تزداد خارطة الإرهاب في تونس وضوحا يوما بعد يوم. فالأجهزة التونسية تتعامل مع تنظيمين إرهابيين هما كتيبة عقبة بن نافع في سلسلة جبال الشعانبي في إقليم الشمال الغربي الذي يصل إلى الحدود الجزائرية، وجيوب داعش المزروعة داخل المدن.
كتيبة عقبة بن نافع هي سليلة تيار أنصار الشريعة المحظور الذي أسسه الإرهابي أبوعياض في زمن الترويكا، تستوطن هذه الكتيبة جبل الشعانبي وجبال ورغة وسمامة ومغيلة المحيطة به. وما انفكت تنوع من أهدافها لتنفيذ مخططها الإجرامي ولتحصين مواقعها. فلقد استهدفت عسكريين وأمنيين عن طريق نصب الكمائن وزرع الألغام وأصابتنا بخسائر موجعة. كما أعدّت هجومات على سياسيين مثل الاعتداء على منزل عائلة وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو في مايو 2014 بالقصرين.
ولكن الكتيبة تلقت ضربات عسكرية قاصمة كبّدتها خسائر في أهم قياداتها مثل العملية التي وقعت في مارس الماضي والتي وقع خلالها القضاء على من يرجّح أن يكون قائد الكتيبة لقمان أبوصخر. ونتيجة لتلك الضربات غيرت من أهدافها فصارت تستهدف المدنيين من سكان المناطق الجبلية.
ولقد صار الرعاة في جبل الشعانبي والجبال المحيطة به من أبرز أهداف كتيبة عقبة بن نافع، إذ يبدو أن التقييم العسكري للكتيبة تفطن إلى أن النجاح العسكري في ضربها ناتج عن رشح معلومات قلبت الموازين العملياتية، إذ بعد أن كانت الكتيبة ترى دون أن يراها أحد صارت هي أيضا مكشوفة مما سهل استهدافها. من هنا خلصت إلى أن الرعاة المتواجدين في الجبال وقع تجنيدهم عيونا للقوات العسكرية والأمنية.
وفي مسألة استهداف رعاة الجبال يمكن أن نسجل ملاحظتين. الأولى متعلقة بتكتيك جديد لكتيبة عقبة بن نافع تبدو فيه رافضة لأن يجاورها أي كان في سلسلة جبال الشعانبي من أجل حماية ظهرها من الاستهداف العسكري. وبهذا تكون لاستهداف الرعاة غايتان الأولى معاقبتهم على ما سمّته الكتيبة في فيديو مسجل بثّ مؤخّرا خيانة ووشاية بتحرّكات الكتيبة، والثانية ترهيبهم وإخافتهم حتى لا يتجرأوا على الرعي في الجبال مجدّدا. والملاحظة الثانية تتعلق بالجهات التي جنّدت الرعاة فما هي الضمانات التي قدّمت لهم لحمايتهم؟ وما هي طبيعة الاتفاق الذي وقع معهم؟ وهل كانت السلطات السياسية على علم به؟
اقرأ المزيد: مقتل جندي وثلاثة جهاديين في مواجهات مسلحة في تونس
أمّا في المدن، فإنّ السلطات الأمنيّة ما إن تنتهي من تفكيك خلية إرهابية حتى تكتشف خلايا جديدة. وهذا يعني أنّ عمليات التجنيد الإرهابية عبر الإنترنت ما زالت فعّالة ولم تجد بعد السلطات التونسية حلولا للقضاء عليها أو حتى للحد منها. ومع ذلك، نجحت الضربات الأمنية الاستباقية في تفكيك إحدى أخطر الخلايا الإرهابية المتمركزة في جهة البرجين بمحافظة سوسة الساحلية التي شهدت في يونيو الماضي عملية نزل أمبريال التي ذهب ضحيتها 27 سائحا أجنبيا وعرفت الشهر الماضي محاولة اغتيال نائب نداء تونس ورجل الأعمال رضا شرف الدين.
كشفت اعترافات الإرهابيين الموقوفين أن رسم المخططات الإرهابية وتحريك العناصر يتمّ من مدينة سبراطة الليبية حيث تتواجد قيادات داعشية إرهابية تونسية وأجنبية.
واضح أن الإرهاب يريد أن يطبق على تونس من الشرق عبر جيوب داعش، ومن الغرب عبر كتيبة عقبة. وواضح أيضا أن أجهزة الاستعلامات التونسية لا تعرف مدى التنسيق بين التنظيميْن الإرهابيين اللذين ينشطان على أراضيها، ونعني جيوب داعش في المدن وكتيبة عقبة بن نافع في الجبال. ويمكن تحليل بعض العمليات في توقيتها من حيث التزامن أو التعاقب، وفي جغرافيتها في مدينة أو في منطقة جبلية، وفي طبيعتها من حيث الهدف إن كان مؤسسة اقتصادية أو سياحية أو رجل أعمال أو راعي أغنام.
فبين هذه العمليات تكمن خيوط ترابط يغلب عليها جانب الدعم اللوجستي بتوجيه الأنظار وتخفيف الضغط الأمني أو التغطية الإعلامية عبر التمويه ونشر المغالطات باستغلال فضاءات التواصل الاجتماعي. أما التنسيق العسكري العملياتي فهو ما لم يثبت إلى حد الآن. وفي ذلك تقصير من أجهزة المخابرات والاستعلامات ومن الخبراء العاملين في المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الذي يتبع رئاسة الجمهورية.
علينا أن نذكّر بتدفّق الإرهابيين العائدين إلى تونس من مناطق الحروب دون مساءلة ولا مراقبة. وقد أثبتت الاعتقالات الأخيرة أن أغلب القيادات الميدانية للعمليات التي كان مزمعا تنفيذها هم من العائدين من سوريا والعراق وليبيا. ولنا أن نتساءل عن توافق الحزبين الأغلبيين في تونس النداء والنهضة حول قانون التوبة عن المقاتلين في الخارج المزمع تقديمه في مجلس النواب؛ لماذا هذا القانون وهؤلاء العائدون يواصلون في تونس ما بدأوه في الخارج؟
كاتب وباحث سياسي تونسي/”العرب”