لم تكن، ترينيداد خيمنث، وزيرة خارجية اسبانيا، في حكومة لويس خوصي ثباطيرو،تجد الوقت الكافي دائما، في عز نشاطها السياسي والحزبي؛للاهتمام بمظهرها والوقوف طويلا امام المرآة لتتزين كما تفعل النساء اللائي يتصدرن الواجهات وتسلط عليهن الاضواء.
لعل الوزيرة السابقة، ادركت أن ملامحها الاندلسية الجميلة الجذابة، والابتسامة العذبة التي لا تفارق محياها، كافية لتجعلها خاطفةللانظار، مثيرة للاعجاب،محبوبة، سواء في صفوف الحزب الاشتراكي العمالي،أو في المجتمع السياسي الاسباني .
تلك القادمة من مدينة “مالقة”حيث رأت النور، يوم الرابع من يونيو1963رفقة والدها القاضي الذي نقل الى العاصمة مدريد، مركز الحراك السياسي والاجتماعي السري، في عهد الديكتاتور الجنرال فرانكو، ثم العلني،بعد رحيله،منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لتنخرط الطالبة”تريني “بكلية الحقوق في جامعة مدريد المستقلة ،في منظمة الشبيبة الاشتراكية،مدرسة تكوين الاطر الحزبية ،حيث تصهر قدرات المنتسبين وهم في ربيع العمر،لإثبات أهليتهم وجدارتهم، استعدادا لتسلم المسؤوليات المقبلة،حينما يتطلب الظرف السياسي تجديد هياكل الحزب ؛ فالاشتراكيون الاسبان، تعودوا إجمالا،على تغليب مصلحة الحزب قبل الاشخاص، مهما علا مقامهم النضالي وسمت درجتهم في الوفاء للعقيدة الاشتراكية .
فإن فشل زعماؤهم ،في ربح الانتخابات التشريعية،فانهم يسارعون بمجرد ظهور النتيجة،الى اعلان انسحابهم الطوعي من الحياة السياسية،يفسحون المجال بسلاسة وهدوء،لفريق بديل يقود الحزب في المعركة القادمة.
لا يبحث المتنحون، عن مبرر لبقائهم، او مشجب يعلقون عليه أخطاء فشلهم ،من قبيل اتهام جهة بالتدخل في الانتخابات وتزوير نتائجها. نغمة المؤامرة تلك ،ترفضها اعراف الديموقراطية الاسبانية .
من بوابة ثقافة التداول على قيادة الحزب، خاضت، ترينيداد خيمنيث ،معركة اثبات الذات باختيارهاالسير مع تيار”الطريق الجديد”الذي ساند ترشيح خوصي ،لويس ثباطيرو،لمسؤولية الامانة العامة التي فاز بها في مؤتمر،يوليو عام 2000 ،بفارق بسيط عن منافسه،خوصي بونو، وزيرالدفاع ثم رئيس البرلمان في ظل ولايتي ثباطيرو، والذي لم يجادل من جهته، لا تصريحا ولا تلميحا، في احقية الفائز،لذا تمنى على الصحافة ان تكف عن تسميته بالمرشح للامانة العامة ،لان تلك الصفة تلاشت بمجرد الاعلان عن فوز المنافس.
اختار،ثباطيرو،المنتخب،الرفيقة ،تريني، التي فتحت باب بيتها في مدريد،للمجموعة التي سهرت على اعداد برنامجه الانتخابي، فكان من الطبيعي ان يختارها ضمن فريقه، بعد فوزه، مكلفة بملف العلاقات الدولية، ما جعلها ملاصقة له،ترافقه في اهم التنقلات، داخليا وخارجيا.
كانت ،تريني،الى جانب الزعيم الجديد،تبدو وكأنها السكرتيرة الشخصية والمستشارة المسموعة والمشرفة على اجندته،طوال سنوات الاعداد للعودة الى قصر”لا منكلوا”حيث مكث الاشتراكيون، قرابة ثماني سنوات،ثم غادروه، شبه مطرودين،عقابا لهم من الناخبين الاسبان،جراء سوء تدبير الازمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد.
لم تسند الى، خيمينيث، حقيبة وزارية ضمن الحكومة الاولى.ظلت وفية للامين العام، رئيس الوزراء تؤدي المهام التي ينتدبها اليها، بأمانة واخلاص .لم تعارض اقتراحه ان تخوض غمار انتخابات عمدية العاصمة مدريد. ورغم ان قائمتها اخفقت، فإنها حازت افضل نتيجة منذ النصر العظيم الذي حققه القيادي الاشتراكي التاريخي “تييرنو غالفان”في عقد الثمانينيات من القرن الماضي .
هذه السيدة،قررت اخيرا الانسحاب من المشهد الحزبي، تاركة المجال والفرصة لجيل اخر من المناضلين، ينتظرون دورهم .قررت ان لا تجدد ترشحها للاحتفاظ بمقعدها في البرلمان، كي لا يشوش حضورها على المجموعة القيادية التي يتزعمها، بيدرو سانشيث، الذي انتخبته القاعدة الحزبية،وفق قواعد التباري الديموقراطي ،أمينا عاما،صيف العام الماضي ،فكان قدومه نفاجئا شبيها بذلك الذي حمل “ثباطيرو”.
على اثر ذلك سارع المساعدون الاقربون لخليفة، ثباطيرو،عقب تنحيه، اي، بيدرو روبالكابا، الى التخلي عن مقاعد المسؤولية في قمة هرم الحزب ،مقتدين بالخليفة نفسه الذي اعتزل السياسة بعد فشله في الانتخابات التشريعية، امام ماريانو راخوي .
