في الوقت الذي ملأت فيه صور شاحنات الجيش المصري تحمل أغذية وأدوية وتعبر الحدود في إتجاه قطاع غزة مقترنة بتصريحات المسؤولين الفلسطينيين في رام الله وهم يثمنون تلك الخطوة في نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك ايضا مشاهد أخرى لأعضاء في حركة “حماس” يحرقون صوراً للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع علم إسرائيل ويرفعون شعار رابعة! التناقض نفسه حدث عند استنهاض “النخوة” لدى الجيش المصري بواسطة القيادي الحمساوي خالد مشعل من مقر إقامته في الدوحة بالتزامن مع هجوم على المؤسسة العسكرية المصرية بواسطة “حمساويين” آخرين لكن من داخل غزة! والغريب ان بعض فضائيات الاعلام المصري تعاملت مع ازمة الاجتياح الاسرائيلي باعتبار ان القاهرة مسئولة عن فاشية اسرائيل وانها تقاعست عن حماية الفلسطنيين، الامر الذي يشي بان اعلامنا تم اختراقه باموال قطرية ليغرد مثل قناة “الجزيرة”.
ليس سرا ان قطر وتركيا مقربتان جدا من “حماس” التي تحكم فعليا في غزة وان علاقة الاطراف الثلاثة مع مصر في عهد الرئيس السيسي متوترة، ان لم تكن في حالة عداء. فهذا الثلاثي كان رابعه الرئيس المعزول محمد مرسي الذي قاد مشروع الاخوان المسلمين في مصر لتوطين الفلسطنيين في سيناء. ايران حليف لـ”حماس” وتمدها بالصواريخ ليس لانها واقعة في حب الاخوان المسلمين، وانما لانها تعتبرها ورقة مهمة في استراتيجية “المقاومة المزايدة” على السلطة الفلسطنية ورئيسها محمود عباس كما على القيادات العربية الاخرى. وايران تلتقي مع قطر وتركيا في الرغبة بقطع الطريق على مصر لاستعادة دورها الاقليمي القيادي او ما يؤهلها لاعادة الوزن العربي إلى موازين القوي الاقليمية، لاسيما وان القاهرة تلقي دعم السعودية والامارات في هذا المسعى. اسرائيل ايضا تلتقي مع ايران وتركيا في الرغبة باستبعاد الوزن العربي عن موازين القوى الاقليمية وبالتالي فانها لا تريد لمصر ان تصيغ لنفسها القدرة على قيادة عربية واقليمية فوق العادة.
ماحدث مؤخرا من رفض المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس والجهاد الاسلامي له بالتاكيد اسباب تتعلق باسرائيل والتها العسكرية التي قتلت 200 مدني حتى الان، وانما هناك ايضا اسباب اخرى للرفض بسبب المحاور والتنافس على موازين القوى التقليدي بالاضافة إلى التنظيمات المتطرفة كالشق العسكري من حماس والجهاد الاسلامي.
أي موقف صعب تواجهه مصر الآن؟ فعليها أن تعمل لوقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الذي تحكمه “حماس” وهي تواجه في الوقت ذاته إرهاباً يضرب بنيتها التحتية وأهلها بواسطة جماعات وتنظيمات تلقى الدعم والتأييد من حماس!
