تعاني ليبيا هذه الأيام انقساما سياسيا واجتماعيا وعسكريا حادا في ظل استقطاب إقليمي ودولي متزايد، ولقد تجلى ذلك في وجود حكومتين وهيئتين تشريعيتين وكيانين مسلحين ومؤسستين للنفط وصراع حول المصرف المركزي، وربما في المستقبل القريب مفتيين دينيين بعد أن قام مفتي فجر ليبيا بتكفير الشعب الليبي ودعمه لمجالس شورى مجاهدي الشريعة في بنغازي ودرنة التابعة لتنظيم داعش.
هذا بالإضافة إلى تعطل الجهاز القضائي باستثناء المحكمة العليا المختطفة من الميليشيات الإسلامية في طرابلس، ليتم استخدامها في إرباك الموقف الليبي المرتبك أصلا.
إن الأمر الأكثر خطورة في الأزمة الليبية هو ارتباك الموقف الدولي، بل وانقسام مواقفه حول ما يجري في ليبيا، حيث أن كل تصريحات المجتمع الدولي وخاصة الغربي تجاه الإرهاب في ليبيا هي تصريحات محتشمة أحيانا، وتغازل الإرهابيين في معظم الأحوال، وفي الآونة الأخيرة أصبح المبعوث الدولي يتعامل مع الكيان غير الشرعي في غرب ليبيا باعتباره أمرا واقعا مثلما قالت السفيرة الأميركية، وسقطت كل الحجج التي رفعت لإسقاط النظام السابق وهي تأسيس دولة القانون وتداول السلطة وإنهاء الحكم العسكري وحماية الليبيين من القتل، والآن تتم معاملة القتلة كزعماء سياسيين وطرف رئيسي لحل الأزمة الليبية ويغض النظر عن اﻻنتخابات وعن أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة وسرقة أموال الليبيين والسجون غير الشرعية واﻻختطاف والقتل والإقصاء لغالبية الشعب الليبي.
إن التطور الجديد هو نقل المفاوضات خارج ليبيا، وهذا هو ما حصل للصومال في بداية الحرب الأهلية حيت أدى هذا القرار الأممي إلى اختفاء آخر أمل في حل الأزمة الصومالية وخرجت حكومة الصومال إلى كينيا، وهذا هو الذي سيحدث في ليبيا، حيث ستواصل المجموعات المسلحة فرض سياسة الأمر الواقع وسيبقى ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني معلقة في الهواء وستنقسم ليبيا إلى أكثر من كيان قزمي.
وتبقى أزمة ليبيا وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، ولعنة تلاحق الذين أوهموا الشعب الليبي بنعيم الحريـة والـرفاه، وأولئك الليبيين الذين منوه بقيم المساواة وكل القيم الغربية في تداول السلطة والمحاسبة والشفافية والتوزيع العادل لثروة النفط.
إن كل الدول الشقيقة والصديقة لليبيا وشعبها العربي المسلم عليها أن ﻻ تعوّل على الأمم المتحدة أو الدول الكبرى التي تهمها فقط مصالحها الاستراتيجية، وقبل هذا وذاك على الشعب الليبي أن يدرك هو أيضا أن كل هده التجاذبات والصراعات المسلحة هي التي أعطت فرصة لتسلل الإرهابيين الليبيين والأجانب ومكنتهم من تهميش مؤسسات الدولة وتعطيلها عن العمل حتى يتمكنوا من خلق حالة الفوضى التي بواسطتها وفي ظلها ينمو الإرهاب.
وإذا فشلت القوى الوطنية والقبائل الليبية في خلق حالة إجماع وطني لدعم الجيش والبرلمان المنتخب، فإن مصير ليبيا حتما سيكون أسوأ من مصير الصومال، وبوادر حرب أهلية طاحنة ستقود إلى حرق ما تبقى لهذا البلد الغني من إمكانيات.
*كاتب ليبي/”العرب”