بالرغم من التنويه المستمر الذي تلاقيه التجربة التونسية من الخارج باعتبارها الأنجح لحد الساعة بين دول الربيع العربي، إلى أن الفترة الانتقالية في بلاد ثورة الياسمين لا تخلو من مطبات وحواجز ومتاريس وعثرات تزيد من هشاشة الانتقال الديمقراطي.
تعمق الأزمة داخل حزب “نداء تونس” الذي يقود الحكومة سار في الاتجاه الذي كان يخشاه الكثيرون، حيث أعلن 31 نائبا يوم أمس الإثنين انسحابهم من الكتلة البرلمانية للحزب بعد أن كانوا قد قاموا بتجميد عضويتهم.
الانسحاب جاء كنتيجة لحرب الزعامة داخل “نداء تونس” بين حافظ السبسي، نجل رئيسه السابق ورئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي، والأمين العام للحزب محسن مرزوق.
انسحاب الموالين للأمين العام للحزب أدخل البلاد في مأزق سياسي بعد أن أصبح حزب حركة “النهضة” الإسلامي هو الكتلة البرلمانية الأولى في مجلس نواب الشعب.
وبالرغم من تأكيد القيادي في “النهضة” العجمي الوريمي في تصريحات صحفية أن الحزب ليست لديه نية لقيادة البلاد في الفترة الحالية، إلا أن تونس أصبحت اليوم تعيش وضعا شاذا بعد الشرخ الذي طال أول كتلة سياسية في البلاد.
هذا التصدع دفع رئيس حزب “التيار الديمقراطي” محمد عبدو إلى حد اتهام “نداء تونس” بأنه سوق الوهم للتونسيين، بعد أن جعلهم يعتقدون أن رجلا عمره 88 عاما، في إشارة إلى قايد السبسي، قادر على قيادة البلاد ومحاربة الإرهاب.
إقرأ أيضا: “نداء تونس”..ما مدى عمق الأزمة داخل الحزب الحاكم؟
عبدو اعتبر أن الانقسام داخل “نداء تونس” كان متوقعا، وهو أمر تعضده ربما كون تركيبة الحزب هجينة، بحيث تجمع أشخاصا محسوبين على اليسار وآخرين على وسط اليمين فضلا عن بعض المحسوبين على نظام زين العابدين بن علي.
الأزمة داخل “نداء تونس” تعمقت بعد أن طال العنف اجتماعا للحزب بمدينة الحمامات، وهو ما أنذر بأن الصراع بين تيار مرزوق وتيار حافظ السبسي أخذا منحى خطيرا وصل إلى الضرب تحت الحزام واستعمل وسائل “البلطجة” في تدبير الخلافات.
هذا المطب السياسي الذي دخلته تونس اليوم من شأنه أن يشوش على عمل الحكومة التي يرأسها الحبيب الصيد، ويعكر صفو النشوة التي اعترت التونسيين قبل أسابيع بعد تتويج تجربتهم بجائزة نوبل للسلام.
التونسيون كانوا في حاجة لشيء يذكرهم بأنهم يسيرون في الطريق الصحيح، وأنهم قادرون على العبور بديمقراطيتهم الفتية إلى بر الأمان.
بيد أن بعض الأحداث مثل انشقاق “نداء تونس” تأتي لتذكر أبناء الخضراء بأن المخاض ما يزال عسيرا، وأن الفترة الانتقالية التي يعيشونها ما تزال هشة وبحاجة لأن يتم تحصينها أمام الهزات السياسية التي قد تعصف بها.