سرطان الكراهية والعنصرية يتفشى في جسد إسرائيل

لو كان باستطاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، الاحتيال لمنع الكشف عن المجرمين من القتلة اليهود، الذين خطفوا واغتالوا وحرقوا الشهيد “محمد أبو خضير” وهو حيا لفعل ذلك، ولو استطاع “نتنياهو” منع النشر والكشف عن قتلة “محمد أبو خضير” اليهود في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية لما تردد، وما الكشف عن القتلة، وتنديد “نتنياهو” واستنكاره للجريمة إلا مضطراً، بعد مرور أيام في محاولة لإلصاقها بغير اليهود، وهذا لا يعدو رفع العتب، وضمن العلاقات العامة، بعد إضاعته لحملته الإعلامية في أعقاب مقتل “محمد” الذي شنها على الصعيد المحلي والدولي لاختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، مع أنه ،وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن الإعلام الخارجي لم يعط اهتماماً كبيراً لخطف المستوطنين، فجاءت عملية خطف”محمد” وقتله البشعة، لتغطي على عملية خطف المستوطنين، والورقة التي استغلها “نتنياهو”، فخطف وقتل وحرق “محمد” حرك العالم والأمم المتحدة وإعلام الغرب ضد العنصرية والكراهية الإسرائيلية، فاعتقال القتلة اليهود وتقديمهم للمحاكمة قد يكون صورياً، خاصة بعد أن نشرت الصحف الإسرائيلية أن بعض هؤلاء القتلة مصابون بأمراض نفسية، أي مجانين، كما أن المحكمة الإسرائيلية أطلقت سراح ثلاثة منهم بمزاعم أن ليس لهم علاقة بالعملية، مما دفع بالرئيس الفلسطيني الطلب من الأمم المتحدة، تشكيل لجنة دولية للتحقيق في قضية “محمد”، إذ أن الثقة بـ “نتنياهو” وإدارته معدومة، ولو كان جاداً في إدانته الجريمة، لأمر بهدم بيوت القتلة اليهود فوراً، مثلما أمر بهدم بيوت المشتبه بهم بخطف المستوطنين، قبل التأكد بالدليل القاطع أنهم الذين خطفوا وقتلوا المستوطنين الثلاثة.
لقد وجد “نتنياهو” ضالته لطي صفحة مقتل “محمد”، وفتح صفحة جديدة، بشنه العدوان الهمجي على قطاع غزة، بعد أخذ ورد وتردد في حكومته، من أن نتائج العدوان الجديد سيضع مليونين من سكان مستوطنات الجنوب في الملاجئ، ووضع نحو خمسة ملايين إسرائيلي في حالة من الذعر والتوتر والهروب إلى الملاجئ، من الصواريخ التي ستصل إليهم من قطاع غزة، فهؤلاء اليهود المرفهين قصيرو النفس للمكوث في الملاجئ، ولماذا يتجاهل العالم والأمم المتحدة، اتفاقية التهدئة التي توصلت إليها إسرائيل مع المقاومة بتاريخ 21-11-2012، وكان من أهم ما جاء فيها لوقف إطلاق النار في غزة بين الجانبين، وقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل، بما في ذلك إطلاق الصواريخ، والهجمات على خطوط الحدود، ووقف إسرائيل لجميع الأعمال العدائية على قطاع غزة براً وبحراً وجواً، بما في ذلك الاجتياح وعمليات استهداف الأشخاص والسؤال: لماذا لم تحترم إسرائيل ما وقعت عليه والتزمت به لهذه الاتفاقية؟ ولماذا يتجاهل العالم وبخاصة الدول الغربية نقض إسرائيل لها، فمنذ عام 2013 مارست إسرائيل سياسة الاغتيالات والتصفيات وقتل عناصر فلسطينية داخل القطاع بطائراتها من الجو، وبإطلاق النار على المزارعين الفلسطينيين بالقرب من الشريط الحدودي، وبمطاردة صيادي الأسماك وبتقليصها لحدود المياه البحرية المسموح للصيادين العمل فيها، من ستة كيلومترات إلى ثلاثة، إلى غير ذلك من الانتهاكات لاتفاق التهدئة الموقع من قبل الجانبين وإعادة اعتقالها للمحررين من الأسرى بصفقة شاليط، لابد للفلسطينيين من الرد على هذه الانتهاكات المتكررة، والعمليات العسكرية لشل حياة الإسرائيليين واقتصادهم، الذي سيتحمل خسائر كبيرة، فماذا حدث؟ الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، والمزايدات بين الوزراء وبعض نواب الكنيست، حتى أن هذه الخلافات برزت سلفاً، فهناك من طالب القيام بعملية عسكرية واحتلال قطاع غزة من جديد، وبين عملية يوكل بها سلاح الجو الإسرائيلي بقصفه للقطاع، فإسرائيل رغم استدعائها قسماً كبيراً من قوات الاحتياط، فإنها مترددة في اجتياح القطاع، أو القيام باجتياح محدود، لأنها تعرف أن ذلك سيكلفها خسائر كبيرة في صفوف جنودها، وأنها تعرف أن بإمكانها دخول الحرب، لكنها لا تعرف كيف ستتطور وكيفية الخروج منه، وفي كلا الحالتين سيتم الاتفاق لاحقاً على وقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق تهدئة جديد، أو العودة إلى اتفاقية التهدئة السابقة التي تمت بتاريخ 21-11-2012.
إن الغليان والغضب الفلسطيني بدأ في الضفة الغربية، وانتقل إلى قطاع غزة، وإلى عرب الداخل في المنطقة المحتلة عام 1948، فمن سمع بأن السلطات الإسرائيلية عاقبت اعتداء المستوطنين على ممتلكات ومزارع وأراضي الفلسطينيين وقطع أشجار زيتونهم، وحرق محاصيلهم؟ هل سمعتم عن قيام الاحتلال بإجراء تحقيقات جدية، ومحاكمات تطال المستوطنين المعتدين ومعاقبتهم؟ وماذا بالنسبة لمجموعة “دفع الثمن” التي طالت عملياتها الممتلكات والأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين؟ حتى وصل إلى داخل الخط الأخضر، الأمر الذي أدى إلى اجتياح برميل بارود من الكراهية المتبادلة الشارعين العربي واليهودي وخلق وتوتر رهيب في القدس والضفة الغربية وصل إلى الناصرة والجليل والمثلث وحيفا وعكا ويافا والنقب، كل ذلك على خلفية خطف وحرق الشاب “محمد أبو خضير”، رافقتها موجة واسعة من اعتقالات الفلسطينيين، وهدم عشرات المنازل، فقد طوق المستوطنون بعددهم الذي وصل نحو (700) ألف مستوطن، معظمهم من المتعصبين الفاشيين النازيين، الذين طوقوا القرى العربية في الضفة، وسهل عليهم الاعتداء على الفلسطينيين، وأن خطف “محمد” لم تكن الأولى، فقد جرت محاولات أخرى لكنها لم تنجح.
“نتنياهو” وحكومته وزمرته تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الكراهية والاحتقان وما آلت إليه الأوضاع بين العرب واليهود، فـ “نتنياهو” يقوم بالتحريض على العرب منذ سنوات، وما نكرانه لهذا التحريض إلا كذب، هآرتس 8-7-2014، فـ “نتنياهو” تعهد بالانتقام ردا على اختطاف المستوطنين الثلاثة، التايمز الإسرائيلية 4-7-2014، ورئيس جهاز “الشاباك” السابق “يوفال ديسكن”، يحمل “نتنياهو” المسؤولية تجاه التدهور في العلاقات مع الفلسطينيين، على خلفية مقتل “محمد أبو خضير”، وقضايا أخرى، والوزير “يائير لبيد” طالب في جلسة الحكومة العمل على إخماد النيران لا إشعالها ضد الفلسطينيين، وعدم إعطاء الفرصة للمتطرفين، أما النواب “دوف حنين” و”زهافا غلؤون” فقد حملوا المجلس الوزراء المسؤولية عن قتل “محمد أبو خضير”، لحملة الانتقام والتحريض ضد الفلسطينيين، والوزيرة “تسيفي ليفني” استخدمت لغة غير مسبوقة بتنديدها بجريمة قتل “محمد أبو خضير”، وطالبت بمعاقبة القتلة، ودعت لاتخاذ  إجراءات ضد العناصر الإرهابية اليهودية، وتستنكر الأصوات