إننا عندما نقول بقناعة مطلقة بأن الصحراء ما هي إلا إقليم مغربي، فلأن التاريخ يؤكد أنها لا تقل مغربية عن باقي المدن المغربية، وهذا الطابع يتضح من خلال منظور جغرافي ولغوي وثقافي وديني وعرقي، ويتأكد أيضا من خلال ما كتبه العديد من الرحالة والجغرافيين والمؤرخين الأوربيين الذين جالوا عبر هذه المنطقة في بداية القرن الماضي، ولا حظوا إلى أي حد كان المواطنون الصحراويون متشبثين بمغربيتهم (1).
وأحقية ومشروعية المغرب في الصحراء مؤسسة على العديد من الحجج التاريخية والقانونية والسياسية، فالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن الحادي عشر إلى القرن العشرين لها أصول صحراوية وانطلقت من الصحراء (2)، فقد خلصت بعض الدراسات حول تاريخ المغرب تميزه بتتابع مجموعة من الدول على الحكم، إلا أن “الدول” التي انطلقت من الجنوب المغربي أو قامت بمساعدة الجنوب المغربي كانت فترة حكمها طويلة، وخير دليل على تلك الفترة الزمنية التي عاشها المرابطون والمرينيون والسعديون والدولة العلوية(3).
إن طول عهد “الدول” المغربية مرتبط بعلاقات هذه الدول بالجنوب المغربي، وعلى هذا الأساس نستنتج أنه لا استقرار للحكم بالمغرب لفترة طويلة إلا بتعاونه مع الجنوب المغربي، فلا مغرب إذن بدون الصحراء، وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد أن الصحراء صنعت تاريخ المغرب، حيث اهتم الملوك المغاربة بالجنوب، وجعلوه من أولوياتهم وعينوا خلفاء لهم هناك ومن أفراد أسرتهم، وهذا ما يبرر الأهمية التي كانت تعطى للجنوب المغربي، وقد نتج عن اقتران التاريخ المغربي بصحرائه ديناميكية وحركية، مما جعل الصحراء المغربية تعتبر فاعلا أساسيا في تاريخ الحياة السياسية المغربية.
وقد احتلت الصحراء مكانة هامة في النسيج الاقتصادي للبلاد، وذلك بفضل الطرق المشيدة والآبار المنشأة من قبل مختلف الملوك المغاربة الذين تعاقبوا على الحكم، فالصحراء كانت مسرحا لحركات تجارية هامة منذ القرن الحادي عشر، وخصوصا في عهد السعديين في القرن الخامس عشر.
الصحراء كانت صلة وصل بين المغرب وإفريقيا، وعبرها كانت قوافل التجارة تنتقل منه إليها ومنها إليه، وكانت بين المغرب وإفريقيا عبر الصحراء عدة طرق أمنت اتصاله بها باستمرار، وقد حرص ملوك المغرب على ضمان الراحة والأمن لسالكي هذه المسالك وقاية لهم من المهالك، وعبر طرق القوافل الصحراوية المغربية كان ملوك المغرب والسودان يتهادون التحف والهدايا(4).
إن الصحراء ليست فقط مغربية، وليست فقط جزءا لا يتجزأ من المغرب، وليست فقط من أهم مناطق المغرب، ولكنها بالإضافة إلى ذلك من منابع تاريخه الكبرى بكل ما تفجرت به تلك المنابع من قيم ومثل عليا لا يمكن تجريد المغرب منها دون تجريده من صميم شخصيته.إن الدور الذي لعبه المغرب في تاريخ الصحراء، والدور الذي لعبته الصحراء في تاريخ المغرب باعتبار الوطن الواحد أعمق أصالة من أن يستطيع الاستعمار طمسه (5).
إن تاريخ منطقة المغرب العربي الكبير يؤكد بأن الصحراويين كانوا مندمجين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية للدولة المغربية، لهذا شملت علاقات التفاعل المتبادل بين الإقليم الصحراوي والأقاليم المغربية الأخرى عدة جوانب تجارية، عسكرية، دينية، اجتماعية وسياسية، فالاندماج إذن بين الأقاليم الصحراوية وباقي التراب الوطني هو حقيقة موضوعية ثابتة (6).
وبناء على هذه الاعتبارات، تشكل الصحراء العمق الاستراتيجي للدولة المغربية منذ القدم، ويعود تاريخ ارتباط الصحراء بالمغرب (7) إلى حوالي سنة 1050 عندما بسط الموحدون المنحدرون من قبائل صنهاجة سيطرتهم على مختلف مناطق المغرب الحالي. وينحدر السعديون الذين حكموا البلاد في القرن السادس عشر من أصول صحراوية، وقد وصلت سيادة المغرب في عهد السلطان المنصور سنة 1578
إلى حدود نهر السنغال، ومع تولي العلويين المنحدرين من تافيلالت السلطة تواصل ارتباط المناطق الصحراوية بالحياة السياسية والاقتصادية للمغرب، خصوصا من خلال الروابط الاقتصادية القوية التي شكلتها التجارة في المناطق الواقعة ما وراء الصحراء.
إن الاعتراف بمغربية الصحراء من طرف “القوى العظمى الأوربية” ظل قائما وثابتا حتى قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث تؤكد الاتفاقية السرية الفرنسية البريطانية في خامس غشت 1890 مغربية منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب بدون لبس. كما أن إسبانيا اعترفت دوما في الماضي بأن سيادة المغرب على الصحراء تمتد إلى ما وراء وادي درعة، وكانت تصرح في مطلع القرن العشرين بأن هذه الأراضي تابعة للسلطة المركزية المغربية وكانت تؤمن بذلك دبلوماسيا، كما أن المسؤولين المغاربة كانوا يعتقدون ذلك أيضا (8).
فعلى ضوء التجاوب والالتحام الموجود بين العرش المغربي والقبائل الصحراوية، واستمرارية تلك الروابط والعلاقات التي كانت تربط هذه القبائل بملوك المغرب، فإن عرى هذه الروابط لم ينقطع، بل ظلت هذه الروابط على مدى الأزمنة تنجز أسمى الغايات إلى حد المستطاع، فتولد عن ذلك أعظم الثقات وأجلها في نفوس ملوك المغرب (9).
إن ما يجب التأكيد عليه، هو أن المغرب كان الدولة الوحيدة التي تبسط سيادتها وسلطتها على الصحراء، وكحجة على هذه السيادة توجد عدة دلائل (10):
* تعيين وعزل الخلفاء والقواد في الأقاليم الصحراوية.
* مراسلات الملوك المغاربة مع شيوخ القبائل الصحراوية.
* رحلات سلاطين المغرب للقبائل الصحراوية.
* تلقي ملوك المغرب للبيعات الشرعية من القبائل الصحراوية.
*اعتراف الدول الكبرى بمغربية الصحراء وإبرامها على هذا الأساس اتفاقيات ومعاهدات دولية مع المغرب ومع غيره، تقر فيها صراحة أو ضمنيا بمغربية الصحراء.
وعلى العموم، لقد كانت المناطق الصحراوية الجنوبية منطقة مغربية وستبقى مغربية لأن تلك هي رغبة سكانها، ولأن هذا ما حكم به المنطق والتاريخ (11).
بناء على ما سبق، سنحاول تفصيل النقط والعناصر المشار إليها أعلاه، وتحليلها وفقا للتقسيم التالي:
المبحث الأول: الأدلة والحجج التاريخية.
المبحث الثاني: الأدلة والحجج القانونية.
المبحث الأول
الحجج التاريخية حول مغربية الصحراء
لا يمكن دراسة التاريخ الخاص بمنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب وفصله عن سياق الأحداث الواقعة بالمغرب، كما يستحيل فصل التطور التاريخي للقبائل الصحراوية عن نظيره بالمغرب في مجموعه، لأنه يتشكل مع تاريخ المغرب.
فمنذ قيام المرينيين في القرن الحادي عشر ارتبط تاريخ القبائل الصحراوية بتاريخ الدولة المغربية، ونفس هذا الإقرار عبر عنه أحد المؤرخين (12) بأن الطابع المغربي لسكان الصحراء الغربية واقع لا يمكن دحضه، رغم تكاثف جهود العدو وبعض المناورات السرية للفصل النهائي لهذه الأقاليم عن الوطن الأم المغرب، فوحده الاستعمار جزأ الوحدة المغربية القوية مند قرون خلت.
إن التاريخ هو الذي يبين لنا الروابط التاريخية والدينية والأسرية التي تربط القبائل الصحراوية بالوطن الأم (13). ومن خلال استقراء لبعض المصادر التاريخية فإن جميع الملوك العلويين حرصوا على تعيين من ينوب عنهم في تسيير شؤون رعاياهم في هذه الأقاليم الجنوبية.
