فى الأسبوع الماضى عقدت المنظمة العربية لمكافحة الفساد ندوتها السنوية تحت عنوان «دور الفساد فى إعاقة التغيير والتطور فى العالم العربى». ورغم تعدد محاور الندوة وأوراقها فإن السؤال الذى فرض نفسه على الجميع وتقاطع مع كل الجلسات كان هو التالى: لماذا لم تشهد بلدان الربيع العربى تحسنا فى مكافحة الفساد السياسى رغم أن هذا الفساد كان محركا أساسيا للاحتجاجات الشعبية التى تطور بعضها إلى ثورات؟
فى التدليل على استمرار ظاهرة الفساد السياسى ــ وأحيانا تفشيه ــ فى بلدان الربيع نوقشت بعض المؤشرات، منها ما يرتبط بتونس التى يراد تسويقها حاليا باعتبارها النموذج الأفضل للتطور الديمقراطى على مستوى الوطن العربى.
من تلك المؤشرات ما يتعلق بظاهرة الإفلات من العقاب، لا بل وتولى بعض المتورطين فى هدر المال العام ممن شملتهم قرارات العفو – توليهم مهام تتعلق بالتنشئة الاجتماعية والتربوية فى المدارس والجامعات. وبينها ما يتعلق بتوظيف أهل الثقه دون أهل الخبرة، كذلك غياب الشفافية فى التعامل مع المساعدات الخارجية لتونس
وما أطلق عليه « لسياحة الحزبية» بمعنى تغيير الصفة الحزبية لأعضاء المجلس الوطنى التأسيسى خضوعا لضغوط متعددة، والتلكؤ فى إتمام خارطة الطريق للحفاظ على المزايا المتحققة فى إطار النظام القائم
وأخيرا التراخى فى تعقب الأموال التونسية المهربة إلى الخارج. لكن تونس ليست وحدها فى هذا المجال فثمة تنويعات على المظاهر نفسها بأشكال مختلفة فى ليبيا ومصر واليمن، مع كون تعدد الجماعات المسلحة فى ليبيا يعد المصدر الأساسى لأشكال الفساد السياسى على ما سوف يتبين، فضلا عن احتمالات إعادة إنتاج عدم العدالة التوزيعية بإصرار الأقاليم الغنية على ما يسمى بسياسة توطين الثروة. أما فى اليمن فيرتبط قسم مهم من المخالفات بأجهزة رسمية ويتعرض من يفصحون عن وقائع الفساد إلى التهديد والترويع كما حدث مع أعضاء الفرع المحلى لمنظمة الشفافية الدولية.
يذكر أن اليمن احتل المركز رقم (11) بين أكثر دول العالم فسادا فى عام 2013، ويعد هذا المركز هو الأدنى بالنسبة لليمن وفق منظمة الشفافية العالمية. وفى مصر لم ينعكس استحداث وزارة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية على أرض الواقع، ومازالت رموز النظام السابق تتمتع بحضور قوى على المستويين الإعلامى والسياسى، وقبل أيام قليلة جاء القرار الرئاسى بتحصين عقود الاستثمار من الطعن عليها إلا من طرفيها المباشرين ليغلق بابا رئيسيا من أبواب الرقابة الشعبية على أعمال الحكومة.
•••
لماذا فشلت بلدان الربيع العربى فى وقف ظاهرة الفساد السياسى؟ السبب الأول يتمثل فى غياب الإرادة السياسية، وذلك أن مكافحة الفساد لا ترتبط بمؤسسة تنشأ هنا أو هناك لتولى هذه المهمة. وسوف يتبين للذين يقارنون بين نص دستور تونس الجديد على قيام هيئة للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وبين اختفاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد فى دستور مصر الحالى أن هذه المقارنة قد لا تنتج فارقا جوهريا بين الحالتين بالضرورة، أولا لأن دسترة الهيئة فى تونس لا تضمن مباشرة عملها بفعالية فكم من نصوص دستورية معطلة، وثانيا لأن مفوضية مصر كان يعين رئيس الجمهورية رئيسها بعد موافقة مجلس الشورى دون تحديد نسبة الموافقة، وفى حال كون أغلبية الشورى (قبل إلغائه) من التيار الذى ينتمى إليه الرئيس نفسه فإن هذا يجعل الموافقة بمثابة تحصيل حاصل. من هنا تظل العبرة بأن تتخذ السلطة قرارا شجاعا وحقيقيا بمواجهة المفسدين.
السبب الثانى يتعلق بغياب حكم القانون وهو ليس مرتبطا بشكل ميكانيكى بغياب الديمقراطية، فقد تُوجد كل مؤشرات الديمقراطية من انتخابات وأحزاب وتعدد فى وسائل الإعلام لكن لا يسود القانون ولا يحكم، وكمثال قد تتسم كل إجراءات التقاضى بسلامتها من الناحية الشكلية لكن طول أمدها يعطل إنفاذ العدالة ويؤجل الحقوق. وفى الظرف الانتخابى الذى تمر به دول عربية كثيرة منها مصر فإن القانون الانتخابى قد يحقق المساواة فى تقسيم الدوائر لكن هذا التقسيم نفسه لا يلبى متطلبات العدالة، وغير ذلك كثير.
السبب الثالث يتصل بانتشار ظاهرة النزاعات المسلحة وهو انتشار يسمح بازدهار الفساد السياسى من خلال تجارة السلاح وتكاثر شركات الأمن الخاص والرشى التى ترتبط بعملية تيسير الهجرة من مناطق النزاع أو الإفراج عن المخطوفين فضلا عن تضاؤل فرص المحاكمة العادلة. ومصداقا لذلك ذكر د. داوود خير الله أستاذ القانون الدولى بجامعة جورج تاون فى ورقته المقدمه للندوة أن هناك علاقة ارتباطية بين الاقتتال الاهلى وبين زيادة معدلات الفساد، وضرب على ذلك أمثلة عالمية وأخرى عربية.
•••
إن التصدى للفساد السياسى مازال بعيدا عن أن يكون على رأس أولويات بلدان الربيع العربى، وفيما تنشغل هذه البلدان بقضايا تحقيق الأمن الداخلى والتنمية الاقتصادية. فإنها تتغافل عن حقيقة مفادها أن التقدم فى هذين الملفين مرتبط ارتباطا وثيقا بخوض معركة مكافحة الفساد.
“الشروق” المصرية
اقرأ أيضا
بعد غياب.. مهدي مزين يعود بـ”مابقيتيش شيري” من أول ألبوم له
يستعد الفنان المغربي مهدي مزين، لطرح أول أغنية من ألبومه الغنائي الجديد، والذي يحمل اسم "ماراطون"، وذلك بعد فترة من الانتظار والتأجيل.
هند سداسي تفرج عن جديدها “Monotone”
أفرجت الفنانة المغربية هتد سداسي، مساء أمس السبت، عن أغنيتها الجديدة "Monotone"، وذلك عبر قناتها الرسمية بموقع رفع الفيديوهات "يوتيوب".
مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.