تشير التقارير والدراسات إلى اتساع نشاط الإرهاب باتساع نزعات العنف والتطرف والتشدد مع ما تحمل هذه الظواهر من المساوئ والأحداث المفجعة والمستنكرة، شيوع العنف والإرهاب بات ظاهرة عامة لا يكاد يستثنى منها شعب أو أمة، وتفشى على كل المستويات ولاسيما بين المتعلمين، ولم يعد يقتصر الإرهاب على استخدام العنف تهديدا وتخويفا وابتزازا، بل تجاوزه إلى النحر بالسكين وجز
الرؤوس بالسيوف والرجم بالحجارة والقصف المدفعي بالصواريخ والبراميل المتفجرة واستخدام الكيماوي بقصد الإبادة الجماعية، حتى بين الأشقاء في الوطن الواحد فضلا عن الأعداء.
ولم يعد الإرهاب فرديا يقتصر على رب الأسرة والأخ الأكبر ورئيس القبيلة وأجهزة الأمن، وإنما استفحل وارتقى إلى مستوى الرؤساء والدول، وأصبح يمارس بحجة الحفاظ على التقاليد والأعراف، حتى بات المجتمع نفسه يمارس الإرهاب على أفراده، كان الأب او الأخ ينفرد بجريمة قتل المرأة خلسة إذا ارتكبت الخطيئة بذريعة التخلص من العار، اليوم أصبح غسل العار مشاركة جماعية من الأسرة الأقارب وعامة الناس جهارا نهارا في الشوارع والساحات، كما حصل في سنجار حينما رجمت فتاة أزيدية بالحجارة لأنها وأحبت مسلما، وقتلت مسيحية واحتجزت داخل الكنيسة لاقترانها بمسلم وبالعكس، وأحرق أب متشدد في تونس ابنته الصغيرة لأنها رافقت زميلها بالمدرسة في طريقها إلى البيت.
كانت ممارسة الإرهاب فردية أو بنطاق جماعة محدودة فتطور اليوم إلى خلايا منظمة، كان الإرهاب ماديا بقصد الحصول على الأموال ومتع الدنيا فتحول من القرصنة إلى إرهاب معنوي سياسي للوصول إلى السلطة والهيمنة على مقدرات الشعوب، ثم انقلب إلى إرهاب دموي يمارس كطقوس دينية أو طائفية بين أبناء الديانة الواحدة، حتى مكافحة العنف والإرهاب تحول من طرق مشروعة إلى عنف وإرهاب بطرق غير مشروعة، كقصف راكب دراجة يشتبه بأنه إرهابي في أحدى شوارع غزة من طائرة بدون طيار، أو تخصص خمسة ملايين دولار أو عشرين لمن يقتل شخص يشتبه أنه إرهابي قبل محاكمته. وأصبح قتل الناس الأبرياء بالخطأ مبررا إذا كان بنية مكافحة الإرهاب، وانتقل الإرهاب إلى تعطيل دور مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، باستخدام الفيتو ضد طلب أحالة نظام إلى المحاكم الدولية لمحاسبته، كما هو حاصل مع الفيتو الروسي لصالح نظام الأسد.
وفي اعتقادي ليس الغريب اليوم ونحن في قمة التمدن والتحضر وتطور المواصلات والاتصالات الذي يتيح للعالم أن يكون قرية واحدة أن يتفشى الإرهاب في المجتمعات بظل ازدواجية المعايير وتحليل الحرام وتحريم الحلال وغياب الفكر الفلسفة التربوية، وإنما الغريب ألا يتفشى الإرهاب ولا يستفحل، ما دام الجهد العالمي في مجال مكافحة الإرهاب ما عاد في الواقع والحقيقة مكافحة علمية وسلمية تستند إلى فكر إصلاحي وتربية أسرية وتنشئة اجتماعية، وإنما تكيف المكافحة وفق مصالح الدول، وإلا كيف نفسر تطور ظاهرة الإرهاب من خطف الطائرات في سبعينيات القرن الماضي، إلى التفجير بالانتحار في الثمانينيات، ثم إلى جماعات تسير طائرات تطيح بأعلى الأبراج وأكبرها وتضرب البنتاكون وزارة دفاع أكبر دولة في العالم بوقت واحد في التسعينيات، ثم تطور الإرهاب إلى جيوش تمتلك مدفعية ودبابات وطائرات تضاهي بها جيوش معتبرة تعد بمئات الآلاف ومدججة بأفضل السلاح كما هو شأن داعش وحزب الله.
