لا يزال قرار مجلس شورى النهضة بعدم دعم أي من المترشحين للرئاسة يتفاعل في الشارع السياسي التونسي طارحا أكثر من تساؤل.
القرار على أهميته لم يكن مفاجئا بل ولعله كان متوقّعا مثلما كتبت «الشروق» في نفس هذه الأعمدة بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي.
النهضة لم تكن لها في الحقيقة اختيارات كثيرة عبر القرار الذي اتخذته بالامتناع عن دعم أي من المترشحين، لأكثر من سبب:
أولها أن النتائج التي حققتها في التشريعية تضعها موضع اللاعب الأقوى على الرقعة السياسية لأن هذه النتائج تجنبها الضغوطات المفروضة على الفائز الأول «النداء» دون أن تنقص من قدرتها في المناورة أو من دورها كشريك لا مفرّ منه لقيادة البلاد.
هذا الوضع المتميز يجعل النهضة في غنى عن البحث عمن تدعم للرئاسة لأنها اليوم في حالة «اكتفاء ذاتي سياسي» ولا تحتاج إلى أي مقابل من اصطفافها وراء أي مرشّح.
السبب الثاني هو أن النهضة تبدو قد استوعبت درس التحالفات المتسرّعة ولم تعد على استعداد لإعادة تجربة الـ«ترويكا» التي دفعت كلفتها من شعبيتها وقدرتها على مسايرة وتحقيق مطالب التونسيين من السنوات الثلاث التي تولّت فيها حكم البلاد، وهي اليوم تريد أن تبتعد عن كل مغامرة قد تصيبها بوهن خطير.
ثالثا: ولعل هذا هو الأهم، تدرك النهضة التي يتمتع عدد كبير من زعمائها الذين هاجروا إلى بلدان أوروبا وأقاموا فيها لسنوات طويلة، بمعرفة جيدة للشيء السياسي وتغيراته وتطوراته، أنّ في السياسة ليس هناك صديق دائم وأن العلاقات والتحالفات تحددها مصالح آنية في ظروف معينة وأن مصلحة حزب حركة النهضة لا يضمنها أي اصطفاف وراء أي من المتسابقين اليوم لكرسي الرئاسة.
من هذه الزاوية يكون قرار النهضة علامة نضج وفهم لمقتضيات الوضع الراهن وما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية وما وفرته لكل لاعب سياسي من مساحة للتحرّك والمناورة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو هل قرار النهضة بعدم دعم أي مرشح يعني الحياة والنأي بالنفس عن التدخل في العملية الانتخابية الرئاسية أو التأثير فيها؟
إذا اعتبرنا كما هو شائع في الممارسة الانتخابية الديمقراطية أن الدورة الأولى في الانتخابات يستغلها الناخب للاستبعاد والثانية للاختيار، فإن النهضة قد تكون سهّلت على قواعدها هذه الدورة الأولى بتوجيههم مبدئيا إلى الإعراض عن حليفي الأمس في الترويكا وهذا يزيد بالنتيجة من حظوظ الفائز في التشريعية رئيس النداء الباجي قايد السبسي والتمهيد في الوقت ذاته إلى وضع سيناريوهات ممكنة لحكم البلاد عبر صيغ تشاركية تحقق هدف التوافق الذي تنشده النهضة وتعتبره المسلك الأقوم نحو توطيد الديمقراطية في البلاد.
وهكذا تنجح النهضة في سعيها التوافقي حول الرئيس المقبل لا إيجابيا بجمع الأحزاب حول مرشح وحيد كما كانت تأمل، ولكن سلبيا اليوم بقرار عدم دعم أي من المترشحين.
لكن السؤال يبقى مطروحا: هل ستتبع القواعد النهضوية الحياد أم أنها ستتمرد سرّا على القيادة وتدعم مرشحا بعينه؟
*رئيس تحرير جريدة “الشروق” التونسية