العلاقة الجيواستراتيجية التي تربط مصر بفلسطين أقوى من الإرهاب، الذي بات يعصف بالدول والشعوب العربية المختلفة، فلا يجوز إخضاعها للأمزجة الحزبية أو الأيديولوجية أياً كانت، لأن حقائق التاريخ والجغرافيا والواقع المعاش لحياة المصريين والفلسطينيين تؤكد علاقة التأثير والتأثر بين الشعبين عبر التاريخ، فمعركة اليرموك بين العرب والمسلمين في مواجهة الرومان لم تحدد مصير بلاد الشام فقط بل أيضاً أنهت حكم الرومان لمصر، وأعاد لمصر هويتها العربية، والإنتصار في معركة حطين 1187م في مواجهة الصليبيين وبعدها الإنتصار في مواجهة التتار في عين جالوت 1256م ما هي إلا حقائق تاريخية أوجدتها العلاقة الإستراتيجية التي تحكم مصر والشام وفلسطين منها على الخصوص.
فلا يمكن لهذه العلاقة الإستراتيجية أن تتهاوى بفعل ضربات الإرهابيين هنا أو هناك، والكل بات يعرف مصدر هذا الإرهاب وموئله الفكري والتنظيمي ومموليه وحاضنيه والمدافعين عنه، وهو لم يعد يرتبط بشعب محدد، أو دولة محددة، فهو عابر للحدود وللدول ذات السيادة، فما بالكم بفلسطين الرازحة تحت الإحتلال الصهيوني والتي تعاني، وعانت ما تعانيه مصر اليوم، وغيرها من الدول العربية، رغم صراعها مع المحتل الصهيوني …!
فمصر التي أدركت منذ ستينات القرن الماضي ومعها النظام العربي ضرورة إيجاد إطار موحد يجمع الفلسطينيين ويعبر عن تطلعاتهم الوطنية والقومية وليكون ممثلاً لهم، وأداتهم وأداة العرب في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي في شقه الوطني الفلسطيني، والممثل في منظمة التحرير الفلسطينية، والذي أنجز كافة المنجزات التي حققها الشعب الفلسطيني في كفاحه الطويل، تدرك مصر وغيرها أن العدو الصهيوني سعى ولا زال يسعى للإلتفاف عليها، وإفشالها عبر صناعة بدائل تؤدي إلى تغييب المشروع الوطني الفلسطيني، وتصفية القضية الفلسطينية، وقد كان أبرز هذه البدائل هو التنظيمات التي فرخت من أحشاء جماعة الإخوان المسلمين والتي رفضت منذ اليوم الأول أن تكون جزءاً من م.ت.ف بل وواصلت تحديها والتشكيك في وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، متسترة بشعارات المقاومة والتحرير تارة، وبالشعارات الإخوانية تارة أخرى، وموفرة مناخاً مناسباً لتيار الإخوان المسلمين الدولي، ولدول أخرى ذات مصالح فرصة الإستثمار في قضية فلسطين (قميص عثمان)، والتي ألحقت الضرر البالغ بالشعب الفلسطيني وقضيته، وهو لا يخفى إلا على البسطاء والدهماء الذين أخذوا بالشعارات الدينية وغيرها دون حساب الربح والخسارة.
ورغم ذلك بقيت فلسطين عصية على الإختزال في حزب أو تيار، مهما تأتى له من قوة ودعم أيديولوجي أو مادي، كما أن مصر وأي دولة عربية أخرى هي عصية على الإختزال في حزب أو تيار عابر للقارات أو غيره، فمصر هي مصر، وفلسطين هي فلسطين، بكل تكويناتهم وأطيافهم وتعددياتهم الثقافية والعقائدية، والتي تعبر عنهما م.ت.ف في فلسطين، وفي مصر مؤسسات الدولة المصرية العريقة، وفي مقدمتها القوات المسلحة المصرية وبقية مؤسسات الدولة، والتي باتت مستهدفة لتصديها لمؤامرة تفكيك الدولة المصرية على يد الإرهاب الأسود الذي يضرب في أكثر من مكان والذي يتخذ اليوم عنواناً واحداً وهدفاً واحداً بات معروفاً للجميع وهو تفكيك الدولة والمجتمع.
فما جرى يوم 25/10/2014م من حادث إرهابي في شمال سيناء، وعلى مقربة من حدود فلسطين وأودى بحياة ثلاثين جندياً مصرياً وجرح العشرات الآخرين، يأتي في سياق إستراتيجية الإرهاب العام الذي يستهدف الدولة والشعب والدين في آن واحد على مستوى الدولة العربية، وباتت مصر بالنسبة له في عين العاصفة بعد ثورة 30 يونيو 2013م التصحيحية والتي ساندها الجيش المصري، ففلسطين ومصر وكل الدول العربية معنية بمواجهة هذا الإرهاب الذي بات مكشوفاً على مستوى الأدوات والأهداف، لا يجوز أن يترك لهذا الإرهاب الأسود فرصة أن يفتك بهذه الدولة أو تلك، لأن الإرهاب لا حدود له، وآثاره سيئة على جميع الدول والشعوب سواء، ومواجهته واجبة.
لا يمكن لهذا الحادث أن يغير حقائق التاريخ والجغرافيا والإجتماع التي تربط فلسطين ومنها غزة بالتحديد بمصر العربية، مع الأخذ بعين الإعتبار ضرورة إتخاذ مصر وفلسطين كافة الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تقضي على الإرهاب الأسود وتقتلعه من جذوره، وتحقق الأمن الوطني والقومي لمصر ولفلسطين ولكل العرب، فالعلاقة الفلسطينية المصرية، والعربية العربية يجب أن تبقى راسخة وأقوى من الإرهاب وحاضنيه فكرياً ومادياً، حتى يتم الإنتصار عليه.
*عضو المجلس الوطني الفلسطيني