التمدن وتقدم الاتصالات في ظل غياب فلسفة تربوية زادت من حساسية شعور الناس بالقهر والظلم، فيكفي تصريح زعيم دولة متغطرس في قضية لا تقبل المساومة على الحقوق والعدالة أن تتسبب بظهور أكثر من جماعة إرهابية متطرفة، ولكل فعل رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساوٍ له في القوة، فكيف إذا كان العالم يشاهد جرائم القتل والإبادة الجماعية تنقل إليه حية بالصورة والصوت، مثل جرائم إسرائيل بصبرا وشاتيلا ومجزرة قانا وحملات الإبادة على غزة، وغزو العراق تحت ادعاءات واهية، وتدمير ليبيا بذريعة تدمير القذافي، والقتل الخطأ بطائرات من دون طيار في أفغانستان واليمن ولبنان، والتلكؤ في إسناد المقاومة السورية حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه من السوء.
إن رفع شعار مكافحة الإرهاب بحلول أمنية وعسكرية قمعية لا يكفي لاجتثاثه، ولاسيما بعد أن ربطت الدول العظمى مكافحة الإرهاب بمصالحها، فمن يعاديها إرهابي ومن يهادنها مسالم ولو كان معتديا، فينبغي إيقاف الإرهاب والعنف المتبادل بين الدول وبخاصة الكبرى أولا، قبل العنف الاجتماعي، وضبط النفس فالعنف يولد العنف، والقتل يورث الثأر والانتقام، مكافحة الإرهاب باحتوائه ومحاورته بالفكر واستدراجه باللين والمناصحة السلمية أجدى بكثير من القتل والحلول القمعية التعسفية، فقد يولد قتل إرهابي مئات الإرهابيين، فما بالك إذا قتل مئات الأبرياء بالخطأ، فاحتواء الإرهاب تربويا وفكريا، وبالإقناع النفسي انتصار للنفس الخيرة على الشريرة، وانتصار الحياة على الموت.
يقود الغرب أمريكا وأوربا حربا على الإرهاب لا هوادة فيها، وبخاصة الإرهاب المنظم القاعدة وداعش والنصرة، والغريب أن يصرح أوباما رئيس أكبر دولة في العالم بعد نصف قرن من جهود محاربة الإرهاب، إنه الآن بصدد الدعوة إلى تكاتف دولي وإستراتيجية طويلة الأمد لمحاربة الإرهاب، إذاً، ماذا كنتم تفعلون خلال هذه السنوات الطوال العجاف، ولاسيما بعد أحداث سبتمبر 1999؟ وهذا القصف بطائرات من دون طيار في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق ومناطق أخرى، هل كان يجري بأوامر مزاجية وانتقائية؟ إنها لكارثة حقا بكل المقاييس! ماذا كان يفعل استشاريو البيت الأبيض” “يأزأزوا لب”؟ ومتى إن شاء الله سيتم وضع مثل هذه الإستراتيجية؟ ومن سيقوم بوضعها؟ وكم ستستغرق من الوقت؟
لم نكن مخطئين حينما كنا نقول إن مكافحة الإرهاب بالطرق الأمنية التعسفية وتدخل الآلة العسكرية في تصفيات جسدية حلول فردية آنية مشكوك بجدواها وغالبا ما تكون نتائجها كارثية. وإن اجتثاث الإرهاب من جذوره بتنشئة الأجيال على التطبع بالأساليب التربوية السليمة وثقافة الفكر الحر أجدى من مكافحة نتائجه بطرق بدائية همجية غير مدروسة تأتي بنتائج عكسية، فالعنف يورث العنف، والقتل يولد الثأر بالقتل، وهلم جرا. ولسنا ضد محاربة الإرهاب بالقتل لمن يستحق القتل بعد محاكمته وإدانته فقد جاء بقوله تعالى: }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وترجم العرب حكم شريعة السلام “الإسلام” بحسن بلاغتهم ب”القتل أنفى للقتل” ولكن ليس بذبح داعش ولا باغتيالات إسرائيل والقصف الخطأ والبراميل المتفجرة.