وفي هذا الإطار، نشير أن موظفا دوليا عمل لسنوات طويلة ببعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء (المينورسو) أورد في مقال نشرته مجلة “لافريك رييل” براهين تاريخية تؤكد مغربية الصحراء، حيث ذكر بالخصوص بأن “المغرب كان في عهد المرابطين يوجد على رأس إمبراطورية تمتد من نهر السنغال إلى وسط شبه الجزيرة الإيبيرية”، وأشار إلى أن “المرابطين وحدوا الصحراء بكاملها ما بين سنوات 1042 و 1052 وأن الصحراء كانت وقت تقسيم المستعمرات تشكل مع المغرب كيانا اقتصاديا وسياسيا ودينيا واحدا” (14)، فمغربية الصحراء لا ترتكز بالفعل على ذكريات تاريخية بعيدة، إنها واقع سياسي تأكد خلال القرن العشرين بنفس القوة كما كان عليه الأمر في الحقب القديمة (15).
إن أولئك الذين يشككون في هذه القضية، يبينون أن لهم إلى حد ما عقلية استعمارية، لأنهم يحددون الحدود التاريخية للمغرب اعتمادا على تلك التي وضعها المستعمر. وقد ناقش المؤرخ “برنارلوغان Bernard Lugan” قضية الصحراء المغربية في كتابه الأخير تحت عنوان “تاريخ المغرب من جذوره إلى اليوم Histoire du Maroc des origines à nos jours “، فبتفحصه لتاريخ المغرب من القديم إلى الحقبة الحالية، أراد المؤرخ أن يبين تاريخيا، سياسيا، لغويا، ثقافيا، دينيا وعرقيا أنه لا
يوجد على الإطلاق ما يسمى ب “الشعب الصحراوي”، ويؤكد هذا الطرح – حسب هذا الاختصاصي في شؤون إفريقيا- الاتفاقية السرية الفرنسية – البريطانية المؤرخة في 5 غشت 1890 (16) التي تنص على الاعتراف بالحماية البريطانية على جزر “زنجبار” و”بومبا” في المحيط الهندي، مقابل الاعتراف لفرنسا بإمكانية احتلال الصحراء الوسطى الغربية للحصول على ممر في اتجاه الجنوب أي نحو النيجر وبحيرة تشاد، وكان يتحتم على فرنسا أن تحترم الحدود المغربية الممتدة من فكيك إلى الرأس الأبيض (نواديبو في موريطانيا)، وهذا يعني أن الصحراء “الإسبانية سابقا” كانت حكما أرضا مغربية (17).
كما أثبتت الوقائع التاريخية، أن القبائل الصحراوية كانت تطلب يد المساعدة من السلطان المغربي في كل مرة كانت تهددها القوات الأجنبية (18) وكان سلاطين المغرب يعتبرون هذه المناطق مغربية وأنها جزء لا يتجزأ من المغرب، لذلك كانوا يبعثون للقبائل الجنوبية بالأسلحة والعتاد بواسطة ممثليهم هناك، وكانوا يساندون كفاح الشيخ “ماء العينين” ضد الاحتلال الفرنسي الإسباني، وبالنسبة إلى ماء العينين، اعتبر العديد من الباحثين (19) أن بفضله تمكن السلطان من تدعيم سلطته جنوب وادي درعة، وأنه مقرب كثيرا من
السلطان ويتلقى منه التعليمات بصفة منتظمة، وقد انتقل الشيخ ماء العينين سنة 1897 إلى مراكش وكان في استقباله العاهل الشريف، وطلب من هذا الأخير الترخيص له بإعلان الحرب على الفرنسيين والإسبان، ومن أجل هذا الهدف زوده السلطان بالمال والأسلحة وعهد إليه بمهمة تهدئة أمور الصحراء المغربية.
وإذا كانت مغربية الصحراء من البديهيات التي سبق التسليم بها، والتي لا تحتاج إلى المزيد من الاستدلال والبرهنة، فإنه لا يتناقض مع هذا التحليل، من باب الدراسة العلمية الأكاديمية، عرض بعض الحجج والبراهين التاريخية التي تؤكد
بطريقة لا تقبل الجدل مغربية الصحراء، وذلك على مستويين وفقا للتقسيم التالي:
الفقرة الأولى: الحجج التاريخية على المستوى الداخلي حول مغربية الصحراء.
الفقرة الثانية: الحجج التاريخية على المستوى الدولي حول مغربية الصحراء.
الفقرة الأولى: الحجج التاريخية على المستوى الداخلي حول مغربية الصحراء
إن التتبع التاريخي لعلاقة الدول التي حكمت المغرب ابتداء بالمرابطين وانتهاء بالعلويين، علاقة هذه الدول بمنطقة الصحراء، يثبت قيام علاقات سيادة تخضع لمفهوم القانون العام الإسلامي المتمثل في البيعة بين سلاطين المغرب ومنطقة الصحراء، وقد اتخذت هذه العلاقات عدة صور، حيث مارس المخزن المغربي سيادته على الصحراء منذ القرن الخامس عشر، وتتجلى مظاهر ممارسة هذه السيادة في عدة ممارسات سلطانية روابط دينية وسياسية.
أولا: المظاهر الدينية لممارسة السيادة
إن تلقب السلطان بلقب الإمام يفرض مباشرة قيام الدعوة له بالمساجد في صلاة الجمعة، كما يصبح تبعا لذلك يملك حق تولية القضاة. وفيما يخص منطقة الصحراء، فقد تطرقت المصادر التاريخية إلى التوحد المذهبي للصحراء تحت لواء المالكية، وإلى كثرة وانتظام اتصالات رجال وشيوخ الصحراء بالسلاطين المغاربة.
إن كثافة هذه الاتصالات سمحت لبعض الباحثين أن يعطوا، عن قصد أو بغير قصد، صفة هذا الجانب من الروابط على كل الروابط الأخرى القائمة بين المغرب والصحراء. إلا أن انتماء سكان الصحراء إلى مجتمع ترحلي لم يمنع هذه الروابط الدينية من بلورة مظاهرها، ذلك أن الصحراء المغربية- حافظت دائما على مركزها كمعقل لوجدان ديني متأجج – لم تتوقف فيه ممارسة الشعائر الدينية أبدا، وأمام غياب أماكن ثابتة للصلاة فقد كانت صلاة الجمعة تقوم أينما حلت القبيلة، وفي ختامها يقوم الدعاء للسلطان، وهو أمر بديهي ينظر إليه كمتمم للصلاة(20)
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن أهل “تجكانت” عندما أرادوا بناء مسجد متصل بأبنيتهم من أجل إقامة صلاة الجمعة، استأذنوا السلطان مولاي الحسن، الذي أذن لهم بذلك بظهير موجه لهم كافة يذكرهم بالشروط المطلوبة من معالم الشرع والسنة.
وكان السلاطين المغاربة من جهتهم يعملون على نشر العلم و الدين في إقليم الصحراء، فقد قدروا الشيوخ الصحراويين الذين يقومون بهذه المهمة الجليلة بمنحهم ظهائر توقير واحترام كالتي تمنح لغيرهم بشمال المغرب. فالسلطان مولاي الحسن ذكر في الظهير الذي أسدل به أردية التوقير و الاحترام على أهل ً دار بالأعمش ً و ً أبو جارات ً من أهل “تجكانت” بأنه قام بذلك تعظيما لهم ومراعاة لكون دارهم دار علم وصلاح وحجة وفلاح في القديم و الحديث وكون الفقهاء منهم ورواة الحديث (21).
ونفس الشيء أشير إليه في ظهير توقير الطالب إبراهيم بن مبارك التكني لانتسابه للعلم الشريف، وقد تم أحيانا صرف مرتب شهري للقيام بهذا العمل كما هو في الظهير الممنوح من طرف السلطان مولاي الحسن للشيخ ماء العينين إعانة له على ما هو بصدده من بث العلم الشريف ونشره.
هذه الأوضاع القانونية التي تنشئها الظهائر الشريفة، تتسم بطابع الديمومة، بحيث يقوم السلاطين اللاحقين بتجديدها بواسطة ظهائر جديدة يرتكزون فيها على ظهائر أسلافهم، وهؤلاء الفقهاء الذين يحصلون عن ظهائر التوقير والاحترام يشرفون، بالإضافة إلى نشر العلم الشريف، على حل المنازعات التي يرضى أطرافها الاحتكام إليهم نظرا لطبيعة المجتمع الترحلي، ويعتبر الحكم الصادر نافذا لا يقدر المحكوم عليه أن يمتنع عنه إلا إذا أوعز إليه أحد العلماء أن ذلك الحكم غير منصف أو صحيح فيطلب نقضه، وبصفة عامة، كانت الأحكام تصدر وفق المذهب المالكي، والسلاطين المغاربة كانوا حريصين على ذلك، فالسلطان مولاي الحسن نبه الطالب سيدي احمد بن محمد بالأعمش في ظهير توليته خطة القضاء بقبيلة ” تجكانت” إلى أن يتحرى في أحكامه ً ما جرى به العمل أو الراجح أو المشهور من مذهب إمامنا مالك ً(22).
وعلى العموم، يبدو أن وجود روابط دينية بين إقليم الصحراء والدولة المغربية أمر لا يمكن نفيه، أمام تعدد مظاهرها، وثبوت إلقاء خطب يوم الجمعة بالمساجد باسم السلطان الشريف و التقيد بتعاليم المذهب المالكي (23)، كما تجدر الإشارة أن من أهم الوظائف التي يقوم بها المخزن المغربي – بحكم هذه الروابط الدينية و الروحية – وظيفة التحكيم بين القبائل، فحينما كانت تقوم منازعات بين قبائل الصحراء كان المخزن يتدخل لمساندة المظلومين وحل المشاكل بين الطرفين (24).
ثانيا: المظاهر السياسية لممارسة السيادة:
إن الروابط ذات الطابع السياسي بين الدولة المغربية و الأقاليم الصحراوية متجذرة في التاريخ، وازدادت توطدا مع ظهور الأطماع الاستعمارية. فقد نزل المولى رشيد أثناء تأسيسه للنظام الجديد حتى تخوم السودان، واتبع المولى إسماعيل نفس النهج حيث نجح في مراقبة كل أرجاء البلاد المغربية، وسار في جولة تفقدية في بداية عهده قادته حتى شنقيط، وأرسل أحمد بن أخيه على رأس فرقة عسكرية لفض بعض النزاعات بين القبائل. وإبان فترة الصراع بين أبناء المولى إسماعيل على السلطة، ظل العمال التابعون للمخزن المغربي متواجدين بشنقيط، فقد نزل المولى عبد الله مرتين إلى ” دياني” قرب “تمبكتو” لاستخلاص الضرائب. وقام محمد بن عبد الله بتثبيت حفيد علي شندورة، المختار بن عمر بن علي على إمارة الطرارزة، كما اهتم السلطان مولاي عبد الرحمان بهذا الإقليم وعالج شؤونه ومشاكله مع رعاياه به، وهو نفس النهج الذي اتبعه ابنه سيدي محمد بن عبد الرحمان بعد مبايعته سلطانا على المغرب، موجهين اهتمامهم إلى مسألة التسلل الأجنبي إلى الأقاليم الجنوبية التي بدأت تستفحل خلال القرن 19. على أن السلطان مولاي الحسـن في متابعته لنفس الخطة رفع اهتمامه بهذا الإقليم إلى مرتبة أعلى بحيث سافر إليه بنفسه (25) في رحلة أولى وعين مجموعة من العمال وقائدا يستشيرون معه في أقوالهم وأفعالهم، ثم سافر في رحلة ثانية منح أثناءها ظهيرا بتكليف إبراهيم بن علي بن محمد التكني بحراسة الشواطئ المجاورة لقبيلته، وظل يتابع محاولات التسرب الاستعمارية، ودعما لجهود وقف هذا التسلل عين محمد بن الحبيب التدرداري قائدا على قبائل مجاط والفويكات وثلث أيت لحسن وزركاط وتوبالت ولميار من التكنة، ثم وسع قيادته بظهير آخر على قبيلة المناصير من أزركين (26).
وهكذا، وباستعراض هذه المظاهر الدينية والسياسية، والتي تشكل انعكاسا مباشرا للروابط القانونية بين إقليم الصحراء والدولة المغربية، ننتهي إلى التأكيد على كثافة هذه الانعكاسات ومن تواصلها المستمر الغير المنقطع، وهو ما تؤكده باقي مظاهر ممارسة السيادة.
ومن أبرز هذه المظاهر، مقاومة الشيخ ماء العينين للمستعمر باسم السلطان وبأمر منه، وينتمي الشيخ ماء العينين إلى قبيلة خميس التي انتقلت مع طالب ضيا المختار إلى أدار ( موريطانيا ) في القرن الثاني عشر، وهي قبيلة مغربية صنهاجية أصلية، أي ترتبط بأصل عربي قرشي هاشمي علوي (الحسن بن علي) وبأصل مغربي سياسي مذهبي (الشرفاء الأدارسة)، تلقى تنشئته الدينية من والده محمد الفاضل مؤسس الطريقة الفاضلية.
وعند استقراء العلاقات السياسية بين الشيخ ماء العينين والسلطان المغربي، نجد أن الوقائع التاريخية تثبت قيام تبعية بالمعنى الوطني أي انتماء إلى سلطة سياسية مخزنية وملامح مشروع سياسي محلي المنطلق وشمولي الهدف. فالشيخ ماء العينين كان يتمتع بشخصية مميزة استطاعت بفضل الثقافة الإسلامية الواسعة والإيمان الشديد، فرض نفسها في منطقة تتعايش فيها زعامات قبلية، لكن هذه الشخصية لم تتحول إلى قيادة سياسية إلا بحيازتها لشروط الزعامة نفسها: علاقات واضحة مع السلطان العلوي، نفوذ محلي قوامه الزاوية والدعوة لمحاربة الغزو الأجنبي المسيحي، وقد أعلن بيعته للسلطان المولى عبد العزيز سنة 1894 (27).
وعند ما زار الشيخ سنة 1890 السلطان مولاي الحسن خاطبه هذا الأخير بأن “….. مولاي عبد الرحمان بن هشام جعل منك ابنا له، والسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن اعتبرك أخا له، و أنا أتخذ منك أبا لي…” (28).
وكان الشيخ ماء العينين هو القائد الذي تمخضت عنه الولادة الجديدة، وانتدبته الصحراء ليكون المدافع عن استقلال الوطن، وأصبح خليفة للسلطان في المنطقة الصحراوية. وقد بات هاجسه الوحيد هو كيف يخلص البلاد من الغزو الأجنبي وتعبئة كل القوى الصحراوية أولا والوطنية ثانيا. وقد ذاع صيته لا في الصحراء وحدها بل في مجموع التراب الوطني كشيخ زاوية وفقيه ومصلح ثم كقائد عسكري، خاض منذ سنة 1906 معارك ضارية ضد القوات الفرنسية (29).
وقد اعتمدت السياسة التي اتبعتها السلطة الشرعية في المغرب داخل الصحراء على زعامة الشيخ ماء العينين الدينية، وولائه لها وحماس القبائل وغيرتها على استقلال البلاد ووحدتها ومن ثم استماتتها وصمودها في الجهاد (30)، ذلك أن مقاومة المستعمر وحماية البلاد من الحملات والمحاولات الاستعمارية الأجنبية تمثل بالنسبة إلى القبائل الصحراوية واجبا دينيا ووطنيا وقوميا. وقد اكتست تلك المقاومة صورا متعددة:
b العزم والتصميم ويظهران في استشارة السلطة المركزية وفي استشارة الأولياء والعلماء (مراسلات مع السلاطين).
b استقبال البعثات السلطانية (بعثة مولاي عبد العزيز إلى السمارة سنة 1905).
b إيفاد البعثات الصحراوية إلى السلطان في أواخر سنة 1905 في عهد مولاي عبد العزيز (31).
b بناء مدينة السمارة كمقر لتنظيم الجهاد، ومركز جهادي لمكافحة المستعمر الفرنسي والإسباني، وعبره يسهل تنفيذ التعليمات المتلقاة من السلطان، وذلك بمساعدة السلطان مولاي عبد العزيز (32).
إن ارتباط الشيخ ماء العينين بملوك المغرب ووفاءه لما في عنقه لهم من التزامات وعهود، يعد من أبرز مظاهر حركة المقاومة التي قادها الشيخ، فقد ظل طيلة نصف قرن يتردد عليهم لتجديد البيعة والتشاور معهم في مختلف القضايا التي تهم الوطن، وقد بلغت زياراته لهم أربعة عشرة زيارة منها: ثمانية زيارات تمت في مراكش وزيارتان في مكناس وثلاث زيارات في فاس. وهذا ما أدى إلى توطيد الدعم المخزني لحركة المقاومة، حيث أرسل السلطان مولاي عبد العزيز مائة بندقية للشيخ ماء العينين سنة 1906، تمكن بفضلها من مهاجمة المركز الفرنسي المقام في “تجيكجة” ومحاصرة حاميته لمدة 20 يوما تقريبا في نونبر من نفس السنة، فاحتجت فرنسا بواسطة قنصلها بفاس على السلطان وهددته باستعمال قوة السلاح إن تمادى في إرسال السلاح للشيخ ماء العينين، وذهبت كذلك إلى حد إرسال سفينة حربية إلى ساحل طرفاية لمنع رسو السفن المخزنية المحملة بالسلاح.
