التوانسة، على الأقل في حدود ما أعلم، هم الشعب العربي الوحيد الذي اشتقَ من مفردة العيش في اللغة العربية أمنيةً أو دعاء معبراً وجميلاً حين يخاطب أحدهم الآخر بالقول: «يعيشك»، التي تحمل في التعبير الدارج التونسي بالإضافة إلى الدعاء بطول العمر، تعابير الشكر والامتنان أوالطيب من الأمنيات.
وفي هذا الاشتقاق ما يشي بطبيعة هذا الشعب الرائع الذي يحب الحياة، والحق أنه ما من شعب على وجه البسيطة لا يحب الحياة، لكن هناك فرقاً بين أن تحب الحياة وأن تسعى لأن تكون هذه الحياة جميلة ما استطعت. وهذا ما تلمسه لدى التوانسة حين تكون بينهم في بلدهم الذي قدم شاعراً، هو أبو القاسم الشابي، علّمنا جميعاً: إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.
أكتب هذه الكلمات من تونس، وتحديداً من مدينة سبيطلة في ولاية القصرين، وتكتب أحياناً بمسماها الروماني: سفيطلة، هي التي تعج بالآثار الرومانية. وجئتها للمشاركة في مهرجان المدينة الدولي الثاني للثقافة والفنون الذي يمثل أحد أوجه الرهان التونسي على الثقافة بوصفها عاصماً بوجه التطرف والتعصب وما يؤديان إليه من إرهاب. لذا لم يكن غريباً أن يتضمن حفل افتتاح المهرجان تكريم أسر الشهداء الذين راحوا ضحية جرائم الإرهاب.
إقرأ أيضا: تونس والوعود الدولية
وتونس ليست غريبة على المهرجانات الدولية، فإلى مدينتها التاريخية الشهيرة قرطاج تنسب مهرجانات سنوية للمسرح وللغناء والموسيقى، وتستضيف مدنها المختلفة ملتقيات فكرية وثقافية متنوعة على مدار العام، كلها تتوجه نحو النهوض بالذائقة الفنية وبالتأسيس الثقافي والمعرفي.
بين المجتمع المدني والثقافة صلة قربى، وهذا ما يتجلى في حيوية مجتمع تونس المدني ذي التقاليد العريقة في استقلاليته، والذي اضطلع ويضطلع بدور حاسم في ترشيد الأداء السياسي في البلاد، والدفع به في اتجاهات آمنة.
إلى المهرجان أتت وفود من بلدان المغرب العربي الأخرى، وكذلك من بلدان عربية مشرقية ليقرأوا الشعر، ويلقوا المحاضرات ويعزفوا الموسيقى ويقدموا الأغنيات ويرسموا اللوحات التشكيلية في تظاهرة هدفها إظهار أن للثقافة والفن ما يمكن أن يقولاه، لا بل ويفعلاه، في مواجهة موجات التطرف والعنف التي تجتاح الكثير من بلداننا .
كاتب صحفي/”الخليج”