بات من الواضح أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ يعرف وأكثر من أي وقت مضى، نقاشا داخليا محتدما بين الدول الأعضاء حول العديد من القضايا التي أصبحت تشكل هاجسا لقادة دول الاتحاد، ومهددة في الآن نفسه منظومته المؤسساتية بعدم الاستمرارية على الأقل بالشكل الذي عرفت به منذ عقود.
ومن أهم هذه الإشكالات المستعصية التي تسببت في إحداث شرخ واضح في بنية الاتحاد وتباين في وجهات النظر، قضية اللاجئين والهجرة السرية والسياسة النقدية الموحدة وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا والبطالة والانكماش الاقتصادي لبعض دول الاتحاد، مما أدى إلى تصاعد مقلق لتيارات اليمين المتطرف في أكثر من قطر لاسيما في فرنسا ممثلة في الجبهة الوطنية أو PEGIDA في ألمانيا كحركة ضد ما تسميه” أسلمة أوروبا” أو حزب تحالف الديمقراطيين الشبان في هنغاريا “فيديس″ بزعامة فيكتور أوربان أو تصاعد تيارات شعبوية مقابلة لها إيديولوجيا ك “بوديموس″ في إسبانيا واحتمالية صعود زعيم حزب العمال المثير للجدل جيريمي كوربن في بريطانيا .
على ضوء هذه المتغيرات المتسارعة التي قد تعصف باتفاقية Schengen المتعلقة بحرية تنقل الأفراد داخل دول الفضاء الأوروبي البالغ عددها 26، كمقدمة لإعادة تقييم البناء المؤسساتي الأوربي برمته، أو إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق انسجاما مع الضغوطات البريطانية في هذا الاتجاه كشرط لبقائها داخل المنظومة الأوروبية المهددة بالتفكك وانفراط عقدها، سيكون من الطبيعي النظر إلى اتساع دائرة تلك الانعكاسات المحتملة لهذه المتغيرات لتشمل شركاء أوروبا الاستراتيجيين وعلى رأسهم تركيا شرقا والمغرب غربا، وهو ما بدأ يتبلور بالفعل سواء من خلال الانقسام الواضح في التعاطي مع تركيا بخصوص أزمة اللاجئين بين موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل و مواقف باقي الشركاء ،أوفي التعاطي مع المغرب الذي يحظى بوضع الشريك المتقدم و الذي انتقل الخلاف بشأنه ليشمل أروقة محكمة العدل الأوربية بخصوص المنتجات الغذائية القادمة من الأقاليم الجنوبية للمملكة بفعل نشاطات اللوبي الداعم للجبهة الانفصالية البوليساريو وهو ما يؤشر على إمكانية دخول العلاقات الأوروبية المغربية مرحلة جديدة قد يطبعها التوتر.
إقرأ أيضا: خبير سويسري: حكم”الأوروبية” يكشف المناورات المؤسفة للوبيات المؤيدة للانفصاليين
إن المملكة المغربية التي استطاعت انتزاع وضع الشريك المتقدم للاتحاد الأوروبي عن جدارة منذ سنة 2008، والتي ظلت وفية لكافة التزاماتها تجاه الاتحاد لا سيما في شقها المتعلق بمحاربة الهجرة السرية وتجارة المخدرات ومكافحة الإرهاب العابر للحدود، ستكون مُطالبة بالدفاع عن مصالحها الاستراتيجية وعدم المساومة عن وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية أمام الشركاء الأوروبيين و لاسيما أمام بعض النواب الذين تبنوا بشكل كامل الطرح الانفصالي على نحو ينم عن قصور في فهم حيثيات الملف وتعقيداته، وهو ما لم يأخذ بعين الاعتبار التطورات الإيجابية و المشاريع الملكية الاستراتيجية و المهيكلة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية في أفق إرساء دعائم ديمقراطية تشاركية تستوعب ساكنة الأقاليم الصحراوية و إدماجها في النسيج السوسيو-اقتصادي في ظل ما يعرف بالجهوية المتقدمة.
غير أن الوضع الحالي الذي أضحى يشوب العلاقات المغربية الأوربية حتى وإن بدا كتجسيد لسلسلة التحولات السياسية التي يشهدها المشهد الأوروبي أو بفعل تأثير لوبيات اقتصادية أو مساندة لتنظيم البوليساريو الذي من المفروض أن يعرف انحصارا بسبب إشكالية تمثيليته للصحراويينوعدم واقعية طروحاتهأو تقادمها ، لا يمكن أن يعفينا من التساؤل عن مدى فاعلية الآلة الدبلوماسية المغربية وقدرتها على التكيف مع سلسلة المتغيرات الحاصلة في أوربا وسلسلة التحديات التي قد تواجه القضية الوطنية على أكثر من صعيد، على الرغم من امتلاكها للكثير من أوراق الضغط كملف الهجرة السرية و تجارة المخدرات ووجود جالية مغربية كبيرة ومندمجة في المجال الأوربي و تفوق بكثير نظيرتها من البوليساريو من حيث العدد أو حتى من حيث الكفاءة وقدرتها على الاندماج، وينبغي أن تضطلع بدور أكثر فاعلية في الدفاع عن قضيتها الوطنية، وورقة مكافحة الإرهاب الذي بات يشكل مصدر تهديد حقيقي لأمن أوربا كما باقي دول العالم، و هي أوراق لابد من التلويح بها واستثمارها إيجابيا تجاه الشريك الأوروبي في أفق إجراء تقييم شامل للأداء الدبلوماسي المغربي بشقيه الموازي و الرسمي والقطع تماما مع سياسة الكرسي الفارغ.
إن العلاقات المغربية الأوربيةعلى الرغم من البعد التاريخي و الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها والتعقيد الذي يكتنفها بفعل عوامل القرب الجغرافي والحاجيات الاقتصادية والأمنية المتبادلة لكلا الطرفين، لابد من أن تدفعنا إلى المطالبةبضرورة التعامل في إطار الندية و الاحترام المتبادل بين المغرب و الشركاء الأوربيين وعدم قبول أي نوع من الإملاءات على حساب المصالح العليا للمملكة كقضية الوحدة الترابية والسيادة الوطنية، كما أن الأزمة الحالية التي وصلت إلى حد قطع الاتصالات بين الطرفين كخطوة أولية لثني قادة الاتحاد للعودة إلى جادة الصواب وعدم رمي المصالح المشتركة نحو المجهول، ينبغي أن تدفعنا أيضا إلى التفكير في عدم وضع كامل البيض الاقتصادي المغربي في السلةالأوربية،أي ضرورة تنويع البدائل الاقتصادية و الانفتاح على الأسواق الأسيوية الكبيرة، والأسواق الإفريقيةالواعدة التي حقق فيها المغرب اختراقات مهمة والسوق الروسية المتعطشة للمنتجات الغذائية المغربية بما فيها تلك القادمة من الأقاليم الجنوبية.
كاتب صحفي/”رأي اليوم”