وفي فترة حكم السلطان مولاي عبد الحفيظ، توطدت العلاقات بشكل كبير بين سكان الصحراء والمخـزن المغربـي، وهكذا حل بمدينة مراكش وفد من قبائل الصحراء يرأسهم الشيخ ماء العينين سنة 1907، فجددوا للسلطان بيعتهم، وطالبوه بكميات من الأسلحة للدفاع عن وحدة بلادهم الترابية (33).
لقد ظــل الشيخ ماء العينين حتى سنة 1908 يحارب الفرنسيين بصفته ممثلا رسميا للسلطان بالجنوب، واستمر الجهاد يحرك بواسطة ابنه أحمد الهيبة الذي قاد حركة قاعدتها الأساسية متكونة من العامة والتي تشكل الأغلبية. وترجع عوامل نجاح هذه الحركة إلى تأييد السلطان مولاي عبد الحفيظ للحركة، وكذا الشهرة الطاغية لبيت ماء العينين في العلم والجهاد والشرف (34).
من خلال هذه الومضات السريعة لمراحل الجهاد التي عرفها إقليم الصحراء، يمكننا أن نخرج بملاحظتين حول مسؤولية السلاطين المغاربة عن الجهاد بهذا الإقليم:
b الأولى تتعلق بموقع السلاطين المغاربة من الجهاد، فهم أعلنوه وقاموا به وتتبعوه في كل فتراته ولم يتغيبوا عنه، وكان لديهم وعي كامل بالمسؤولية عنه.
b الملاحظة الثانية تتعلق بموقفهم من الجهاد، إذ علينا تسجيل ثبات هذا الموقف الذي لم تغيره أية مساومات أو ضغوط، ويكفي التذكير بأن المؤامرات التي كان الشمال يتعرض لها من إثارة للفتن والقلاقل لم تنقص من عزيمة السلاطين الذين تشبثوا بالجنوب بأقصى جهدهم، وجندوا طاقاتهم للوقوف داخليا وميدانيا في وجه الاحتلال الفرنسي وكذا خارجيا، لأنهم كما سوف نرى كانوا يملكون في الساحة الدبلوماسية اعترافا دوليا بانتماء الإقليم الصحراوي إلى المغرب (35).
ومن المظاهر السياسية أيضا لممارسة السيادة، نجد أن رسائل الملوك العلويين لبعض الولاة والقواد الصحراويين، تعبر بصورة واضحة عن ممارسة هذه السيادة، فتبعا لعلاقات البيعة التي ربطت على مر التاريخ قبائل الصحراء بسلاطين المغرب، كانت هناك العديد من المراسلات التي بعثها سلاطين المغرب لولاتهم وخلفائهم في الصحراء، شكلت دليلا إضافيا على عمق الأواصر والوحدة التاريخية والسياسية التي كانت تربط المغرب بأجزائه الجنوبية. وفيما يلي نستعرض البعض من هذه الرسائل (36):
1- رسالة السلطان المولى عبد العزيز إلى الشيخ ماء العينين سنة 1905، في موضوع الحالة المرتبكة التي أوجدها في الصحراء المغربية الاعتداء المسلح الذي قامت به الجيوش الفرنسية (37).
2- رسالة السلطان سيدي محمد بن مولاي عبد الرحمان بن هشام إلى الشيخ الحبيب بيروك، يأمره فيها بتوجيه أسير إسباني قبض الصحراويون عليه إلى تارودانت أو إلى الصويرة، ويلح عليه في وجوب احترام السفن التي تتحطم على سواحل الصحراء وتوجيه ما يوجد بها إلى سلطات المخزن بالعاصمة.
3- رسالة الحسن الأول إلى الحبيب ابن الشيخ مبارك الوادنوني الجلمي، عن موضوع القبض على الخارجين من الإسبان في سواحل مدينة الصويرة.
4- رسالة المولى الحسن الأول إلى إبراهيم بن مبارك الزركي، تفيد أن السلطان أضفى عليه حلل التوقير والاحترام والتعظيم وحرره من جميع التكاليف المخزنية والوظائف السلطانية، عدا الزكوات فهو فيها كغيره.
5- رسالة مولاي عبد العزيز إلى القائد إبراهيم الشتوكي التكني، يسند له النظر في مراقبة السواحل من طرفاية إلى رأس بوجدور.
6- كتاب مولاي عبد العزيز إلى القائد محمد الأمين والقائد بن الأمين بن عبد الله، يكلفهما بمقتضاه بحراسة مراسي الجنوب.
7- رسالة المولى عبد الحفيظ بن الحسن إلى القائد محمد بن بلال والقائد إبراهيم بن مبارك من قواد الزركيين من تكنة، يأمرهما فيها بطرد أحد النصارى من البحر بطرفاية وبمنع كل من يرد من القبائل للبيع والشراء معه (38).
وإذا كانت هناك أدلة وبراهين كثيرة على المستوى الداخلي، تثبت مغربية الصحراء وتؤكد وجود علاقات تاريخية قائمة منذ قرون بين الصحراء والدولة المغربية، فإن هناك العديد من الوثائق الدولية التي تعترف وترسخ مغربية الصحراء.
الفقرة الثانية:الحجج التاريخية على الصعيد الدولي حول مغربية الصحراء
انطلاقا من الفتح الإسلامي الذي وصل إلى ربوع الصحراء سنة 681 م على يد عقبة بن نافع الفهري كانت الصحراء مغربية عربية إسلامية لا تحتاج إلى دليل، ومنذ قيام الدولة الادريسية وتقسيم البلاد الإداري أصبحت الساقية الحمراء ووادي الذهب أقاليم جنوبية هامة يشملها ما شمل باقي أقاليم البلاد.
وعلى هذا الأساس، ابرم سلاطين المغرب العديد من المعاهدات الدولية مع مختلف الدول الأجنبية، إلا أن القاسم المشترك للمواضيع التي تناولتها علاقات المغرب الاتفاقية هو إقرارها بسيادة السلطان على جميع أراضي المملكة الشريفة وتأكيدها على مغربية الصحراء واعتراف الدول الأجنبية وإقرارها بانتماء الإقليم الصحراوي إلى الدولة المغربية، كما أن هذه المعاهدات، على اختلاف مواضيعها وظروف وملابسات إبرامها، تؤكد صراحة اعتراف المجتمع الدولي بالروابط القانونية للمغرب مع الصحراء المغربية.
وسنكتفي بعرض نماذج لهذه الاتفاقيات الدولية نظرا لكثرتها وغزارة مواضيعها بداية نشير إلى بعض المعاهدات الدولية التي كان المغرب موضوعا لها، والتي تؤكد رغم وجود سلطة مغربية حقيقية على الأقاليم الصحراوية، ويتعلق الأمر بمعاهدتين من القرن الرابع عشر وهما معاهدة: ” الكوسوماس” ومعاهدة ” سنترا” المبرمتين بين إسبانيا والبرتغال (39)، حيث حددت المعاهدة الأولى اتفاق الطرفين على حدود مملكة مراكش في جنوب رأس بوجدور، كما تنص المعاهدة الثانية على نفس الشيء الذي تسميه مملكة فاس ( المغرب حاليا )، ولم تكتف المعاهدتان بإبراز البيعة للسلطان ولكنهما تعترفان أيضا بان السلطة المغربية كانت تمتد إلى ما وراء رأس بوجدور.
وتنص المعاهدة المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مارس 1767 في المادة 18 على أن السيادة المغربية تمتد إلى ما وراء وادي نون، أي أنها تمتد إلى جنوب المنطقة المجاورة للساقية الحمراء، ذلك أن هذه المادة تنص على: “إن جلالة الملك يحذر سكان جزر الكاناري ضد أية محاولة للصيد في شواطئ وادي
نون وما وراء ذلك، وهو لا يتحمل أية مسؤولية فيما سيقع لهم من طرف العرب سكان المنطقة الذين من الصعب تطبيق القرارات عليهم، إذ ليس لهم محل قار للسكنى وينتقلون كيفما يشاءون ويقيمون خيامهم حيث ما يطيب لهم” (40)، وهذا ما يستنتج معه وجود السلطة الشريفة على وادي نون وما بعده في الصحراء بالإضافة إلى البيعة للسلطان.