التي تدعو إلى العنف والانتقام وكتابات التحريض على الجدران، والمناداة بالموت للعرب، والاعتداء على المواطنين والعمال العرب الذين يعملون داخل الخط الأخضر، وتفشي سرطان العنصرية والكراهية، ونكرر بأن “نتنياهو” وحكومته يتحملون مسؤولية الوضع المتفجر والمتصاعد، فهو يزعم بأنه ينشد إلى الحياة وهم ينشدون إلى الموت، والانتقام ليست من أعمال الشيطان، وقتلة المستوطنين الثلاثة بشر في صورة حيوانات، ودعوته لفرض العقوبات الجماعية التي تعني بأن كل عمل ضد الفلسطينيين مباح ومسموح به، بغض النظر عن كون الفلسطيني المعاقب بريئاً أو غير برئ، فكلهم مدانون ومجرمون، ويقول بيبي دعنا نقتلهم، والوزير “نفتالي بينت” يقول بأن وقت الأقوال انتهى، وحل وقت العمل، ولا غفران لقتلة الأطفال ومن يرسلهم، ونائب وزير الحرب “داني دانون” قال:إسرائيل ستعرف كيف تجعل الخاطفين ومن أرسلهم يدفعون ثمناً باهظاً ، والوزير “أوري أرئيل” يقول: التصرف في الحرب مثلما هي الحرب، ضربهم بدون رحمة، وتقديم رد صهيوني مناسب، والوزير “إسرائيل كاتس”:”يجب أن نلقنهم درساً لن ينسوه أبداً، مما يجعل الرأي العام الإسرائيلي يتأثر بهذا التحريض”.
إن أكثر ما يلفت النظر أن الدعوة للانتقام والكراهية، تأتي من قوات الجيش، العاملة في الضفة الغربية، ويقولون في شبكات التواصل الاجتماعي:”بيبي دعنا نقتلهم”، ويبررون  ذلك بأن كراهية العرب ليست عنصرية، وإنما أخلاقية، فتزايد دعوات الانتقام في إسرائيل، من خلال مواقع التويتر والفيسبوك، للتحريض ودعوة شعب إسرائيل بالانتقام، حصل على (35) ألف معجب يهودي، وهناك جنود يطالبون وحداتهم العسكرية، وأغلبيتهم من وحدة المشاة، العاملة في الضفة الغربية بالانتقام، وإذا كان هناك مظاهرات معادية للعرب جرت في القدس وتل أبيب وحيفا وغيرها، فإن هناك مظاهرات جرت في القدس وتل أبيب وغيرهما، من أنصار السلام واليسار الإسرائيلي، معادية للعنصرية والتطرف، فعلى موقع “فيسبوك”، موقع معادي للعنصرية جمع ثلاثة آلاف توقيع يطالب الموقعون عليها التصدي للعنصرية والانتقام والكراهية، ورفع شعارات الموت للعرب، وعربدة المستوطنين واليمين الإسرائيلي العنصرية والكراهية والشوفانية والفاشية أخذت سياقاً خطيراً وغير مسبوق، بالدعوة لقتل فلسطيني كل ساعة، “معاريف”.
وخلاصة القول، فإن هذه الكراهية والعدوان المجرم على غزة، نسف مقولة التعايش ولابد من الانفصال، فطائرات ودبابات إسرائيل ليس باستطاعتها حسم القتال وإعادة الأمن والهدوء، وما باستطاعته فعل ذلك عملية سياسية حقيقية، تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال، غير أن إسرائيل التي قامت على القوة، وعلى حساب شعب آخر، لا تؤمن بالسلام.

اقرأ أيضا

الجزائر

أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم

إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.

سوريا

سوريا.. تعيينات بالحكومة الجديدة ورسم معالم المؤسسة العسكرية

تواصل إدارة الشؤون السياسية في سوريا، العمل على ترتيب البيت الداخلي للبلاد بعد سقوط بشار الأسد.

بعد غياب.. مهدي مزين يعود بـ”مابقيتيش شيري” من أول ألبوم له

يستعد الفنان المغربي مهدي مزين، لطرح أول أغنية من ألبومه الغنائي الجديد، والذي يحمل اسم "ماراطون"، وذلك بعد فترة من الانتظار والتأجيل.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *