إذا ما أردنا تحويل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس أمام جامعة الدول العربية، السبت الفائت، إلى أجندة وفق تواريخ محددة، فهذا يعني أننا أمام تحولات تاريخية أقلها، وليس أكثرها قبول مجلس الأمن في الولايات المتحدة بمطالب الفلسطينيين، بتحديد سقف زمني للاحتلال.
عمليا هناك ثلاثة سيناريوهات متتابعة وليست متوازية، طرحها عبّاس، وطرح مقابلها المخطط الإسرائيلي. أول السيناريوهات، وهو السيناريو المفضل غالبا لدى الرئيس الفلسطيني، هو العودة إلى المفاوضات عل أساس “الحصول على التزام من رئيس الوزراء الإسرائيلي بوقف الاستيطان، وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، وإعادة مكانة مناطق (أ) الأمنية والسياسية التي تسيطر عليها (إسرائيل) حاليا، للانخراط الفوري في مفاوضات لتحديد حدود 1967 بين الدولتين”، من الملاحظ هنا إضافة نقطة جديدة للمطالب (كان غريباً أن تغيب عن المطالب سابقاً)، وتتعلق بالمناطق (أ) التي يمنع على الإسرائيليين دخولها، وبكلمات أخرى قيام الإسرائيليين بالشق المطلوب منهم في الجانب الأمني ووجود مناطق ذات حصانة للفلسطينيين تتوسع تدريجياً لتشمل كل الأراضي المحتلة عام 1967.
الذهاب إلى الأمم المتحدة، هو السيناريو الثاني، ويأتي بسبب عدم قبول الإسرائيليين بالسيناريو الأول رغم تواضعه، والآن إذا ما أردنا وضع جدول زمني يفترض أنّ مجلس الأمن خلال أسبوع (عدة أيّام) سينظر في الطلب الفلسطيني، وغالبا سيُرفض الطلب، على الأقل بسبب الفيتو الأميركي، وبالتالي فإننا نتوقع الانتقال إلى السيناريو الثالث.
عندما ذهب الفلسطينيون لطلب الاعتراف الدولي بهم دولةً، لم يكن لديهم تصور فعلي للخطوة التالية ونصت الوثائق المتداولة حينها في دوائر المسؤولين الفلسطينيين أنّه يجدر دراسة المكاسب والخسائر المترتبة على الانضمام لكل منظمة وهيئة دولية، والآن الحديث مختلف، فالمفروض من ظاهر حديث الرئيس الفلسطيني أنّ رفض المشروع العربي الفلسطيني في الأمم المتحدة أنّ عضوية المنظمات الدولية ستحسم (مع أنّ هناك رأيا فلسطينيا يعتقد أنّ عضوية المنظمات الدولية لا يجب تحويلها إلى ورقة تفاوضية ويجب القيام بها دون تفكير)، والأهم من عضوية الهيئات الدولية في هذا السيناريو الثالث هو قول الرئيس عبّاس سنتجه إلى “تحديد علاقاتنا مع (إسرائيل)، من خلال وقف التنسيق الأمني، ودعوة الاحتلال لتحمل مسؤولياته، خاصة بعد تغير الوضع القانوني لفلسطين، بعد أن حصلت على صفة دولة “مراقب” في الأمم المتحدة، وتحولت الأراضي الفلسطينية من أراض متنازع عليها إلى أراض تحت الاحتلال، وتنطبق عليها اتفاقيات جنيف”.
هذا السيناريو هو الذي سيكون تاريخياً حقاً، لأنّه ببساطة يعيد تعريف السلطة الفلسطينية، ويعيد تعريف العلاقة مع الإسرائيليين، ولكن عدا عن صعوبته، هناك غموض مقلق في عملية طرحه. فالرئيس الفلسطيني يطرح “دعوة الاحتلال لتحمل مسؤولياته”، وكأنّ السيناريو هو تخلي السلطة عن مهامها، وهذا سيناريو كان مطروحا سابقاً فلسطينيّاً، بينما يقول عبّاس أيضاً الآن إن تحمل الاحتلال لمسؤوليته سيأتي “بعد تغير الوضع القانوني لفلسطين، بعد أن حصلت على صفة دولة “مراقب” في الأمم المتحدة، وتحولت الأراضي الفلسطينية من أراض متنازع عليها إلى أراض تحت الاحتلال، وتنطبق عليها اتفاقيات جنيف”، وهنا السؤال؛ هل سيكون الأمر العودة لحالة المواجهة الشعبية مع الاحتلال عندما يُقال “تحمل الاحتلال لمسؤولياته”، أي لا تصبح القيادة الفلسطينية “سلطة ومقاومة”، بل يترك الأمر للمقاومة، بينما الحديث عن دول تحت الاحتلال، يعني تمرد هذه الدولة وتحولها للمواجهة هي وليس شعبيّاً فقط. فما التصور المقبل حقاً؟
سيكون وقف التنسيق الأمني ذا معنى وأهمية، وقد يؤدي هذا إلى سيناريو عرض إسرائيلي لمكاسب هنا وهناك لأجل استمرار التنسيق الأمني والعودة للمفاوضات (لن تصل العروض حد المطالب الفلسطينية السياسية)، ولكن ما سيزيد الطرح الفلسطيني قوة ومِصداقيةً، هو أن يُضاف لِعضوية المُنّظمات الدَوليّة، ووقف التنسيق الأمني، خِطّة لهيكلة العمل الفلسطيني وتطوير وسائل مقاومة تتلاءم مع هذه السيناريوهات، فيكون واضحاً أنّ الاستعداد بدأ عمليا لسيناريوهات مختلفة.
إذا كان لا يمكن تجاهل أنّ المراقب تعوّد عدم حدوث الاستحقاقات وانتهاء التواريخ المقررة فلسطينيّاً دون حدوث شيء، فإنّ عدم حدوث شيء هذه المرة سيكون مختلفاً أيضاً.
* رئيس برنامج الدراسات العربية والفلسطينية في جامعة بير زيت