وقد تعززت مضامين هذه الاتفاقية بعدة معاهدات وأوفاق دولية لاحقة، كرست سيادة المغرب فيما وراء وادي نون، وهذه المعاهدات هي على الخصوص الاتفاقية المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مـارس 1799 ( الفصل 22 )، وتـلك المبرمة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في 1836 ( الفصل 10)، والاتفاقيتان اللتان أبرمهما المغرب مع بريطانيا في 9 دجنبر 1856، بالإضافة إلى المعاهدة الإسبانية المغربية المبرمة يوم 20 نونبر 1861 (الفصل 38).
فبالنسبة إلى اتفاقية فاتح مارس 1799، تتعلق بإقامة منشآت تجارية إسبانية على إحدى النقط الساحلية الواقعة في جنوب المغرب (41)، وحاولت إسبانيا في عهد السلطان مولاي سليمان التوصل إلى السيطرة الفعلية على تلك الشواطئ، لكن السلطان رفض مطالب الملك الإسباني انذاك شارل الرابع، وقد نصت المادة 22 من هذه المعاهدة على أنه، “… إذا حرث (أي غرق) لجنس الاسبنيول فيما وراء سوس ووادي نون، فمن جهة المحبة التي لملك إسبانيا في سيدنا أيده الله، يبحث كل البحث ويستعمل عزمه في استنقاذ رعية المحرثين بما أمكن إلى أن يرجعوا لبلدهم”.
أما بالنسبة إلى اتفاقية 1786، فقد التزم السلطان سيدي محمد بن عبد الله بموجبها بتقديم المساعدة والحماية اللازمتين للسفن التي تجنح إلى سواحل الصحراء الأطلسية سنة 1786 في أول معاهدة شملت أحكاما تخص هذا الأمر، حيث تم إبرامها مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتنص في فصلها العاشر على مايلي: “… وإذا ما جنحت سفينة امريكية بضفاف وادي نون أو على الضفاف المجاورة له، فإن ركابها يبقون في الأمان إلى أن تتيسر العودة إلى بلادهم إن شاء الله”. وقد جدد السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام هذه المعاهدة بمعاهدة أخرى في 16 شتنبر 1836 حملت نفس الشروط، نصا وعددا، بما فيها الفصل 10 المتضمن للإشارة إلى الصحراء الجنوبية الغربية والسفن الأمريكية التي تركن إلى شواطئها، حيث أضيفت إليها عبارة: “…أو حرثت سفينة في واد نون أو غيره فإن النصارى الذين بها في الأمان حتى يصلوا بلادهم إن شاء الله” (42).
أما المعاهدات التي نظمت العلاقات المغربية البريطانية، فقد شملت أوفاقا تنصب على الإقليم الصحراوي ابتداء من اواخر القرن 18 وطيلة القرن 19. وكانت أول معاهدة أبرمها المغرب مع الإنجليز في هذا المضمار هي معاهدة الصلح والمهادنة بين المولى سليمان وملك إنجلترا جورج الثالث سنة 1801 وبالنسبة إلى إنقاذ السفن الإنجليزية جاء في الشرط 33 مايلي: “… وإذا حصل تحريث لمركز الإنكليزي بوادي نون أو بناحية من سواحله فإن سلطان مراكش يستعمل جهده في تحصيل بحريته حتى يركبوا إلى بلادهم وحتى قونصو النكليز أو نائبه يؤذن له في البحث و الوقوف ما أمكنه في تحصيل مركب حرث في تلك الناحية، ويعينه على ذلك ولاة سلطان مراكش بما يوافق المحبة”. ولقد ظل الشرط 33 محتفظا بنفس المضمون سواء مع المعاهدة التجديدية التي أبرمت بين المولى عبد الرحمان بن هشام والملك جورج الرابع في 1824، أو التي جاءت لتنظيم العلاقات المغربية البريطانية ابتداء من سنة 1856 (43).
ومع انهزام المغرب خلال مقاومته للجيوش الإسبانية، أجبر على الدخول مع إسبانيا في علاقات غير متكافئة اضطر معها إلى قبول عدة معاهدات واتفاقيات كرست هيمنة الإسبانيين واستيلاْئهم على أجزاء ترابية بشمال المغرب وجنوبه. وهكذا التزم المغرب بمقتضى الفصل الثامن من معاهدة تطوان المبرمة في 26 أبريل 1860، و التي تعتبر بداية هذه العلاقات غير المتكافئة الجديدة التي أصبحت تحكم الجانبين، التزم بتسليم قطعة أرض لإسبانيا لإنشاء مركز للصيد في المكان الذي كان يوجد فيه سنة 1478 برج “سنتا كروز Santa Cruz ” دون أن يعرف المفاوض المغربي ولا الإسباني المكان الذي كان فيه البرج (44). وإن كانت هذه الاتفاقية تكرس هيمنة إسبانيا واحتلالها لأجزاء من ترابه، فإنها تؤكد اعتراف إسبانيا بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية الجنوبية.
وجاءت معاهدة 20 نونبر 1861 في فصلها 38، لتكمل و تعزز مقتضيات الفصل 18 من معاهدة فاتح مارس 1767، والمبرمة أيضا بين المغرب وإسبانيا، وينص الفصل 38 على أنه: “إذا تعرضت سفينة إسبانية للغرق في وادي نون أو في أي نقطة أخرى من هذا الشاطئ، فإن ملك المغرب سـيـسـتعمـل كل نفوذه لإنقاذ قائد وركاب السفينة إلى حين عودتهم إلى بلادهم، وسيسمح للقنصل العام الإسباني والقنصل ونـائبه والـموظف القنصلي أو خلفائهم بأخذ جميع الأخبار والمعلومات التي يريدونها”(45).
وإذا كان المغرب يلتزم باستعمال نفوذه لإنقاذ ركاب الباخرة الغارقة، فإن ذلك يعني أنه يتمتع بسلطة في أماكن الغرق، كما أن الترخيص الذي يمنح لكي يتمكن القنصل وغيره من جميع المعلومات فلأن السلطان يملك سلطة وعلى الإسبانيين أن يتعاملوا معها ويتقيدوا بها.
وبالفعل قامت إسبانيا على إثر غرق سفينتها ” إزمرلدا” في عرض واد نون بتقديم طلب إلى سلطان المغرب للتدخل حسب مقتضيات الفصل 38 من الاتفاقية المذكورة (46).
إن تحليل مختلف الأوفاق والشروط التي تمس إقليم الصحراء الواردة في هذه المعاهدات، تسمح لنا باستخلاص بعض النتائج الثابتة، أولها أن السلاطين المغاربة تحملوا دائما الالتزام بإنقاذ ومساعدة الركاب والسفن التي تجنح إلى السواحل الصحراوية، ثانيها أن عمليات الإنقاذ والمساعدة تتم بإشراف الولاة والعمال المغاربة بالمنطقة، وأخيرا حتى قناصل الدول الأجنبية أو نوابهم الذين يساهمون في أعمال البحث والإغاثة لا يسمح لهم القيام بذلك إلا بعد حصولهم على موافقة السلطان وحيازتهم إذنا بذلك.
وعلى العموم سواء تعلق الأمر بتقديم المساعدات للسفن المتضررة بالسواحل الصحراوية أو بمنح إذن الصيد أو الاحتفاظ بحق فتح الموانئ وإغلاقها، كان السلاطين المغاربة دائما حريصين أثناء إبرامهم للمعاهدات على الشؤون التي تمس الأقاليم الصحراوية الجنوبية، الأمر الذي جعل اتفاقاتهم الدولية تحتوي على الاعتراف لهم بممارسة ولايتهم على المنطقة، لكن هناك بالإضافة إلى ذلك، معاهدات أخرى تتعدى الاعتراف الضمني وتسجل اعترافا مباشرا بشكل صريح بانتماء الأقاليم الصحراوية للدولة المغربية وسلامة الممارسة السلطانية به (47)، ويتعلق الأمر على الخصوص بمعاهدة 13 مارس 1895 المبرمة بين المغرب وبريطانيا، حول امتلاك المغرب لمنشآت شركة شمال غرب إفريقيا في طرفاية، تضمنت اعترافـاإنجليزيا بحقوق المغرب الجنوبية المحاذية للأطلسي، فالبند الأول نص على أنه في حالة شراء المخزن للشركة المذكورة “… لا يبقى كلام لأحد في الأراضي التي من وادي درعة إلى رأس بوجدور المعروف بطرفاية المذكورة، وكذلك فيما هو هذا المحل من الأراضي لكون ذلك كله من حساب أرض المغرب”. أما البند الثالث فيعتبر أن عملية شراء الشركة المذكورة شاملة ” لزينة البناء حجرا أو خشبا الذي بالبحر والذي بالبر، كما يكون شاملا أيضا شراء المخزن لذلك ولجميع ما اشتمل عليه جميع البناء المذكور الذي في البر والذي في البحر من مدافع وغيرها، ولا يبقى كلام لأحد في ذلك ولا في تلك الأراضي”(48).
