بالرغم من المطالب المتكررة للحكومة الليبية المعترف بها دوليا من أجل دعم ليبيا في مواجهة تنظيم “داعش”، يبدو أن نداءات الاستغاثة هاته ستظل صيحة في واد في الوقت الذي ظهر فيه أن الدعم العربي والغربي لن يتجاوز عتبة الإدانة والتنديد والمطالبة (ممن، لا ندري؟؟) بدعم ليبيا للحد من تمدد التنظيم المتطرف داخل أراضيها.
لحد الساعة اتضح فعليا أن الفاعلين المحليين هم من قاموا بالتصدي لتنظيم “داعش” ومنعه من تكرار خطته في التمدد مثل بقعة الزيت في كل من سوريا والعراق.
تنظيم “القاعدة” ومسلحو أبناء المناطق التي تواجدت أو تتواجد فيها عناصر “داعش”، بكل من درنة وسرت، هم من حملوا السلاح في وجه التنظيم الذي يسعى إلى تحويل ليبيا إمارة جديدة، في ظل غياب سلطة مركزية ووجود انقسام سياسي وعسكري حاد في البلاد.
من جانبهما، يبدو أن طرفي الصراع الليبي، المتمثل في قوات حفتر المدعومة من قبل حكومة البيضاء و”فجر ليبيا” و”ثوار بنغازي” المدعومين من قبل حكومة طرابلس، وفيان لمبدئهما في السعي لحسم الصراع القائم بينهما عسكريا قبل الالتفات إلى خطر “داعش”.
نفس الأمر قد ينطبق على الأطراف العربية والإسلامية التي يرى البعض أنها حولت ليبيا إلى ساحة للتنافس الإقليمي ودفعت أطراف الصراع فيه لخوض حرب بالوكالة عنوانها الأكبر الحرس القديم (أو الجديد) ضد الإسلاميين.
ضبابية المشهد وسورياليته في ليبيا تجعل أنه من الصعب الخروج بأجوبة قاطعة حول ما ينبغي القيام به لمواجهة تنظيم “داعش” في البلاد. فالأكيد أن ليبيا كانت ضحية لانفلات أمني خطير وانقسام حاد بين أبنائها قبل ظهور “داعش” وتمدده فوق أراضيها. كما أن التنظيم لم يتمدد في ليبيا بنفس القدر كما هو الحال في سوريا والعراق، ولا يتوفر على نفس الترسانة من الأسلحة والمعدات ولا يضم في صفوفه نفس العدد من المقاتلين.
مع ذلك أثبت التنظيم المتطرف أنه قادر على شد أنظار العالم تجاهه خصوصا من خلال ارتكابه لمجزرتي إعدام جماعي في حق مسيحيين مصريين وإثيوبيين، ومن خلال العمليات التي قادها في قلب العاصمة طرابلس وأبرز مهاجمة فندق “كورنثيا” وكذا هجومي باردو وسوسة في تونس، والتي يقال إن منفذيها تلقوا تدريبهم في ليبيا على يد التنظيم، في الوقت الذي تصر عدد من الأوساط الليبية على تكذيب هاته الرواية.
معالجة مشكل “داعش” في ليبيا لن تتم على ما يبدو إلا من خلال نزع فتيل الخلاف بين الفرقاء الليبيين وتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع أسس الدولة التي تتمع فيها المؤسسات المنتخبة بكامل السيادة، وتكوين أجهزة أمنية موحدة وليس الاستمرار في ظل حكم ميليشيات تهب إلى حمل السلاح وإطلاق النار لتسوية الخلافات القائمة.
آنذاك ستصبح مواجهة “داعش” شبيهة بمواجهة جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا. مهمة صعبة لكنها تتم بعد أن تم تجنيب ليبيا أتون حرب أهلية واسعة النطاق واتحدت كل أطياف الشعب من أجل القضاء على مختلف أنواع التشكيلات المسلحة الخارجة عن السلطة.
إقرأ المزيد: في قلب سرت الليبية..المدينة التي تسيطر عليها “داعش”
وبالتالي، قد تكون الدول العربية والغربية محقة في استبعاد خيار الحل العسكري ضد تنظيم “داعش” في ليبيا، بيد أن الدعم الحقيقي الذي يمكن أن يقدم لهذا البلد الذي انزاح عن مسار الانتفاضة التي قادها شعب ضد نظام القذافي السلطوي في 2011، لا يجب أن تقتصر على الخطابات الدبلوماسية بحيث تتحول إلى انخراط حقيقي في الدفع بمسار المصالحة السياسية من أجل تجنيب ليبيا، ومعها المنطقة، ويلات حرب جديدة ستتجاوز تأثيراتها الحدود الجغرافية.