اعتمدت حركة النهضة في تونس على عامل الإبهار في أول خطوة لها نحو خوض حملتها الانتخابية. اختارت للإعلان عن برنامجها السياسي إحدى أكبر القاعات في العاصمة، فامتلأت بكوادر الحركة وأنصارها، واستعرضت، كعادتها، قدراتها التنظيمية، واستعملت التكنولوجيا الحديثة في العرض، ومحاولة الإقناع الجماهيري على الطريقة الأميركية. كل شيء كان يوحي لمتابعي الاجتماع بأنهم أمام حزبٍ قويٍّ وقادرٍ على العودة إلى الحكم لاستئناف إدارة شؤون الدولة. ولم تكتفِ حركة النهضة بالعمل على تلميع صورتها في الداخل، بل هي أيضاً حريصة على ذلك في الخارج. ولهذا، حرصت قيادة حركة النهضة، في الاجتماع، على أن تبلغ ثلاث رسائل:
أولاها: الحركة لم تفشل في إدارة البلاد في السنتين اللتين قادت فيهما حكومة الترويكا، خلافاً لما يعتقده كثيرون. وهو الموقف الذي تولى رئيس الحكومة “المتخلية”، علي لعريض، الدفاع عنه في كلمته، مستعرضاً ما ورد في وثيقة البرنامج الجديد، أن السياسات التي نفذتها الترويكا “مكّنت من تجاوز مصاعب التركة الثقيلة التي ورثتها عن حكومات سابقة، وأنها وفّقت في دفع نسق النمو، والنزول بمعدل البطالة، وتعبئة موارد البلاد من الموارد الخارجية، وجلب مزيد من الاستثمار الخارجي بنسبة فاقت 80%”. هذا على المستوى الاقتصادي فقط. بمعنى آخر، يريد الأمين العام لحركة النهضة أن يقنع أنصاره بأن الترويكا حققت معجزة في السنتين العاصفتين اللتين مرت بهما تونس، وبالتالي، ما قيل عن تلك المرحلة ليس، من وجهة نظره، سوى مجرد دعاية مضادة من الخصوم السياسيين “الذين لا شغل لهم سوى شيطنة الإسلاميين وحلفائهم”.
تؤكد الرسالة الثانية، التي صدرت عن الاجتماع، على وحدة الحركة، وانسجامها التام. فقد حرص المنظمون على أن يحضر إلى جانب رئيس الحركة، راشد الغنوشي، أمين عام الحركة السابق والمستقيل من هذا المنصب، حمادي الجبالي، والذي تولى رئاسة الحكومة الأولى للترويكا، قبل استقالته منها إثر خلاف حاد مع الحركة. والشخص الثاني الذي جرى الحرص على وضعه، أيضاً، في صدارة الاجتماع، عبد الفتاح مورو، الذي أعيد إلى صفوف الحركة، بعد إبعاده في الفترة الأولى التي أعقبت الثورة، والذي وجه للحركة ولقيادتها انتقادات شديدة، وهو لا يزال يعتقد أن “النهضة فشلت فشلاً ذريعاً” عند تولّيها السلطة. وقد أراد الذين أشرفوا على إعداد الاجتماع طمأنة القواعد والأنصار بأن الأجواء الداخلية جيدة، وأن الحركة ستخوض الانتخابات موحدةً، وبعيدة عن شبح الانقسام والتصدع.
وكانت الرسالة الثالثة للاجتماع، في كلمة الغنوشي، الذي يحاول، منذ إسقاط حركة الإخوان المسلمين في مصر، أن يجنّب “النهضة” المصير نفسه. ورقته الأساسية، في هذه المهمة، التأكيد على ضرورة التوافق بين القوى الرئيسية في المرحلة المقبلة. إنه حريص على جعل حركته الطرف الأكثر حرصاً على بناء حكومة ائتلافية واسعة، بقطع النظر عن النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات. وهو يعتقد أنه، بذلك، يضع بقية منافسيه وخصومه أمام اختيارين لا ثالث لهما: أن يجدوا أنفسهم في الموقع نفسه الذي كانت عليه حركة النهضة وحليفاها في السلطة، أي معارضة الوفاق والعمل على احتكار السلطة، أو مد الأيادي والعمل المشترك من أجل إخراج البلاد من المأزق الذي تواجهه.
هذه هي رسائل الحركة عشية انطلاق الحملة الانتخابية. واضحة وجلية، الهدف منها أن تستعيد قواعد “النهضة” الثقة في قيادتها وفي ذاتها، لأن المرحلة السابقة كانت مثقلة بالخيبات وبالصراعات الداخلية ومع المحيط السياسي والمدني. لكن التحدي الرئيسي يكمن في مدى استعداد الأطراف الأخرى لفهم هذه الرسائل، وتصديق أصحابها.
* كاتب من تونس