والجدير بالذكر أن إبرام هذه المعاهدة كان يعد انتصارا للموقف المغربي فيما يخص أراضيه الصحراوية، فبعدما ادعت بريطانيا العظمى أن طرفاية كانت توجد خارج الحدود الجنوبية المغربية جاءت معاهدة 1895 لتعترف فيها بريطانيا بأن طرفاية والأراضي الواقعة جنوبها هي جزء لا يتجزأ من المملكة، وليس لأحد الحق في النزول بها إلا بإذن خاص من سلطان المغرب، ومن بين الأراضي المشار إليها كانت توجد أرض الداخلة المحتلة من طرف إسبانيا (49).
والملاحظ أن إسبانيا كانت تقوم في نفس الوقت بمفاوضات مع فرنسا من أجل اقتسام الأراضي المغربية برمتها، بحيث وقعت الدولتان في 27 يونيو 1900 على معاهدة جزئية كانت تخص الأراضي الصحراوية المغربية وحدها، فكان حظ إسبانيا من تلك الصحراء الشاسعة القطعة الشاطئية الممتدة من الرأس الأبيض (نواديبو حاليا) في الجنوب إلى رأس بوجدور في الشمال، أي ما كان يعرف بمنطقة وادي الذهب. وهنا يمكننا أن نتساءل لماذا جعلت الدولتان المذكورتان الحد الشمالي لعملية اقتسامها للصحراء في رأس بوجدور ؟ والجواب يكمن في أن كل من فرنسا وإسبانيا كانتا على علم بأن بريطانيا العظمى كانت قد اعترفت بمغربية الأراضي الواقعة جنوب رأس جوبي في معاهدتها مع المغرب ليوم 13 مارس 1895. وقد أقرت المعاهدات السرية الاستعمارية أيضا مغربية الصحراء ولو بطريقة ضمنية، مثل المعاهدة الإسبانية الفرنسية المبرمة في 8 أكتوبر 1904ومعاهدة 3 أبريل من نفس السنة، وجاءت معاهدة الجزيرة الخضراء أيضا والمبرمة سنة 1906 لتضمن سلامة ووحدة التراب المغربي، وتثبت امتداد السيادة المغربية من الناحية القانونية على جميع الأجزاء الجنوبية للمغرب (50).
وفي السادس والعشرين من أكتوبر 1991 نشرت جريدة “لوموند” الفرنسية مقالا لأحد الباحثين المغاربة أحد الأسرار التاريخية (51)، حيث يؤكد أن هناك وثيقة سرية غير معروفة، تعود إلى سنة 1890، بين كل من باريس ولندن، وقعت يوم 5 غشت من نفس السنة، تحدد نفوذ كل من فرنسا وإنجلترا في إفريقيا، وأنه قد تم العثور في الأيام الأخيرة على الخريطة التي تحدد هذه المناطق، وتبين الوثيقة بما لا يدع مجالا للشك أن حدود المغرب كانت تمتد من فكيك إلى الرأس الأبيض (نواديبو حاليا)، كما تبين الخريطة أنه إذا كان البريطانيون يعارضون تحديد النفوذ الفرنسي على الساقية الحمراء ووادي الذهب التي كانت مغربية، من قبل الدولتين، فإن البريطانيين كانوا يقبلون مد هذا النفوذ على الصحراء الوسطى التي انتزعت من المغرب.
إن الاتفاقية السرية المبرمة بين فرنسا وإنجلترا في خامس غشت 1890 تؤكد مغربية الصحراء، وتدل على أن القوتين الكبيرتين تعترفان بمغربية الصحراء وبممارسة السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية (52)، الشيء الذي تأكد أيضا بالعديد من الحجج والأدلة القانونية.
المبحث الثاني
الحجج القانونية حول مغربية الصحراء
إن ارتباط الصحراء بالدولة المغربية هو ارتباط أزلي، يشكل حقيقة جدلية لا مراء فيها، ذلك أنها عنصر فاعل في تاريخ الأمة المغربية لا يمكن إسقاطه بأي حال من الأحوال. ولتوضيح هذه الحقيقة، إن كنا أصلا في حاجة إلى ذلك، نتطرق إضافة إلى الحجج التاريخية الداخلية منها والدولية التي عرضنا إليها سابقا، إلى العديد من الحجج والأدلة القانونية التي تؤكد مغربية الصحراء، وارتباط سكانها منذ القدم بالسلطان المغربي وبالدولة المغربية.
وهكذا، فاتساع الرقعة الجغرافية للإيالة الشريفة دفع السلطان إلى تعيين أشخاص يمثلونه حتى يمكن للأوامر السلطانية السريان في مجموع التراب الموجود تحت نفوذه، وعليه كان السلطان يحرص على تمثيليته داخل تلك المناطق بأسلوب مرن يمكنه من أخذ فروض الطاعة منها، وذلك وفقا لمبدأ الشورى والعدل وحملهم على الطاعة والامتثال. وقد كانت مهمة القائد ممثل السلطان هي الحفاظ على الأمن والطمأنينة بالمنطقة المعين فيها وإخماد كل ما من شأنه أن يشعل نار الفتنة، وجمع الجبايات الشرعية إضافة إلى توطيد علاقات البيعة الشرعية بين القبائل والسلطان (53).
وكان تعيين الخليفة والقواد والعمال والقضاة من طرف السلاطين المغاربة يتم في عواصم المغرب المعروفة. ففي القرن الثامن الميلادي، وبالضبط سنة 720 م، وصل القائد المغربي ” الحبيب بن أبي عبيدة ” إلى الصحراء موفدا من العاصمة الشريفة، وبعده عين “عبد الله بن إدريس الثاني” عاملا على الصحراء. وقامت دولة بني مرين، فوجه السلطان المريني” يعقوب بن عبد الحق” أحد قواده عاملا على ما وراء درعة، واستقرت الأحوال بعد ذلك وظل المرينيون يجددون عمالهم طيلة قيام الدولة. وعند قيام دولة الشرفاء السعديين ظهر الاهتمام الكبير بالمناطق الصحراوية المغربية. وفي سنة 1678 قام المولى إسماعيل العلوي بالتجول في مجموع الصحراء واجتمع بجميع رؤساء القبائل وعين منهم قوادا وولاة، ونصب ابنه عبد المالك خليفة على ما وراء درعة، وبعد وفاة المولى إسماعيل توجه المولــى عبد الله إلى درعة سنة 1730 م، كما قام ابنه سيدي محمد بن عبد الله سنة 1755 بزيارة أخرى للصحراء وعين قائدا على المنطقة هو القائد “المحجوب بن قايد” (54).
إن تعيين السلطان لمن يمثله، من القواد والعمال في مختلف مناطق المغرب بما فيها الأقاليم الجنوبية، يكتسي دورا محوريا في ترسيخ وتمتين أواصر البيعة والولاء بين القبائل وسلطان المغرب، ويساعد أيضا على تيسير طرق تدبير الإدارة الترابية اللامركزية.
فقد احتج السلطان مولاي عبد العزيز في رسالة مؤرخة في 5 صفر 1318( 1900 م) وموجهة إلى القائـد ” عبد الله بن سعيد”، عضـو المخزن في طنجة، على دخـول القوات الفرنسية واختراقها الصحراء (55). وهذا ما يؤدي إلى استخلاص نتيجتين حتميتين، أولهما تمسك العرش المغربي بمغربية الصحراء وإصراره على وحدة المغرب وسيادته الترابية، والنتيجة الثانية تتمثل في الدور المركزي للقواد للإسهام في جهود ترسيخ مغربية الصحراء.
ويقوم مفهوم الدولة في المغرب على علاقة عقدية تشكل ميثاقا سياسيا بين الحاكمين والمحكومين، ويتجدد من طرف الشعب لكل سلطان يتولى الحكم، وذلك بمقتضى البيعة المكتوبة، ويلتزم السلطان من خلال هذا العقد بتحقيق غايتين تتمثلان في الدفاع عن إقليم محدود وغير قابل للتفويت وتأسيس نظام مدني كفيل بضمان الأمن للجميع.
والبيعة بهذا المفهوم تعتبر هي أساس ممارسة السيادة من خلال ولاء الأشخاص والقبائل للسلطان، وحين يصدر هذا الولاء فإنه يصبح نهائيا ويهم مجموع الإقليم الذي عبر سكانه عن ولائهم، والتعبير عن الولاء بواسطة البيعة المكتوبة يعتبر أسمى وسيلة لإقرار سيادة السلطان. وتقضي القواعد العرفية المطبقة بأن المبايعة تصبح ضرورية بعد وفاة كل سلطان حيث تتم كتابة البيعة من طرف العدول في المراكز الكبرى وتتلى في المساجد ثم توجه إلى السلطان. وتجدر الإشارة إلى أن سيادة السلطان كانت تهم مجموع إقليم الصحراء بناء على العلاقة الشخصية مع الرعية، وهي سيادة تعني في آن واحد ممارسة السلطة الدينية والسياسية، ومن هنا تتبلور خصوصية السيادة في القانون المغربي (56)، وبطريقة أخرى يمكن الجزم أن البيعة هي السيادة.
