لم يجد المغرب الرسمي من رد على التصريحات المتحيزة للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، من قضية الصحراء المغربية، غير الدعوة للخروج إلى الشارع للتظاهر، أمس الأحد، ضد تلك التصريحات، والتأكيد على حق المغرب وسيادته على كامل وحدته الترابية.
قد يكون الهدف من هذه المسيرة الجديدة في الرباط، توجيه رسالة قوية إلى الهيئة الأممية التي لم تتقدم بالقدر الكافي في إيجاد حل للمشكلة، على الرغم من المقترح المغربي المغري بمنح الصحراويين حكما ذاتيا تحت سيادته، ربما يمهد في المستقبل إلى نوع من الإدارة الذاتية للإقليم، لا تبتعد عن شروط السيادة المغربية على إقليمه.
والحال، أن تخبط الأمم المتحدة وعدم نجاعة مبعوثها الخاص، كريستوفر روس، الذي سقط في امتحان التسوية أكثر من مرة يؤكد أن الإرادة الدولية لم تتوافر، وأن “المغرب باق في صحرائه”، وفق الشعار الذي يردّده المغرب الرسمي وغير الرسمي في مثل هذه الأزمات، وفي الحالات العادية التي ميزت سيرورة الملف.
من الأكيد تماماً أن اللجوء إلى الشارع هو استفتاء شعبي متجدد، وهو رسالة تفيد بأن المغرب غير مستعد نهائياً لأي تسوية تضر بمصالحه الوطنية، والأمر إلى هنا وجيه تماما ومشروع، ولا بد منه، لكي يصل الصوت واضحاً، ومن غير لبس، فقد دفع المغرب تكلفة عالية في نزاع الصحراء، سواء سنوات الحرب أو أيام السلم، وربما تكون فاتورة سنوات السلم ووقف إطلاق النار أقوى وأعلى، لأن زرع الثقة والاستقرار وسط الصحراويين، في تلك السنوات الصعبة من نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، لم يكن أمراً متيسرا ولا سهلا، بالنظر إلى الأموال التي كانت تتدفق من كل حدب وصوب على الخصوم.
عبّر المغرب عن إرادته، وانخرط جدياً في سلسلة من المشاريع التنموية التي كلفت ميزانية الدولة، وجعلت المناطق الصحراوية تحظى بالأفضلية في جميع المجالات، وليس آخراً، المشاريع الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس في الفترة المنصرمة، والتي ستجعل من جهة الصحراء وجهة مفضلة اجتماعياً واقتصادياً لتنامي الفرص الاستثمارية فيها في المستقبل القريب.
يشتغل المغرب بمنطق أنه لن يخرج أبداً من أقاليمه، ولن يتخلى عنها مهما كان الثمن، وهو في هذا يسعى إلى كسب ثقة المستثمر العربي والأجنبي، للمجيء إلى هناك، وإطلاق مشروعاته في حرص تام على توفير المناخ المساعد، المستند، أولاً، وأخيرا، إلى القاعدة الصلبة للاستقرار الأمني الذي تحظى به المنطقة، وتجاوز لحظات توتر ساهمت في إذكاء نارها جهات خارجية معروفة.
غير أنه على الرغم من الجهد المسجل في هذا الاتجاه، لا تزال القضية الوطنية للمغرب والمغاربة تحتاج إلى مدافعين شرسين، وإلى عمل مواز قوي لما تقوم به الجهات الرسمية، والقصد في ذلك “الدبلوماسية الشعبية” وعدم الاستفراد بتدبير الملف من طرف واحد، وإبقاء المغاربة على علم بكل التطورات، وإشراك الأحزاب والجمعيات المدنية في هذا العمل الموازي الكبير المتوجه إلى الخارج وليس الداخل.
إقرأ أيضا: المغاربة يبدعون “المسيرة الخضراء الثانية”!
جُرّبت الدبلوماسية المغربية الحزبية في الفترة الأخيرة، خصوصا في واقعة النرويج، وأثبتت نجاعتها، عندما جرى حل الخلاف أو سوء الفهم، وفق قنواتٍ غير رسمية، لتطوى صفحة من تلك الصفحات، من دون أن تخدش الدبلوماسية الرسمية أو تتطور الأمور إلى مساراتٍ غير مرغوبة.
بكل تأكيد، يمكن أن يلعب أصدقاء المغرب في الخارج، دولا ومنظمات مدنية ولوبيات ضغط، دورا مهما وإسناده في قضيته، لكنه، من ناحية جوهرية، يحتاج إلى “أظافره كي يحك جلده”، وهذه الأظافر هي ما يبنيه من إطارات (كوادر وكفاءات) ذات مشروعية ومصداقية، وما يسمح به من رواج روح المقاربات المتعددة للمنظور الواحد، والتغلغل الذكي في الجغرافيات التي أصبحت حكرا على أعداء وحدة التراب.
لكن، في المجمل، لن تصل تلك الرسائل إلا عبر حوامل قوية وفعالة، وأول تلك الحوامل، إعلام قوي في الداخل يصل إلى الخارج، وبهامش اختلاف واسع، ومساحة تعبير تحتاجها المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة شمال إفريقيا، جملة وتفصيلا.
شاعر وصحافي مغربي/”العربي الجديد”