قل أن تجد في العالم دولتين تجمعهما وشائج القربة والأصول المشتركة والعلاقات التاريخية كالتي تجمع بين موريتانيا والمغرب فإسم موريتانيا جاء من الشمال من مملكة موريتانيا الطنجية التي تأسست تحت حكم الرومان عام 42 م في شمال المغرب وكذالك الموريتانيون هم من أعطي للمغرب اسمه الأجنبي (Marruecos).
المشتق بدوره من أسم مدينة مراكش التي أسسها المرابطون القادمون من الجنوب وذالك عام 1069م.
وكذالك قبائل بني حسان التي جاءت من المغرب في القرن السابع عشر وكان لها تأثير كبير علي موريتانيا من خلال تعريبها وفرض اللهجة الحسانية وتأسيس الإمارات الحسانية التي لم تنقطع صلاتها بالمغرب ومن المعروف أن إمارة أترارزة قد لجأت الي السلطان المغربي مرتين من أجل المساعدة في تثبيت سلاطتها علي ارض القبلة وحتي الضفة اليسري من نهر السنغال المرة الأولي كانت في عهد السطان مولاي إسماعيل وقد أمدهم بجيش تمكنوا من خلاله من القضاء علي منافسيهم سنة 1676 م والمرة الثانية كانت في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله ونذكر هنا ان زوجة السلطان مولاي إسماعيل وجدة السلطان سيدي محمد هي السيدة أخناثة بنت بكار المعقلية وهي قادمة من أرض الترارزة .
وعندما دخل المستعمر الي ارض موريتانيا مع مطلع القرن العشرين كان المغرب خير نصير للموريتانيين وقد كان يزودهم بالمال والسلاح من خلال الشيخ ماء العينين وقد كانت عملية اغتيال كبولاني (كزافيي كبولاني: Xavier Coppolani) أول حاكم فرنسي لموريتانيا قتل علي يد المقاوم سيدي ولد مولاي الزين يوم 12 مايو 1905 في معركة تيجكجة وسط موريتانيا) تتويجا لذالك الدعم.
وقد كان أخر المجاهدين، والذي انتهت باستشهاده المقاومة المسلحة، هو الأمير سيدي أحمد ولد أحمد عيده الذي استشهد في طريق هجرته إلي المغرب سنة 1932م وقد استقبل المغرب عائلته وأولاده وأكرم وفادتهم علي عادته. وعندما قررت الدولة المستعمرة أن تتخلص من مستعمراتها قامت كعادتها بتقطيع أوصال الدولة وضرب جيش التحرير الذي وصل إلي مدينة شوم، علي مشارف عاصمة أدرار اطار، وقد استقبله الموريتانيون بحفاوة كبيرة.
في عام 1960 قامت فرنسا بمنح موريتانيا الاستقلال وتأسست أول حكومة وطنية كان من ضمنها وزراء فرنسيون كان المغرب قد استقل قبل ذالك بأربع سنوات وكان يشهد حراكا سياسيا كبيرا وقد طالب حزب الاستقلال ساعتها بإعادة الوحدة بين موريتانيا والمغرب وقد بني موقفه علي الكثير من الحقائق التاريخية لكن المغرب رغم مطالبته بموريتانيا لم يطلق رصاصة واحدة رغم ان موريتانيا ساعتها لم تكن تملك لا جيش ولا عاصمة ولا أي شئ من مقومات الدولة لكن واجب الأخوة والمبادئ التي تلتزم بها المملكة كانت تمنعها من ذالك.
وقد سعي الحسن الثاني رحمه الله من أجل طي ذالك الملف مع الرئيس الراحل المرحوم المختار ولد داداه الذي وصفه بالرئيس العنيد وقد شهدت العلاقات الموريتانية المغربية في بداية السبعينيات تطورا كبيرا في مختلف المجالات تم تتويجه باتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975. وقد وقف المغرب مع موريتانيا في وجه الحرب التي فرضتها عليها الجزائر وقدم الدعم الكامل حتي أن القوات المغربية انتشرت في الأراضي الموريتانية من أجل حمايتها من هجمات عصابة البوليزاريو المدعومة للأسف من الشقيقة الشمالية وهنا أقتبس كلام الرئيس الراحل المختار ولد داده ’’ورغم خلافاتنا حول بعض القضايا، فقد كان سلوكه تجاهي لائقا تمامًا، وهو سلوك يتسم بالاعتبار والتقدير بل والاحترام لا سيما بعد بدء الحرب. فلم يحاول قط أن يستغل موقف قوته أو أن يظهر بمظهر متغطرس من شأنه أن يهيننا خلال هذه المرحلة التى واجهناها معاً. وبكلمة واحدة كان حليفا وفيًا يحترم التزاماته، كما يحترم شريكه الأضعف منه. إنه سلوك حري بالثناء والتقدير.’’
وعندما تم الإنقلاب العسكري صيف سنة 1978م وأثناء تخبط العسكريين طالبو القوات المغربية بالإنسحاب من موريتانيا فكان الإنسحاب وهنا تجدر الإشارة مرة أخرى أن المغرب كان من الممكن أن يتدخل ويعيد الرئيس الحليف له إلي الحكم فالقوات المغربية موجودة علي الأرض والجيش الموريتاني منهك من جراء الهجمات التي تشنها الجزائر من خلال المرتزقة ونفتح قوسا هنا لنذكر ان الرئيس السابق محمد خونا قد ذكر في مذكراته ان الجيش الجزائري هو من قضي علي الحامية الموجودة في عين بن تيلي وخلال حكم ولد هيدالة وقطعه للعلاقات مع المغرب سنة 1982م وانحيازه للانفصاليين لم يتوقف المغرب عن استقبال الطلاب الموريتانيين وكان موقفه مشرفا ففصل بين موقف الحكومة الشاذ وموقف الشعب.
وختاما نقول أن هناك أطرافا لايعجبها أبدا أن تكون هناك علاقة جيدة بين المغرب وموريتانيا فتراها تحاول دائما تعكير صفو تلك العلاقات لأنها تعلم جيدا أن تعاونهما يجعل من الدولتين كتلة إقليمية لا يستهان بها في المنطقة من خلال التكامل الإقتصادي والثقافي والعلمي بين الدولتين.
*باحث موريتاني في جامعة محمد الخامس اكدال