أي “سكة” سيسير فيها السيسي ليجنب الشعب الفلسطيني جرائم إسرائيل، والشعب المصري عواقب ولاء “حماس” للإخوان؟ أي سياسة على مصر أن تتبعها وقد ترك بعضهم ما يجري لأهل غزة ونصب المؤتمرات والبيانات والقنوات والبرامج للهجوم على “تخاذل” مصر وليس للعمل على فضح العدوان أو من كانوا سبباً فيه؟
عموماً لن تتوقف المجازر الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني إلا بتوافق دولي ودور محوري مصري، تلك حقيقة بغض النظر عن موقف الذين يزايدون على مصر، الدولة أو الجيش أو من يصطادون في مياه عكرة حتى لو على حساب جثث الفلسطينيين، ويتجاهلها هؤلاء الذين يتصورون أن “التسخين” سيفلح في دفع الجيش المصري إلى دخول مواجهة مع إسرائيل! صحيح أن مصر الرسمية والشعبية غاضبة من “حماس” بل إن “حماس” وفقاً للقانون المصري هي منظمة إرهابية يحظر التعامل معها باعتبارها فرعاً لجماعة “الإخوان المسلمين” التي صنفها القضاء المصري كجماعة إرهابية. لكن الدور السياسي لمصر في المسألة الفلسطينية ليس اختياراً أو مجرد أداء واجب، ولا يمكن لمصر أن تنأى بنفسها عن فلسطين. وهذا الدور سيتأثر إذا غاب أو تأخر التحرك المصري لأن أطرافاً أخرى تسعى إلى الانتقاص من أي مكانة لمصر إقليمياً ودولياً، مثل قطر وتركيا. لكن المعضلة التي تواجه السيسي أن الفشل الدبلوماسي في الوصول إلى حل سيحسب عليه، بل وقد تستغله “حماس” للتشهير بمصر ورئيسها وجيشها.
أما عبارة “مسافة السكة” التي جاءت على لسان السيسي عندما رد على سؤال أثناء حملته الرئاسية عن موقفه إذا تعرضت دولة خليجية لخطر خارجي، فبعضهم يستغلونها للتهكم على أساس أن غزة أقرب لمصر جغرافياً من الخليج، خصوصاً في ظل حملة “الإخوان” ومناصريهم، والتي لا تبكي غياب الدور السياسي لمصر لوقف العدوان الإسرائيلي، بل ترفع السقف إلى حد المطالبة بدخول مصر حرباً ضد إسرائيل.
لم يقصد السيسي اتجاه المقامرين باوطانهم، فالسكة كانت في اتجاه من ساندوا مصر في محنتها إذا تعرضوا لأخطار. هناك قدر كبير من التعقيدات يواجه مصر الرسمية، خصوصاً أن أخطاء “الإخوان” وتصرفات “حماس” جعلت فئة غير قليلة من المصريين تطالب أصلاً بالانتقام من “حماس” وليس مساندتها.
في مصر أيضاً من يشكك في مؤامرة تحاك لتوريط الجيش المصري في مواجهة مع إسرائيل تمكن “إخوان” الداخل من الانقضاض على الحكم، وآخرون يرجحون أن يكون الهدف حرق غزة، وبالتالي الضغط على مصر لفتح الحدود وإقامة معسكرات للاجئين تتحول لمراكز وبؤر تولد منها “داعش” المصرية الجديدة.
انسانياً لا أحد يملك أن يقبل بما يحدث في غزة، واعتراض القيادة المصرية على الجرائم الإسرائيلية مسألة بديهية، لكن تكرار فعل يؤدي إلى رد فعل تكون نتيجته بحور من دماء الفلسطينيين مسألة مثيرة للاستغراب. ومهما كان الرعب الذي يصيب الإسرئيليين جراء صواريخ “حماس” فإن تأثيرها واقعياً يشبه شماريخ مشجعي كرة القدم، ورد فعل إسرائيل يدفع ثمنه العزل والبسطاء شيوخاً وأطفالاً ورجالاً ونساءً من أبناء الشعب الفلسطيني، بينما قادة “حماس” على الشاشات دائماً، أو في فنادق الدوحة غالباً.
*رئيس تحرير صحيفة الجمهورية سابقا – مصر
اقرأ أيضا
وصف الجزائر بلا هوية وتستهدف وحدة المغرب.. النظام الجزائري يعتقل الكاتب بوعلام صنصال
يواصل النظام الجزائري سياسته القمعية لإخراس الأصوات التي تنتقد سياسته أو تلك التي تنطق بحقائق تثير حنق "الكابرانات".
الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مساء اليوم الخميس، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق في مجلس الحرب يوآف غالانت، بالإضافة إلى مذكرة اعتقال في بيان آخر للقائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس "محمد الضيف" واسمه الكامل إبراهيم المصري، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
السجن 50 عاماً لامرأة أجبرت أطفالها العيش مع جثة متحللة
قضت محكمة، الثلاثاء، بسجن امرأة لمدة 50 عاماً لإجبار ثلاثة من أطفالها على العيش مع …