تقدم تركيا الرسمية نفسها كدولة سنية، بل كمدافع أول وحامل لآمال ومصالح أهل السنة في العالم كله، فهل هي دولة سنية حقا، وما هي الدوافع والبواعث التي تقف خلف استغفال العرب والمسلمين من أهل السنة، سواءً كانوا من “العامة” أو من الخاصة وخاصة الخاصة:
أولا: إن أهل السنة بالمعنى الشائع يشكلون أقلية في تركيا وسط كل القوميات التركية والكردية والعربية، بل إن عدد العلويين في تركيا يفوق عدد السنة فيها “الخمس” تقريبا مقابل أقل من 10 % من أهل السنة.
وعندما نتحدث عن المعنى السائد للمفهوم السني، نتحدث عن الميل لأهل الحديث مقابل أهل الراي وعلم الكلام بصورتهم الطاغية كما المعتزلة، أو بصورتهم التي تذهب مذهب أهل الحديث ولا تمانع أو توظف علم الكلام في حقول أخرى كما عند الأشاعرة “ويعد الشهيد البوطي من أبرزهم في العقود الأخيرة”.
ثانيا، أما الاتجاه السائد في تركيا فهو خليط من مذهب أبو حنيفة النعمان، الإمام الأعظم. ومن الزوايا والطرق الصوفية حسب البيئة الاجتماعية وتقاليدها الثقافية والتراثية.
ويشار هنا أيضا إلى معظم الجماعات الإسلامية في تركيا والبلقان عموما “ألبانيا وغيرها” وتشكل البكتاشية “طريقة صوفية” أهم هذه الطرق وكانت الفرق الانكشارية، القوة الضاربة في الجيش العثماني، ملزمة باتباع هذه الطريقة.
سبق أن كتبنا أن الإمام الأعظم أبو حنيفة “الفارسي” ، كان أقرب إلى أهل الرأي مقابل الأئمة الثلاثة، وتعرض بسبب ذلك لأذى أبو جعفر المنصور وسجونه، بالإضافة لانتقاده المنصور لتحالفه مع “الإسبان” ضد المسلمين أو الأمويين في الأندلس.
كما كان أبو حنيفة يجاهر بتأثره بمؤسس المذهب الشيعي الإمام جعفر.
وعليه إذا كان أحد من الذين يروجون للدور العثماني وسلطانه الجديد، أردوغان، يستند إلى الخلفية المذهبية أو الطائفية، فعليه أن يراجع موقفه. أما إذا كان يعول على حسابات أخرى فهو تعويل يسقط من تلقاء ذاته إذا كان الهاجس سياسيا أو وطنيا.
-1- من الزاوية القومية، فتركيا الطورانية جزء من التاريخ الاستعماري مثلها في ذلك مثل الاستعمار الأوروبي.
-2- ومن الزاوية الوطنية لا تزال خرائط المركز الجغرافي التركي تحتفظ بخرائط تظهر الموصل جزءا من تركيا فضلا عن احتلالها لواء الاسكندرونة وكليكية ومناطق أخرى من سورية.
-3- أما الزاوية السياسية الراهنة فهي الأخطر لأن “برجوازية الأناضول” التي دعمت كمال أتاتورك ومشروعه العلماني إلغاء الأبجدية العربية للاندماج في أوروبا، هي نفسها التي دعمت “الإسلام السياسي” والبحث عن أسواق الشرق العربي والإسلامي بعد أن ظل الاتحاد الأوروبي مغلقا في وجهها.
يضاف لذلك وظيفة أخرى للانبعاث العثماني “الأمريكي” وهي بناء إمبراطورية من الملل والطوائف العثمانية لتطويق أوراسيا والصين والهند بحزام أخضر “إسلامي” بالدعوى الشائعة. الحرص على أهل السنة والدفاع عنهم.
* كاتب وصحفي أردني/”العرب”