وبناء على ما سبق، سنتطرق لتعيين القواد والولاة على القبائل الصحراوية من طرف الملوك العلويين، والبيعات الشرعية، كحجج قانونية على مغربية الصحراء في إطار الحجج والأدلة القانونية العديدة والتي لا يتسع المجال لتحليلها جميعا، وذلك في فقرتين:
الفقرة الأولى: تعيين القواد والولاة على القبائل الصحراوية من طرف سلاطين المغرب.
الفقرة الثانية: البيعات الشرعية.
الفقرة الأولى: تعيين القواد والولاة على القبائل الصحراوية من طرف سلاطين المغرب
إن تعيين أحد الولاة بالصحراء كان يتم بإحدى طريقتين: الطريقة الأولى هي أن يعين الوالي من طرف أمير المِؤمنين بظهير ملكي، وقبل سنة 1912 كان لا يمكن أن يترأس أي فرد على إحدى الجهات الصحراوية إلا إذا كان بيده ظهير من جلالة الملك بفاس أو مراكش، وهذا الرئيس الذي كان يطلق عليه اسم “القائد”، كما هو الشأن في سائر أنحاء المملكة يكون محل إجلال وتقدير لا من طرف أفراد قبيلته فقط، ولكن يكون ذلك شاملا لجميع الناحية التي عين بها.
أما الطريقة الثانية، فكان يلتجأ إليها نادرا قبل سنة 1912 وهي أن يعين المسؤول من طرف أفراد القبيلة، ويلجأ لهذه الطريقة لسببين اثنين:
– بعد المسافة وعدم ملاءمة الظروف في التنقل بين الشمال والجنوب.
– الحواجز التي وضعت بين جهات الوطن، والعادة أن يجتمع أعيان القبيلة أي رؤساء الفخذات إذا كان الأمر يتعلق بتعيين رئيس القبيلة، ويتشاورون في اختيار العنصر الذي يصلح للقيادة السياسية والدينية، ويشترط أن تكون له دراية شاملة بالأعراف وليست له عداوة مع أحد في فخذة القبيلة ولا مع إحدى القبائل الصحراوية الأخرى.
وإذا تعلق الأمر بتعيين رئيس الفخذة فإن أفرادها، بالتعاون مع الرئيس العام للقبيلة هم الذين يعينونه متبعين في ذلك نظم الشورى المتبع في مختلف جهات البلاد (57) وكان يحصل فيما بعد هذا الرئيس المعين على موافقة السلطان بموجب ظهائر التوقير والإحترام.
وهذا الرئيس إما أن يكون نفوذه يشمل كافة أفراد القبيلة فيعرف بالقائد، وإما أن يكون نفوذه لا يشمل إلا فرقة فعندئذ يعرف بالشيخ. وأول مهمة تلقى على رئيس القبيلة هي الاتصال لتمتين أواصر الأخوة والتعاون بين قبيلته وجميع القبائل الأخرى، الشيء الذي يجعل ولاة القبائل الشرعيين يكونون أسرة واحدة تدافع عن مصالح المنطقة وتحافظ على استقرارها داخل كيانها الخاص، الشيء الذي يثير الانتباه هو أن رئيس القبيلة في الصحراء يعتبر محاميا متبرعا يدافع عن حق كل ضعيف من أفراد قبيلته أو من أفراد أي قبيلة أخرى ابتغاء مرضاة الله.
وهو يصد صولة الظالم ويساعد المغلوب على أمره حتى يستكمل حقوقه، وحالة إصدار الأحكام يكون الولاة حاضرين، ذلك أنهم كانوا في القديم حسب العادات المتبعة يمثلون المرجع الأعلى في النزاعات بصفتهم مستشارين شعبيين لدى القضاة ثم إنهم من جهة ثانية يكونون شبه مجلس إقليمي يتفق على وضع قرارات تنظيمية لمصلحة الإقليم الصحراوي، أي لمصلحة مجموع القبائل(58).
وتميل الدراسات التاريخية إلى اعتبار أن أول عامل أسندت إليه مهمات محددة هو “ابن موسى بن نصير” الذي استقر في درعة وكان يرسل متطوعة المصامدة ورهائنها إلى طنجة عندما كانت الاستعدادات جارية لاجتياز المضيق نحو الأندلس.
ووقع تعيين إسماعيل بن عبيد الله عاملا على السوس وما وراءه سنة 732 م، وإسماعيل هو ابن القائد الفاتح عبيد الله ابن الحبحاب. وفي عهد الأدارسة عين عبد الله بن المولى إدريس الثاني واليا على سوس وتندوف وما وراءهما، وقد أرسل المنصور السعدي القائد محمد بن سالم لتمهيد درعة والساقية الحمراء ووصل إلى نهر السنغال عن طريق الساحل الموريطاني، ونصب القائد بن سالم عاملا على هذه الصحراء هو المولى بنعيسى، وأثناء حروب أبناء المنصور استقل بودميعة بالساقية الحمراء التي وصلها في إحدى غزواته.
وعندما أعيدت الوحدة الوطنية على يد الشرفاء العلويين، انتظمت الصحراء في سلك عمالات المغرب، واهتم المولى إسماعيل ثم سيدي محمد بن عبد الله والمولى الحسن الأول نظرا لظهور الأطماع الأجنبية بهذه الأقاليم الواقعة على المحيط الأطلسي، وتتابع إرسال القضاة والولاة، وكانوا غالبا من وجوه قبائل الصحراء أنفسهم (59).
وتؤكد بعض المصادر الملكية وجود جور شائع يمارسه بعض ولاة السوء بالمناطق الصحراوية (60)، مما أدى بالسلطان مولاي سليمان إلى الاستعانة بلجن من الأمناء يبعث بها دوريا إلى الأقاليم الصحراوية لاستخلاص الجباية، سحب قواده من المنطقة تاركا تسيير الشؤون الداخلية وقضايا الأمن للقبائل نفسها، وكان على الأمناء أيضا أن يقوموا بالنظر في المظالم الرئيسية وينفذوا العقوبات فيها على الجناة ويضبطوا ما يحتاج إلى الضبط، غير أن سحب الولاة لم يستمر طويلا، ففي سنة 1803 م تولى العامل محمد الصريدي (عامل تافيلالت) جباية النواحي المجاورة حتى فيكيك، كما توجه مولاي سليمان إلى سجلماسة حيث أشرف على تنصيب حاميات الجيش بمختلف المناطق التي عين عليها ولاة جددا (61).
وفي عهد السلطان مولاي عبد العزيز، كلف هذا الأخير الشيخ ماء العينين بتعيين عمال على الصحراء بموجب تفويض مكتوب، وذلك باعتباره رئيسا لهذه الجهات يستمد نفوذه من السلطان، ويتبع خليفة المخزن بتافيلالت المولى إدريس بن عبد الرحمان بن سليمان، وبهذه الصفة وجه الشيخ رسائله إلى رؤساء كنتة وتكنة والعروسيين وغيرهم. وقد ظل الولاة والرؤساء يتوارثون ظهائر التعيين إلى زمن ليس بالبعيد، وقد قدم مختلف زعماء القبائل ظهائر تعيينهم للتجديد بعد استقلال المغرب (62).
وقد زاول الولاة والقواد مهامهم بالصحراء المغربية منذ القدم، وكانت لهم علاقة وثيقة بالشؤون الصحراوية في إطار الترابط التام مع سلطة المخزن وسلاطين المغرب الذين عينوهم، حيث كانت تجمع بينهم أحيانا إضافة إلى علاقات الانتماء للوطن الواحد علاقات الدم والقرابة (63).
وهكذا، يتضح جليا أن السيادة المغربية تمارس في الصحراء بواسطة نائب الخليفة وقواد من كل القبائل عملوا على تمتين الأواصر والروابط بين الدولة المغربية والأقاليم الجنوبية منذ القدم.
فالعادة هي أن يفوض السلطان إلى القائد أو الشيخ مهمة تحقيق أغراض البيعة في منطقة نفوذه، وبواسطة هذا التفويض يتوحد الهيكل الاجتماعي المغربي تحت زعيم واحد هو السلطان أي صاحب السلطة العليا (64).
