يراوح ملف الصحراء مكانه. ومن المستبعد أن يعرف أي تطور ملموس، قبل التئام مجلس الأمن الدولي في اجتماعه السنوي، وعلى أجندته تمديد ولاية بعثة «المينورسو» التي تنقضي نهاية نيسان (أبريل) القادم.
في حال اختار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون زيارة المنطقة قبل هذا الاستحقاق، فقد يدفع في اتجاه تقريب وجهات النظر المتباعدة على طول الخط، باستئناف الاتفاق المبدئي على معاودة استئناف المفاوضات العالقة، وإن كان لا يرتقي إلى درجة الالتزام الكامل بالمضي قدماً على طريق التسوية المصنفة ضمن مفهوم «الحل السياسي». أما إذا أرجأ ذلك إلى ما بعد صدور قرار جديد لمجلس الأمن، في ضوء دعم فكرة تجديد ولاية البعثة الدولية، فالأمر يندرج في سياق ممارسة أقل ما يمكن من الضغط على الأطراف المعنية للإذعان إلى خيار التسوية السلمية.
بين الحالتين، لا يوجد على أرض الواقع ما يفيد بإمكان إحراز أي تقدم. ويواجه الموفد الدولي كريستوفر روس صعوبات حقيقية في حمل الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات ما لم ينتزع دعماً إقليمياً يسهل مهمته، ويزيل العقبات الناشئة جراء تصعيد المواقف. على أن درجات التوتر لا تنفلت عن السيطرة. ولا يزال وقف النار ساري المفعول منذ أكثر من عقدين، بل لعله الإنجاز الوحيد الذي حققته الأمم المتحدة للحؤول دون العودة إلى الحرب.
أي مفاوضات ليست هدفاً. ومصدر الأزمة في طبعتها الصحراوية أن صيغة الأطراف المعنية فضفاضة لا تقيدها مرجعية قانونية وسياسية ثابتة. ومنذ اخترع الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر صيغة هذه الأطراف على قياس شتات المتحدرين من أصول صحراوية بين المغرب والجزائر وموريتانيا، تحكمت جغرافيا الإقامة في التوصيفات السياسية. وباستثناء الحضور الرسمي لوفدي الجزائر وموريتانيا لدى انطلاق جولات المفاوضات السابقة، ظل البعد الثنائي بين المغرب و «بوليساريو» من دون مخارج.
إقرأ أيضا: تضييق الخناق على مسؤولين في البوليساريو وجمعيات إسبانية في قضية نهب المساعدات الإنسانية
عنصران جديدان أضيفا إلى ركام الخلافات، أولهما يطاول دعوة الرباط لتسهيل مهمة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للقيام بإحصاء دقيق للسكان المقيمين في مخيمات تيندوف جنوب غربي الجزائر، كونه أصبح ملزماً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وثانيهما ربط مسار المفاوضات بمشاركة كل من الجزائر ونواكشوط. ما يفسر حرص السلطات المغربية على تبديد المخاوف إزاء تعرض علاقاتها مع نواكشوط لأي تقلبات أو اضطرابات أجواء.
تعود فكرة الأطراف المعنية بأزمة الصحراء إلى المراحل الأولى لاندلاعها. فهي اختراع إسباني بامتياز، كان الغرض منه تعويم المشكل، كي لا يظل محصوراً في المواجهة الدبلوماسية بين مدريد والرباط في ساحة المحافل الدولية. وفيما تمكنت الأطراف من القفز على مطبات ذلك الالتواء الذي كان يراد لأهداف محددة، اتسع نزاع الصحراء في رقعة إقليمية أكبر شملت المغرب والجزائر وموريتانيا، إضافة إلى جبهة «بوليساريو».
في مذكراته، أقر الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بيريز ديكويار، الذي يُعتبر واضعَ خطة التسوية السلمية، بأن استقلال إقليم الصحراء «ليس واقعياً» وكان يعول في ذلك على نتائج آخر إحصاء أجرته الإدارة الإسبانية قبل انسحابها من الإقليم عام 1975. وقد تلقف الموفد الدولي بيتر فان فالسوم الفكرة ذاتها، لكنه اضطر إلى الاستقالة من مهامه، كما فعل سلفه جيمس بيكر. بينما لا يبدو أن كريستوفر روس يرغب في الاستسلام لواقع أن نزاع الصحراء أكبر من الاحتواء، فهو في الخلاصة خامد لا يظهر منه إلا الجزء المتمثل في الحروب الدبلوماسية والقانونية، لكنه قابل لأن يتحول إلى بركان يعصف باستقرار المنطقة برمتها.
بهذا المعنى قد تصلح فكرة الأطراف المعنية، في حال استحالت إلى حاجز حقيقي، يقود نحو استمرار السيطرة على الأوضاع، والبحث عن مخارج لائقة لتجاوز التوتر الراهن. فهل تتحمل الأطراف جميعاً مسؤولياتها بهذه الدرجة من الالتزام الجماعي، وإن اختلفت نبرات تحمل المسؤولية ومستوياته؟
كاتب صحفي/”الحياة”