إن من شيم العرب الوفاء وليس الإرهاب، والشريعة الإسلامية والمسلمون هم الأشد حزما في محاربته، ولا تساورنا الشكوك بوقوع المنظمات المعلنة كالقاعدة والنصرة وداعش وخلايا مليشياوية أخرى لم تعلن بأخطاء كثيرة جسيمة، وارتكبت جرائم تقع تحت طائلة الإرهاب، فأساءت إلى الوطن، وإلى صورة الإنسان العربي خارج بلاده، وأضعفت معنوياته وأفقدته الثقة بثقافته وعقيدته، وساء الظن بتراثه، فصورة السلاح بيد المسلم الملثم تتنافى وجوهر النموذج الإسلامي السمح، لكن التعامل مع الإرهاب فيما مضى كانت تنقصه الرؤية العلمية المنهجية، واستغل لغايات ظاهرها الحق وباطنها الباطل فأتى بنتائج عكسية.
لقد استغل الإعلام الصهيوني في الغرب، فوضوية الإعلام العربي وسذاجته بتناول أحداث فلسطين وسوريا والعراق بعيدا عن الموضوعية والشفافية، واستثمرها في زيادة المشهد العربي المتردي قتامة، فدفع في اتجاه إطلاق يد الغرب وآلته العسكرية للتدخل بشكل سافر ودموي في المنطقة، ومهد للساسة الغربيين تكييف مفهوم الإرهاب وتوظيف الأحداث وبرمجتها لخدمة المطامع والطموحات الدفينة بتقسيم المقسم في المنطقة وفق تصوراتهم الإستراتيجية التقليدية تحت طائلة الأخذ بأهون الشرين. وعليه ينبغي للمخلصين الانتباه وعدم السماح للاستعمار أو الاحتلال بعد أن خرج من الباب أن يعود إلى بلادنا ثانية تحت غطاء محاربة الإرهاب.
ليس العرب والمسلمون وحدهم من ابتلوا بظاهرة الإرهاب ليتحملوا مسئوليته، الإرهاب ضرب أمريكا من داخلها وكلنا يتذكر تفجير أمريكيين متعاطفين مع ميليشيا تيموثي ماكفي شاحنة في أوكلاهوما1995 كانت الأكثر تدميراً ضمن نطاق الإرهاب الأمريكي حتى هجمات سبتمبر1999، تلتها تفجيرات أنفاق وسائل النقل في لندن 2005، وضرب الإرهاب الدول الاسكندينافية النرويج أكثر البلاد أمنا واستقرارا في هجمات عدة استهدف احدها معسكرا للشباب وقتل نحو مائة منهم بلا ذنب والمنفذ مواطن متعلم ظل يفتخر بفعلته الشنيعة أمام القضاء، ولم تكن له صلة بجماعات إسلامية، والأمثلة لا حصر لها، فحوادث الإرهاب ليست حكرا على العرب، ولو تعمقنا في الجذور لم تكن سياسات الغرب بريئة وبعيدة عن الإرهاب، بل سببا من أسبابه الرئيسية، فقد أسهم الغرب بتقسيم بلاد العرب والمسلمين واستعمار أجزائها واستنزاف خيراتها، وتوطين الصهاينة الغرباء في فلسطين فاستولوا على مقدساتها وهجروا أهلها بلا رحمة،
يجب أن يفهم العالم إن العرب صبروا وانتظروا طويلا وكانوا يأملون من الرأي العام الغربي ومجلس الأمن أن ينظر إلى قضيتهم في فلسطين بعين منصفة، وإن بريطانيا منحت ما لا تملك بوعد بلفور للصهاينة فهجر سكان البلاد الأصليين ليسكنها المستوطنون الأجانب، واستمرت تجاهل العالم لحالة البؤس التي يعيشها اللاجئون ويمانع عودتهم إلى وطنهم، وتجاهل تجاوزات إسرائيل للقانون الدولي فأصبحت شرطي المنطقة تعتدي تهجر تفجر سدود وتغتصب المياه وتقصف من تريد بحرية، وتحتل الأراضي بقضمها تحت الرعاية الدولية وكانت السبب الرئيس لتفجر الإرهاب وبدايته، ووقوع كوارث إنسانية مفجعة وبقي الحل يقتصر على استخدام قوة الردع، بعيدا عن استخدام العقل والرؤية الإنسانية الناجعة التي تعيد الحقوق إلى ذويها، لقد تأخر إحقاق الحقوق حتى تناهت الصرخات إلى: لا ينفع الحق المجرد أهله، ما لم يكن يحميه جيش ومدفع. لا نبرر للإرهاب أفعاله الدنيئة مطلقا، فهو كفر وظلم عظيم، ولكن رمونا بدائهم وانسلوا.