هو منطق التاريخ الذي يؤكد هذا الرصد.. رصد يقول إن تونس وانطلاقا من انتخابات 26 أكتوبر الجاري قررت أن تنظر إلى الأمام.. وقرر التونسيون عبر الأرقام التي تعكس حجما محترما من المشاركة في أول انتخابات تشريعية حرة، أن يتخذوا طريق المستقبل..
لكن لكل هذا الاستحقاق والتوجه، ثمن.. والثمن اليوم، يدفعه الشعب من بوابة المسؤولية ويدفعه الفائزون في الانتخابات من بوابة الالتزام.
فأما الشعب الذي توجه من بينه 60٪ من الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد المنقضي فإن مسؤوليته تتمثل في أن يكون يقظا ومتحفزا واعيا بشأن الحكم.. في تفاصيله وأبعاده لأن المنطق يقول، إن الانطلاقة التي بدأت شكليا صحيحة، لا بدّ وأن تتواصل كذلك وأن كل حديث اليوم عن حكومة وحدة وطنية، لا يجب أن يعفي الأحزاب التي ستمارس الحكم، عن المحاسبة يوم الانتخابات، ولا نعني المحاسبة الدورية والمعروفة تحت قبّة البرلمان.
أما بخصوص الفائزين في انتخابات يوم 26 أكتوبر (الأحد الفارط) فإن مسؤوليتهم تنطلق من تحمّلهم أعباء الحكم.. لتصبح السلطة تكليفا وليس تشريفا، وليكون التداول عليها فرضا وليس منّة من أحد..
تونس تنظر إلى الأمام، وتلبس منطق التاريخ لُبوسا.. وقد استجمعت اليوم كامل قواها من أجل أن تقطع مع كل مظاهر الانحراف والغلوّ.. هنا أو هناك..
تونس، وعندما تنظر إلى الأمام، فإنها سوف تفرّق بين الطريق السالكة والسوية، وبين الطريق الوعرة.. وهذا أمر من شأنه أن يُرضي التونسيين، وقد يكون مزعجا لغيرهم.. من قوى سياسية أجنبية ومن قوى اقتصادية عالمية..
المهم في كل هذه التجربة أن التونسي، لا هو قام بخطوة إلى الوراء.. ولا كذلك تقدّم بخطوة فقط إلى الأمام.. لأن كلا الخطوتين، إن كانتا فرادى، فإن الواحدة منهما سوف تحيل تونس، على ما لا يتمنّاه شعبنا..
الآن وقد رأت تونس، أن السير إلى الأمام أفضل، فهي تكون بذلك قد قرّرت أن تتحمّل مسؤولياتها من أجل تأمين الطريق.
إذ التونسيون وهم يصوّتون لهذا الخيار السياسي أو ذاك، لا يعني أنهم منحوا من منحوه أصواتهم، صكا على بياض.. فقد ولّى ذاك العهد.. بلا رجعة..
فالتونسي قرّر اليوم أن يطبّق عجز مطلع النشيد الوطني: هلمّوا.. هلمّوا.. لمجد الزمن..
* باحثة في الإعلام والاتّصال والعلوم السّياسيّة/ “الشروق” التونسية