وليبرمان والمنظمات اليهودية-الصهيونية اليمينية هي المسبب لاشعال ردود الفعل المناهضة لإرهابهم في بلادنا، كما أن الاحتلال بحد ذاته أحد مُشعِلات الرد العنيف (الرد العنيف بمعنى المقاومة هنا هو عمل مشروع ، وليس ارهابا) أيضا عندما يُقدم فلسطيني على الرد على اعتداءاتهم ضد الدين والمقدسات والأرض والبيت، فيما لا يجب مقارنته بما يحدث في أرجاء أخرى من العالم.
بعض وسائل الاعلام الغربية عامة تسيء عن قصد وتعمد لرموز مسيحية أو بوذية اويهودية أو اسلامية وبشكل مهين، فتستفز الردود العنيفة المرفوضة قطعا، ولكن أليس من الأجدر إطفاء نار الارهاب من جذورها بمنع شتم وإهانة أو التعدي على الرموز الدينية، وبمنع التحريض على الحقد العنصري والطائفي والديني ؟
يجب أن نقضي على الارهاب في عقولنا ومجتمعنا وديننا، كما نقضي عليه في وسائل التربية والإعلام والأداء الرسمي والشعبي المعولم لا فرق، فالقاتل والمحرض قد لا يستويان بالفعل ولكنهما خاطئان ، وكما لا نعذر قاتلا أو ارهابيا أبدا يجب أن لا نعذر محرضا أبدا أيضا.
* مفكر وكاتب وأديب