ليبيا مقبلة على تدخل عسكري أوروبي أمريكي منظم يستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية الذي سلّمت الدول الغربية بأنه وجد له موطئ قدم هناك هروبا من العراق وسوريا.
العمل العسكري مسألة وقت فقط، والسؤال: متى سيحدث بشكل علني صريح، لا هل سيحدث؟
الكثير من المقدمات والعلامات باتت واضحة للعيان لتؤكد أن ليبيا تحوّلت إلى مسرح لحرب جديدة كتلك التي عاشتها أفغانستان في بداية العشرية الماضية.
من هذه العلامات نشر بوارج حربية فرنسية في السواحل الليبية وفي المياه الدولية قبالة ليبيا، وإرسال باريس قوات خاصة لمساعدة اللواء خليفة حفتر (قائد الجيش الليبي الذي لا وجود له). وكذلك سماح روما لقوات أمريكية خاصة باستعمال منشآت إيطالية قريبة من ليبيا في عمليات نوعية تنفذها طائرات من دون طيار. وأيضا كشف وسائل إعلام بريطانية عن إرسال لندن خبراء عسكريين إلى مصراتة لمساعدة قوات محلية على مقارعة تنظيم الدولة.
وما لا يحتمل أي جدل في هذه المرحلة من التمهيد للحرب، أن قوات غربية تنتشر هذه الأيام في ليبيا بالتنسيق، أو على الأقل بعلم، الجهتين: طبرق وطرابلس. تبقى بعض الشكليات ليأخذ الأمر طابعا رسميا علنيا مبرَّراً يرفع الحرج عمن شعر بالحرج من الأطراف الليبية والإقليمية، ومن الأطراف الأخرى التي ستقول: جئنا بطلب منهم، وبترتيب مع المجتمع الدولي.
وسط طبول الحرب هذه، تتمسك دول الجوار الليبي برفض التدخل الأجنبي لأنه، من وجهة نظرها، سيفاقم المشكلة بدلا من أن يحلها.
ما لا شك فيه أن تدخلا عسكريا غربيا، سيعقّد المعضلة الليبية أكثر، وفي أحسن الأحوال لن يحلها، لأن الأزمة في ليبيا سياسية ومفاتيحها في يد الليبيين لو أرادوا. لكن هل يملك رافضو الحرب، من الجزائر إلى مصر، مرورا بالأطراف الليبية، وسائل إسماع صوتهم وفرض موقفهم؟
في هذا المستوى من النقاش، لا يبدو أن أحداً من الأطراف الآنفة الذكر يمتلك حلا بديلا أو يستطيع فرض حل.
إقرأ أيضا: هل التدخل العسكري في ليبيا حتمية لا مفر منها؟
تونس ترفض عملا عسكريا غربيا في ليبيا لأنها تخشى أن يترتب عنه تدفق قوافل اللاجئين الليبيين على أراضيها، وهو سيناريو يرعبها بسبب تداعياته الأمنية والاقتصادية والإنسانية. كما تخشى تونس تسلل بعض مقاتلي التنظيم من الإرهابيين الدوليين إلى أراضيها ليعيثوا فيها فسادا، وهو سيناريو آخر يصيب تونس بالذعر.
الجزائر ترفض بدورها، مدفوعة بخوفها من هزات ارتدادية تصيبها، وبمنطق عقائدي سلبي أكل عليه الدهر وشرب. الجزائر ما تزال متمسكة بسياسة الحياد وعدم التدخل في شؤون الآخرين، مهما كانت الدوافع، على الرغم من أن هذه السياسة تصبح في بعض الحالات مشكلة.
مصر لا تحبذ عملا عسكريا في ليبيا لأنها، بعد أن خسرت أوراقها التقليدية في الوساطات والزعامات، تريد قيادة أي مبادرة تقود نحو بصيص أمل بحل في ليبيا كي تستعيد دورها الإقليمي الذي كانت تلعبه قبل 2011. وكذلك لأنها لا تضمن أن العمل العسكري، عندما يحدث، سيصب في مصلحتها في نهاية المطاف ويؤدي إلى ليبيا كما تريدها مصر.
وعلاوة على تفكير كل دولة من دول الجوار الليبي بشكل منفرد، هي لا تتحرك كمجموعة وتفتقد إلى تشاور ناجع من شأنه أن يقود إلى تصور مشترك تقترحه على الليبيين أو على الغرب المقبل على الحرب.
الأطراف الليبية المتقاتلة ترفض تدخلا عسكريا غربيا لأن ذلك سيدينها ويكشف عورتها وعجزها عن حماية شعبها وبلدها وثورتها، وسيحمِّلها مسؤولية تمدد تنظيم الدولة الإسلامية إلى الأراضي الليبية، مستفيداً من عجزها وفشلها واقتتالها الداخلي.
كما أن الأطراف الليبية – أو بالأحرى طرفا الأزمة الليبية – لا يملكان خياراً غير قول «لا» لعمل عسكري فوق الأراضي الليبية أو في أجوائها، وذلك حفاظا على سيادة وطنية هما أول من انتهك وداس ما تبقى منها.
كل طرف من أطراف الأزمة الليبية يتمنى أن يكون التحرك الغربي في صالحه. وما لم يكن كذلك، سيكون تدخلا «سافرا وغير مقبول». وهذه الحالة تدلل على الغياب الفادح للثقة بين الأشقاء الأعداء الذين لم تبق بينهم غير لغة السلاح.
والحال هذه سيكون من حق الدول الأوروبية والولايات المتحدة عدم الوثوق في مواقف دول الجوار الليبي والأطراف الليبية. لكن المشكلة أن لا أحد يستطيع أن يتكهن بيقين بعواقب عدم التحرك دوليا للحد من تمدد تنظيم الدولة داخل الأراضي الليبية. ولا أحد، في الغرب أو من حول ليبيا، يستطيع أن يجزم بأن عدم التحرك عسكريا في هذه المرحلة أفضل من أي تحرك، أو العكس.
أفغانستان بعيدة وسوريا لها محاذيرها، أما ليبيا فهي التي ستُري أوروبا، ومن ورائها أمريكا، أسوأ السيناريوهات. لهذا تبدو ليبيا فخًّا للجميع.. دعاة الحرب ورُسُل «اللاحرب».
تجارب الحرب السابقة والحالية (أفغانستان ولاحقا في سوريا والعراق) لن تفيد الكثير، على الرغم من أن فيها دروسا مفيدة وعبرًا للفئتين.
كاتب صحافي جزائري/”القدس العربي”