ليبيا: ما بعد الوصول إلى الحل

الحل الذي وصلت إليه الأطراف المتنازعة في ليبيا، تحت إشراف الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وباركته القوى الدولية التي اجتمعت أخيرا في روما، هو الخطوة الأولى في طريق طويل لتفكيك الأزمة الليبية وإنهاء الاحتراب وملء الفراغ المهول، الذي كانت تسبح فيه عصابات الإجرام والتهريب وبيع البشر، واستغلته دولة التوحش الديني، داعش، لتؤسس لها مركزا قياديا في عاصمة المنطقة الوسطى سرت.
هذا الاتفاق، لا يعدو أن يكون نقطة البداية، لصيرورة طويلة تحتاج لجهد وعمل على كافة المستويات الأهلية الليبية، والإقليمية العربية، والدولية المتمثلة في كل القوى التي اجتمعت في روما، وضمت أطرافا كثيرة، من بينها الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، زد على ذلك المنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأفريقي والمؤتمر الإسلامي وكلها قالت كلاما بليغا في المساعدة وتقديم العون للحكومة الجديدة، وتوفير الإمكانيات التي تتيح لها النجاح في مهمتها، وإحلال الأمن والسلام والاستقرار السياسي والاقتصادي لبلادها.
وهو كلام يحتاج إلى أن يترجم إلى فعل، وإلى خطوات عملية محددة تتضافر فيها الجهود، على مستويات وطنية محلية، ودولية أممية وإقليمية عربية وإسلامية.
هذه الحكومة سيكون مقرها في طرابلس العاصمة، ولا يجب أن يكون لها مقر في هذه المرحلة سواه، وتأمينه تأمينا جيدا، لكي تستطيع أن تعمل دون أن تواجه نفس التهديدات التي عطلت حكومات قبلها، وأخرجتها من العاصمة، بعد أن هوجمت مقرات الوزارات وخُطف الوزراء، وأُحرقت مؤسسات البلد، وهذا يحتاج إلى جهد محلي يقتضي من أهل الحراك السياسي جميعا التحلي بالوطنية، وتقديم الدعم إلى الحكومة، دون شوشرة ولا خلق أزمات ولا استغلال نفوذ ولا ممارسة ضغوط، ويقتضي بالضرورة تلجيم الميليشيات وحد نشاطها وتعطيل قدرتها على التحرك ضد الشرعية والقانون، وهنا تأتي الخطوات الأمنية والعسكرية والسياسية التي لا تكفي فيها الجهود المحلية، وإنما يجب أن نرى إجراء دوليا حاسما، قد يقتضي عقوبات رادعة ضد المعرقلين للحل السياسي، ووضع أسمائهم في لوائح تمنعهم من الحركة، وربما إحالة أسماء بعضهم إلى محكمة الجنائيات للنظر في إصدار أوامر للقبض عليهم.
وربما يصل الأمر إلى ضرورة الاستعانة بفرقة أممية من قوات حفظ السلام لحماية الحكومة، تعمل تحت راية الأمم المتحدة، وهذه خطوة أولى لابد منها لتأمين مقر الحكومة لكي تستطيع أن تعمل على إنجاز الملفات الكثيرة التي تقتضي عملا سريعا، وتحتاج هي الأخرى تعاونا دوليا، فلا سبيل إلى وقف الانهيارات الأمنية دون جهد لتنظيف البلاد من عشرين مليون قطعة سلاح موجودة خارج سيطرة الحكومة، ولا سبيل إلى إعادة إنتاج النفط والعودة به إلى معدلاته القديمة، وربما العمل على إنتاجه بوتيرة أسرع لمواجهة الانهيارات التي عانى منها الاقتصاد، دون مساعدات تقنية دولية تصل إلى البلاد تقوم بإصلاح ما فسد وتعطل، وتسعى إلى تأمين هذه الشركات، ربما عبر التعاقد مع شركات حراسة دولية، تحظى هي الأخرى بحماية دولية.

إقرأ أيضا: ليبيا بين طبول الحرب ودعوات السلام

وهناك حاجة، قبل أن يأتي مردود النفط، إلى معونات اقتصادية مثل تسييل ما تبقى من أموال مجمدة، وربما الاستعانة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في قروض تقدم الإسعاف السريع للاقتصاد الليبي، وتعين الحكومة على البدء في حل ملفات مثل إعادة الإعمار، وإرجاع النازحين، وتفعيل القضاء والشرطة، وإعادة تنظيم القوات المسلحة وتأهيلها للقيام بدورها، قبل الحديث عن معضلات كبرى هي التي حركت العالم لنجدة ليبيا، مثل الإرهاب الداعشي الذي يحتاج إلى خطوات كثيرة تبدأ برفع حظر السلاح عن الجيش ولا تنتهي به، وإنما هي مهمة أكبر من الجهد العسكري المحلي، خاصة بالنسبة لدولة تعيد تجميع أطرافها الممزقة، فلا بد من وضع الإرهاب الداعشي في ليبيا على خريطة الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب وإدخاله في التحالف الدولي الذي يحاربه.
نعرف أن في ليبيا إرهابا آخر غير إرهاب داعش، وعصابات كثيرة انتهكت الحدود، واستغلت البلاد في تجارة السلاح، وأخرى تتاجر بالبشر وتتولى تنظيم الهجرة غير الشرعية، وكلها ملفات لا سبيل إلى تركها للحكومة الليبية، إلا أن علاجها لا يكون بغير مثل هذه الحكومة، وهي ملفات تجر خلفها حزمة من القضايا الأمنية والقانونية والعسكرية، مثل تأمين الحدود وتجفيف موارد هذه العصابات التي صارت لها شبكات في الخارج ودول ترعاها.
العد العكسي لإنهاء أزمات ليبيا قد بدأ، بما في ذلك العد العكسي للانهيار الأمني والانهيار الاقتصادي والاحتراب الأهلي، وكوارث كثيرة يعاني منها الشعب الليبي وصلت إلى حد خطف الأطفال وجعلهم رهائن لدى العصابات، وتعطيل الدراسة في المدارس الابتدائية والمتوسطة والتعليم الجامعي نفسه كما حدث في بنغازي، وهاهي الأمم المتحدة نفسها تشير إلى السجل المعيشي، والعوز الذي طال كما تقول تقاريرها مليونين وأربعمئة ألف مواطن ليبي لا يجدون لقمة عيشهم، ويحتاجون إلى إحسان من العالم، في دولة تعوم على بحيرة من النفط والغاز، واحتياطي منهما يجعلها ضمن خمس أو ست دول الأكثر موارد في العالم كله.
أليس ذلك هو العار الذي لا يعادله عار آخر، فهل يبقى هناك من يكابر ويدعي أنه لا يريد هذا الحل. اعتقد أن أصحاب مثل هذه الأصوات لم يعد لهم أي مكان على خارطة العمل السياسي في ليبيا، وآن لهم ومثلهم من أهل البلطجة السياسية والمتاجرة بأزمة البلد أن يتواروا من المشهد قبل أن يخرج الناس لتلقينهم الدرس الذي يحتاجونه.

*كاتب ليبي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *