يومان فقط يفصلان الشعب التونسي عن موعد الانتخابات الرئاسية الذي يصادف الأحد المقبل. ولا يبدو السباق حول الرئاسة الذي يضم 27 مرشحا، ساخنا وحماسيا، وذلك على اعتبار أن 26 منهم يستشعرون صعوبة منافسة رئيس حركة نداء تونس السيد الباجي قائد السبسي، وهي الحركة الفائزة في الانتخابات التشريعية التي انعقدت يوم 26 من الشهر الماضي، مما أهلها بحكم حصولها على الأغلبية النسبية من مقاعد مجلس النواب (86 مقعدا) لتكون القوة السياسية الأولى في تونس.
من الأسئلة المهمة الجديرة بالطرح والتفكير: لماذا اختارت حركة النهضة التونسية دور المتفرج في حدث الانتخابات الرئاسية؟ والحال أنه رغم تراجعها والضربة التي تلقتها في الانتخابات التشريعية، إلا أنها القوة السياسية الثانية؛ إذ إنها فازت بـ69 مقعدا. ثم هل إنها فعلا اختارت دور المتفرج؟ ولماذا تراجعت عن نيتها في قطع الطريق أمام السيد الباجي قائد السبسي وتخلت فجأة عن مساندتها لأصحاب خطاب «التغول»؟
في البداية لا بد من التذكير بأن حركة النهضة ركزت كل ثقلها في الانتخابات التشريعية ولم تقدم مرشحا لها للانتخابات الرئاسية خلافا للأحزاب الأخرى.
وقد تقدمت يوم 19 يونيو (حزيران) الماضي باقتراح مفاده التوافق حول رئيس للجمهورية، وعللت ذلك بأن تونس في هذه المرحلة لا تزال هشة وتحتاج لبناء مسارها الانتقالي الديمقراطي إلى الروح التوافقية بين الأحزاب السياسية. ولكن هذه المبادرة لاقت رفضا من غالبية المجتمع السياسي في تونس، حيث رأت أنها ضد شروط الديمقراطية.
من جهة أخرى، نشير إلى أن ما جعلنا نعتبر أن الموقف الظاهر لحركة النهضة يوحي بأنها اختارت دور المتفرج بدل التورط في تكتيكات سياسية غير مضمونة النتائج هو بيانها الأخير، الذي قالت فيه رسميا وصراحة إنها قررت عدم دعم أي من المرشحين للانتخابات الرئاسية في تونس.
ولقد شكل مضمون هذا البيان مفاجأة، وذلك من منطلق أن حركة النهضة تفاعلت مع دعوة رئيس المجلس الوطني التأسيسي السيد مصطفى بن جعفر الذي تقدم إثر هزيمة حزبه في الانتخابات التشريعية (حصل على مقعد واحد) بمبادرة تنص على الاتفاق على مرشح واحد في الدور الأول من الانتخابات، بل إن رئيس مجلس الشورى لحركة النهضة، وقبل خمسة أيام من صدور البيان، أعلن في وسائل الإعلام، أن «النهضة» هي التي اقترحت مبادرة الرئيس التوافقي، وذلك لأنها ضد الهيمنة و«تغول» حزب واحد في الحكم.
ولعل هذا الانخراط إلى حين في مبادرة الرئيس التوافقي والمساندة القصيرة المدى زمنيا لأصحابها، إنما كانا يندرجان ضمن مناورة سياسية، هدفت إلى الضغط على الحركة الفائزة في الانتخابات التشريعية، وخصوصا أن السيد الباجي قائد السبسي وبعض قيادات حزبه قاموا بتمرير رسائل سلبية تدور كلها حول اللاتعاون مع «النهضة».
لذلك، فإن حركة النهضة إثر صدمة التراجع في التمثيل النيابي وفي إطار استراتيجية استباقية وارتباك أمام مدلول نتائج التصويت، أرادت أن تذكر حركة نداء تونس بأنها قوة سياسية، ولها من القواعد ما يجعلها تؤثر في نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث إنها أشارت في بعض التسريبات الإعلامية دون تصريحات رسمية إلى أنها ستدعم الرئيس الحالي المنصف المرزوقي.
وفي الحقيقة، إن التعبير غير الرسمي عن إمكانية دعم المرزوقي، يعد أمرا مزعجا جدا لحركة نداء تونس ومرشحها للرئاسة، باعتبار أن إمكانية فوز المرزوقي بالرئاسة ستؤثر سلبا على توقعات حركة نداء تونس وأدائها؛ لأنه بكل بساطة مجالات التواصل بينهما مقطوعة ويشوبها التلاسن المستمر، الأمر الذي يجعل من العمل السياسي بينهما عسيرا ومهددا بالتأزم، ومن ثمة يضع الحياة السياسية في تونس في مأزق.
ويبدو أن حركة نداء تونس التقطت الرسالة، وفي هذا السياق توحي مؤشرات بأنه ربما هناك نوع من الصفقة المسكوت عنها بين «النهضة» وحركة نداء تونس، وقد يكون البيان الذي أشرنا إليه والذي أعلنت فيه «النهضة» رسميا عدم دعمها لأي مرشح من أهم مؤشرات هذه الصفقة.
غير أن هذه القراءة لموقف حركة النهضة من الانتخابات الرئاسية واختيارها دور المتفرج على الأقل في مستوى الظاهر، لا تجعلنا نغفل عن نقطتين اثنتين:
– يغلب على موقف حركة النهضة في هذه المسألة الطابع الاضطراري أكثر من الاختياري، وخصوصا أن العلاقة مع «نداء تونس» تفتقر إلى «الثقة»، مما يعني أن أي دعم هو غير مضمون المقابل.
– من ناحية ثانية، هناك تفصيل مهم جدا، يتمثل في أن قرار مجلس شورى حركة النهضة، عدم الدعم واختيار الحياد هو فقط الموقف الرسمي للحركة والإشكال يكمن في أن قواعد حركة النهضة ضد «نداء تونس» كتركيبة وكوجود سياسي. لذلك فأغلب الظن، أن «النهضة» خيرت في هذه اللحظة السياسية الحرجة كسب قواعدها التي لن تتأخر – أي القواعد – غالبيها عن دعم السيد المرزوقي بالذات، وذلك كنوع من التصويت الاحتجاجي ضد «نداء تونس».
*كاتبة تونسية