سقطت الجزيرة عندما نسي القيمون عليها ان مهمتهم الأساسية هي إخبار الناس بما يجري حقيقة على الارض لا ان يتم تجاهله احيانا، واختلاقه أحيانا أخرى، الى ان نسيت مهمة الإخبار، نهائيا، لفائدة الفبركة على مقاس المواقف المسبقة السياسية والاستراتيجية الأصلية للقيمين على فضائية قطر او بالوكالة عن الجهات ذات المصلحة والتي لم تعد تخفى على احد منذ اندلاع كذبة الربيع العربي بمختلف تنويعاته وأجنداته المدمرة.
هكذا دفن الاعلام في الجزيرة بشكل شبه نهائي ولم تعد هذه الحقيقة تخفى على أصحابها أنفسهم بدليل بحثهم عن بدائل لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
ويبدو ان قناة الميادين التي جاءت لتنقل “الواقع كما هو” بديلا عن “قناة الرأي والرأي الآخر” التي كانت تعيش فترة سقوطها الحر، لم تستطع الصمود كثيرا في الوفاء لشعارها، نظرا لتسارع وتيرة التقلبات في المواقف والاستراتيجيات التي نذرت نفسها للدفاع عنها. ذلك ان ارتفاع وتيرة المواجهات الميدانية والسياسية والاستراتيجية المتصارعة، في المنطقة وعليها، قد فرض على الميادين والقيمين عليها الانتقال الى سرعة جديدة أفقدت خطها التحريري بعض التوازن والموضوعية في تناول عدد من القضايا التي كانت خارج بؤرة المنازعات الحادة عندما انطلقت، وتتجه، في الشهور الأخيرة، الى تصدر قائمة الأحداث الاقليمية والدولية مثلما ما هو عليه شأن قضية الصحراء المغربية والنزاع الاقليمي المفتعل حولها من قبل القيادات الجزائرية المتعاقبة.
هذا ما يدل عليه تقرير لقناة الميادين حول الصحراء مؤخراً تجاوزت فيه كل المباديء والمنطلقات التي قالت، يوما ما انها ستظل ملتزمة بها، حيث تحدثت عن الصحراء المغربية وكأنها “كيان مستقل” حددت له حدوده مع دول المنطقة وعينت له عاصمته، ولم تخرج في ذلك عن إطار الموقف الجزائري المعادي الصريح والمتبني لأطروحة الانفصال الا بعدم وصف المغرب بصورة واضحة بكونه بلدا محتلا لما سمته الصحراء الغربية مكتفية بالحديث عنها باعتبارها متنازعا عليها الى حد الآن على الأقل. ومن يدري؟
هل سترضى الجزائر بمثل هذا الموقف، ام انها ستطلب من القناة ان تحذو حذو قناة الجزيرة بخصوص قضايا اخرى مما أفقدها مصداقيتها بشكل كبير لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العربي والدولي؟
أرجح ان تطالب القيادة الجزائرية، التي بنت استراتيجيتها على معاداة المغرب، قناة الجزيرة بالتبني الحرفي لموقفها من قضية الصحراء المغربية لكونها لا تعترف بأنصاف المواقف كما كان عليه امر جورج بوش الابن الذي تبنى مبدأ: اما ان تكون معنا او انت ضدنا. ويعني ان تكون معنا أساسا هنا: ان تكون تابعا لأمريكا وخاضعا لمختلف سياساتها وإلا فانها ستعاملك كعدو لها بما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بطبيعة الحال.
وإذا حدث هذا، ان لم يحدث بعد، فهل ستستجيب قناة الميادين؟
لست من الذين يتخذون المواقف على أساس التفاؤل او التشاؤم لأن قضايا الشعوب اكبر بكثير من هواجس الأفراد، غير انني ارى في تقرير قناة الميادين حول الصحراء المغربية ما يذكرني بالمثل العربي القديم: أتتم فالية الأفاعي. وهذه المرة من منبر اعتقدنا صادقين انه ممانع للسقوط الحر. لكن “وراء الأكمة ما وراءها” على ما يبدو.