ليس أكثر وقعاً من الأزمات والاختلالات الرياضية على شرائح واسعة في المجتمع، كونها أقرب إلى الميول والمشاعر. ولئن كان الجمهور يتقبل الهزيمة والنصر بروح تعكس المضمون الأخلاقي للمنافسات الرياضية، فقد صعب على المغاربة أن يهضموا هزيمة من نوع آخر، شملت تعرية واقع التجهيزات والمرافق في أكبر ملعب رياضي، يحمل اسم الأمير عبدالله شقيق الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان شغوفاً بالرياضة، بعيداً من الصراع السياسي.
الاختلالات التي أظهرت، على أقل تقدير، عدم جاهزية العشب الذي غطى أرضية الملعب للصمود في وجه الأمطار مع أنه وضع أصلاً لاستيعاب تقلبات الفصول وأحوال الطقس، في إطار خطة مكلفة لمعاودة إصلاح الملعب الرياضي، أطاحت سياسياً وعملياً وزير الشباب والرياضة محمد أوزين الذي لم يستوعب فداحتها، كون الأقل من تلك الاختلالات ضرراً يدفع إلى الاستقالة في مرحلة تحمل شعار ربط المسؤولية بالمساءلة. وجاء دخول العاهل المغربي الملك محمد السادس على الخط، من خلال تعليق مهمات الوزير ذات العلاقة بتظاهرة كأس العالم للأندية والدعوة إلى فتح تحقيق شامل في الحادث، ليؤكد الترابط بين التدبير السياسي والرياضي في قطاع يهم الشباب وشغف الجمهور بالرياضة.
لم يحدث منذ إقرار الوثيقة الدستورية للعام 2011 أن علقت مهمات أي مسؤول حكومي. انفجرت أزمات و «فضائح» طاولت سلوكات سلبية، وترك الأمر لتقديرات رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران الذي ظل يراعي توازنات الائتلاف الحكومي لتمكين الولاية الحالية من استنفاد وقتها وأغراضها ومعطياتها. مع أنه يملك صلاحية اقتراح إعفاء مسؤولين حكوميين. وعندما انفجرت الأزمة بين الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» ووزراء حزب «الاستقلال» الذين قدموا استقالة جماعية وفردية، أبقى العاهل المغربي على مسافة الحياد إزاء أزمة حكومية لم تصل درجة الأزمة السياسية.
الفارق أن ردود أفعال الشارع والفعاليات السياسية وتنظيمات المجتمع المدني ومحترفي وهواة الرياضة، نجمت عن صدمة قوية، مصدرها أن الاختلالات التي عرّاها هطول الأمطار نالت من صدقية توجهات رياضية لا خلاف عليها. لناحية دخول المغرب نادي المنافسات لاستضافة تظاهرات دولية. ولم يفتر حماس المغاربة إزاء حظوظ احتضان مونديال كرة القدم، إلا بعد أن عاينوا انهيار أحلامهم على أرضية ملعب الأمير عبدالله. عدا أن الإحباط يطاول اختلالات محتملة في طرق الإعمار الرياضي. وإذ تُضاف إليها نكبات عمارات كانت آيلة للسقوط، والتأثير السلبي لموجة الفيضانات التي ضربت البلاد، لا يصبح في الإمكان التساهل إزاء سلوكيات كهذه.
غضب الطبيعة مقبول، يجوز استيعابه وتفهمه، كونها تقهر أعتى الدول المتقدمة مالكة التكنولوجيا والخبرة وأدوات استشراف المستقبل والتحوط للمتغيرات المناخية الجارفة. لكن غضب الشارع حيال تصرفات ترتبط بالتدبير ونظم الصفقات وهدر المال العام، يصعب مواجهته بالصمت والتساهل. وإذا كان من سمات الطبيعة أنها تنحرف، كما في سيول الأنهار وارتفاع أمواج البحر، أو من خلال انحباس الأمطار وتوالي أعوام الجفاف، فليس الانحراف من مزايا شفافية وحوكمة التدبير العقلاني، لأنه يخرق قواعد الثقة بين المتعاقدين. والفساد الذي يبدأ بغض الطرف عن تجاوزات صغيرة يصبح جبلاً يعيق التقدم ويحبط الآمال.
إلى الآن لم يتجاوز الموضوع نطاق فتح تحقيق في ملابسات حادث رياضي ذي امتداد تدبيري. غير أن دعوة الملك محمد السادس رئيس الحكومة إلى الذهاب إلى أبعد مدى في تقصي الحقائق، يلغي ما سبقه من محاولات، ركزت على انطلاق تحقيق قادته لجنة تضم خبراء في قطاعات الداخلية والمال والرياضة واستبق الوزير محمد أوزين استخلاصاته بإعفاء مسؤولين في وزارة الشباب والرياضة.
في حال مماثلة انفجرت فضيحة تجاوزات واختلالات في قطاع البناء، طاولت أكبر مؤسسة اقتصادية ومالية (صندوق الإيداع والتدبير) وتدخل العاهل المغربي لإجراء تحقيق أسفر عن إحالة متورطين محتملين على القضاء الذي لم يقل كلمته بعد. ولا يبدو أن مسار قضية ملعب الأمير عبدالله سيكون مختلفاً. إلا أن تداعياته السياسية لابد من أن تلقي بظلالها، لأن الوزير المسؤول عن القطاع ينتسب إلى حزب سياسي شريك في الائتلاف الحكومي الذي يقوده زعيم «العدالة والتنمية»، سيما أن انفجار الحادث الجديد يأتي عشية البدء في الإعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
رئيس الحكومة كان أكثر حرصاً على إرضاء شركائه في الائتلاف أحياناً على حساب حرفية التزامه الحزبي. وأحياناً بهدف إغاظة خصومه في المعارضة. لكنه لا يستطيع اليوم فعل أكثر مما تقتضيه المرحلة. وقد يكون لهذا السبب انبرى زعيم «الحركة الشعبية» التي ينتسب إليها الوزير أوزين لتأكيد وجاهة القرار الذي اتخذه الملك. أقله أنه يفصل بين الالتزام الحزبي والتجاوزات التي يمكن أن يتورط فيها محسوبون عليه. ويبقى أن استخدام هذه الورقة مفتوح على كل الاحتمالات.
* صحفي مغربي/”الحياة” اللندنية