الفريدو روبالكابا، عادالى كرسيه الجامعي،استاذا لمادة الكيمياء التي كان يدرسها من قبل،نائيا بنفسه عن الفضاء المحيط بالزعيم الجديد ،لكنه سيرا على عادة من سبقوه، لم يتنكر لمبادئ الحزب.
وليست السيدة”تريني “متقدمة في العمر(53 سنة) ليحق لها نشدان الراحة من تعب المسؤليات السياسية؛بقدر ما هو الايمان بقيم واخلاق التداول على السلطة التي تفرض على المناضل الحزبي الحق، قبول الموقع الذي تضعه فيه مصلحة التنظيم،بدل التناور والتزلف لكي يظل خالدا حيث هو.
المقارقة في هذا الصدد ان أسماء قيادية في الحزب الشعبي، اليميني، نائبة رئيس مجلس النواب استغربت تقاعد “خيمينيث”المبكر، وهي التي مازالت محتفظة بطاقتها ،متسائلة هل سيتخلى الحزب الاشتراكي عن ابنائه ؟
للمزيد:اسبانيا في مجلس الأمن.. الدبلوماسية النشطة
تتوارى، خيمينيث، عن انظار الناس،محتفظة بشعبيتها ،رغم انها حرمت المدخنين الاسبان من مزاولة “بليتهم “في الاماكن العمومية، عندما شغلت منصب وزيرة الصحة، لفترة وجيزة، قبل ان تتولى مقاليد الدبلوماسية الاسبانية .
والحقيقة، ان ثقافة التداول على المسؤلية، متقاسمة بين اليمين الليبرالي واليسار المعتدل في اسبانيا، ممثلين خاصة في الحزبين الكبيرين الشعبي والاشتراكي .
فالزعيم الاشتراكي ،ذو الكاريزما، فيلبيي غونثالث ،ترك قيادة الحزب ،بعد ثلاث ولايات تشريعية ناجحة،كان بامكانه ان يضيف الرابعة نتيجة حصول حزبه على الاغلبية النسبية التي اباحت له اذذاك امكانية الاستمرار على رأس السلطة التنفيذية، بالتحالف مع الاحزاب الاقليمية .
رفض “غونثالث”فكرة حكومة غير مستقرة، بدون اغلبية مريحة،فترك كرسي السلطة لغريمه، خوصي ماريا اثنار،الذي اكتفى هو الاخر بولاية واحدة،تاركا المقود لنائبه، ماريانو راخوي،مع انه ذهب وهو دون الستين من العمر،شاعرا انه لن يعود الى قصر “لا منكلوا”.
هذه التقاليد الحزبية ،تساهم في تماسك التنظيم الحزبي، واعتماد البرامج والاسايب المشروعة في التنافس الشفاف على المسؤلية،بدل اللجوء الى الدسائس والمؤمرات الصغيرة والتورط في تحالفات وصفقات سياسية ضد الطبيعة .
هل توجد أسباب”ما وراء سياسية”أرغمت “غادة “الاندلس على مغادرة”العش”الحزبي الذي تربت فيه ؟
الجواب افصحت عنه بشكل جزئي، التعليقات الصحافية الكثيرة التي اشادت بقدرات السنيورة “تريني”وبمسارها الحزبي، ملمحة في ذات الوقت الى اسباب شخصية ؛ فقد تزوجت ،تريني، للمرة الثانية عام 2013 من مصور، تعرفت عليه خلال بعض سفرياتها الرسمية الى الخارج والتي وثقها بكاميرا عاشقة لحرفته، ولمن سيعقد عليها فيما بعد .
“تريني”استعادت مع شريك حياتها الجديد،المولع بامتطاء الدراجات البخارية، الحب المفقود او غير الكافي الشافي، في فترة الشباب لما ارتبطت بدبلوماسي،عينته وزارة الخارجية ،في افريقيا، وهناك تعمق وعي ،تريني، بضرورة خدمة القضايا العادلة .
لم تكن ،تريني ،سعيدة في زواجها الاول، لذلك اختارت العيش وحيدة بعد طلاقها، مدة سنوات ،خشية ان تفشل التجربة.
ويبدو انها نسيت الان ، مرارة التجربة الاولى ولا تجد حرجا ان تنشر صحافة القلوب صورا لها ممتطية الدراجة التي يقودها بعلها الجديد، بطيش الشباب وحكمة السنين ، ما دامت تتمتع بحلاوة العيش في احضان معشوقها.
كثيرون ،يستبعدون ان يكون انسحاب ،تريني ،نهائيا من المشهد . لعلها استراحة قلب من ضوضاء السياسة والتجاذبات المحتدمة في الحزب الاشتراكي العمالي . ادركت ان مدة صلاحية ،ثباطيرو، الذي راهنت عليه،انتهت وبالتالي فلا يمكن ان تفضل غيره عليه .
ماذا ستفعل غادة الاندلس التي اظهرتها بعض الصور الاخيرة اكبر من سنها . اصدقاؤها يؤمنون بطاقتها المتجددة ، وهي تحمل في حقيبتها اجندة مزدحمة بالعناوين والهواتف في اسبانيا والخارج .
هل تحرك الهاتف ذات يوم ،لتعرض خدماتها ؟ ممكن.الان تعيش ،تربني، فترة “القلب يعشق كل جميل”!!