وبصفة عامة، فالصحراء ما فتئت أرضا مغربية وجزءا لا يتجزأ من تراب المملكة المغربية بحكم كل أنواع الروابط القانونية والسياسية والاجتماعية، ذلك أنه لم يثبت قط في التاريخ أن استسلم الملوك المغاربة ولا القبائل الصحراوية للضغط الأجنبي الرامي إلى احتلال الصحراء وفصلها عن المغرب، لأن روابط سلاطين المغرب بقبائل الجنوب كانت دائما قوية وترسخها علاقات البيعة الشرعية.
الفقرة الثانية: البيعات الشرعية كأداة لترسيخ مغربية الصحراء
البيعة هي الصفقة على إيجاب البيع وعلى المبايعة والطاعة، والبيعة والمبايعة هي الطاعة نفسها، يقال تبايعوا على الأمر أي أصفقوا عليه، وبايعه على الأمر أي عاهده.
والمبايعة هي المعاهدة والمعاقدة، كأن كلا من الطرفين باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له(65).
وقد عرفها ابن خلدون بأنها العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر.. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل، أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازا لما كان هذا الخضوع في التحية والتزام الآداب من لوازم الطاعة وتوابعها (66).
وبخلاف طقوس البيعة التقليدية في الإسلام، نجد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في خطابه الموجه إلى الأمة في 16 أكتوبر 1975 المعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء، يضع مسألة كتابة البيعة في مقدمة المميزات التي تطبع هذه الأخيرة في المغرب، ذلك أن المغرب هو: “..الدولة الوحيدة التي لم تكتف بالبيعة الشفوية بل ما ثبت في تاريخ المغرب وفي أي دولة مغربية أنه وقعت بيعة شفوية بل كانت دائما بيعة مكتوبة..”.
أما المعنى الفقهي السائد لمفهوم البيعة فيذهب إلى تعريفها بأنها العهد الذي يأخذه الإمام تجاه أفراد الأمة بأن يقوم بأمرهم وأمر دينهم حسب ما يفرضه كتاب الله وسنة نبيه، ويأخذ بمقتضاه عليهم أن يساندوه ويقفوا بجانبه فيما أمر الله به ليكون قويا إزاء الظالم حتى يأخذ الحق منه، وضعيفا أمام المظلوم حتى يأخذ الحق له (67).
إن ربط فكرة البيعة بالولاء والطاعة يجعل من هذه الأخيرة لا تخرج عن إطار المفهوم الغربي “allégeance ” ذات البعد السياسي المدني فقط، أما بالنسبة إلى البيعة في المفهوم الشرعي الإسلامي فلها عدة أبعاد أكثر عمقا من البعد السياسي، ولعل أخطرها وأهمها البعد الذي يلتقي فيه السياسي بالشرعي الذي تخرجت عنه الدولة الإسلامية الأولى على عهد رسول الإسلام (ص) والذي طبعها وميزها عن نظيراتها في العالم باقتران السياسي بالشرعي، كما أن هذا البعد هو الذي كان وراء إقامة الدولة المغربية عند كل بداية أسرية من بداياتها.
و لما كانت البيعة في الإسلام بهذا البعد، فلا يسعنا إلا أن نؤكد على أهمية عنصر الأرض بالنسبة إلى البيعة، لأن إقامة أية دولة و في أية حقبة لا يمكن أن تتم بمعزل عن هذا العنصر الأساسي، كما أن منح البيعة يصير دون معنى في غياب هذا العنصر الحساس. ففي التاريخ الإسلامي عامة وتاريخ المغرب خاصة، كانت البيعة دائما مقرونة بالأرض، فلم نقرأ أبدا عن بيعة مجردة عن اسم الإقليم الذي صدرت عنــه، وإنما نقرأ دائما بالبيعة مقرونة باسم الإقليم أو القبيلة التي بايعت، لان البيعة وكما أكدنا سابقا ليست مجرد عهد على الطاعة بل إنها بيعة على الأرض التي تعتبر من ثوابت الدولة الإسلامية ومن عناصر استمراريتها كأي دولة من دول العالم القديم أو الحديث.
وبناء على ذلك يعبر اقتران البيعة باسم البلدة أو الإقليم الذي يعطيها عن دخول هذا الإقليم المبايع للسلطان ضمن الحوزة الترابية التي يحكمها، وهكذا تصير بيعتها في عنقه بمعنى أن أرض الإقليم الذي بايع سكانه تطالب السلطان بالدفاع عنه في حالة وجود خطر خارجي يتهدده.
وماذا يعني أيضا أن البيعة في المغرب لم تكن أبدا شفوية بل كانت مكتوبة، إن لم يكن ذلك تأكيدا خطيا على اقتران البيعة بعنصر الإقليم، وهل بالإمكان كذلك اعتبار ارتباط البيعة بالأرض السبب الرئيسي والدافع الحقيقي وراء كتابة البيعة، فالوثائق التاريخية كثيرة بهذه البيعات التي أعطيت للسلاطين والتي كانت تأتي مكتوبة باسم القبيلة أو البلدة التي أعطت البيعة (بيعة فاس، بيعة الداخلة…) (68).
فالبيعة إذن هي الركن الأساسي للدولة المغربية، وقد ظلت رمز إنقاذ للوحدة ولجمع كلمة الأمة ولإخراج البلاد من هوة التخلف، وللوقوف في وجه المحاولات الأجنبية ولبسط نفوذ ألوية الأمن على سائر ربوع المملكة، وهذا ما جعل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني يؤكد أن ممارسة البيعة عنصر جوهري في النظام الملكي المغربي ليس على المستوى الدستوري، بل على المستوى المؤسساتي، فنص البيعة يبارك ويزكي الخليفة، كما أن البيعة كانت دوما بمثابة تلك الآصرة التي تربط بين الملك من جهة وبين رعاياه من جهة أخرى.
وتعتبر البيعة عقدا شرعيا يلزم الرعية بالطاعة والإخلاص للسلطان، الذي يصبح بذلك مسؤولا بالدرجة الأولى عن حماية شؤون المواطنين المبايعين والدفاع عن حوزة البلاد التي يسكنونها، وبذلك تتحقق سيادته الكاملة عليها، وشمول سلطته لجميع أطرافها بالممارسة والمزاولة، وقد كان هذا هو الأمر بالنسبة إلى جميع الأطراف المملكة المغربية، ومن ضمنها إقليم الصحراء، وحتى في الوقت الذي جزأ فيه الاستعمار أطراف البلاد، بقيت بيعة السكان قائمة في الشمال والجنوب، تتمثل أساسا في الدعاء للسلطان على المنابر في أيام الجمعة والأعياد تأكيدا لهذه البيعة.
وهناك ملاحظة جديرة بالاعتبار، وهي أن جميع المعاهدات الدولية المتعلقة بالمغرب، والمبرمة قبل الحماية قد نصت على وجوب احترام “سيادة السلطان الكاملة وتمام إيالاته”، ذلك أن سيادة المغرب الترابية تتمثل – حسب الأعراف والتقاليد السياسية المغربية – في العاهل الذي هو المؤتمن عليها.
وقد كانت البيعة الشرعية بمثابة وثيقة قانونية يؤكد فيها المواطنون، بواسطة ممثليهم، ولاءهم للعاهل واعترافهم بشمول سيادته (أي سلطانه الفعلي) على مجموع أراضي مملكته، ولما كانت الوثائق قد أثبتت رعوية قبائل الصحراء الغربية لملوك المغرب عن طريق البيعة التي هي، باعتراف محكمة العدل الدوليـة،
رباط قانوني أي تترتب عنه حقوق وواجبات، فإن هذه البيعة إنما تؤكد شمول سيادة ملك المغرب للصحراء، أي وجود روابط السيادة الإقليمية التي كان من مظاهرها التزام السلطان دوليا – أي بواسطة المعاهدات – بكل ما يترتب عن هذه السيادة من الدفاع عن الحوزة وحماية رعايا الدول الأجنبية الموجودين فوق تراب المملكة (69).
إن مبايعة سكان الصحراء للملوك العلويين لم يكن المراد منه الاعتراف بحكمهم أو الولاء والطاعة لهم فقط، بل إنه اعتراف يجعل من الصحراء أرضا مغربية على السلطان حمايتها والدفاع عنها من الأطماع الأجنبية، وهذا ما يؤكده تاريخ المغرب، كما أن تعيين الأقاليم بأسمائها وتوقيعات رؤسائها في البيعة التي ترفع إلى سلاطين المغرب يمكننا من التعرف على حدود الدولة، وبالتالي امتداد أرض المملكة وحدودها فضلا عن معرفة الأراضي التابعة أو الخارجة عن نفوذها (70).
ومن بين البيعات الشرعية للقبائل الصحراوية، والتي كان لها ارتباط وثيق بالملوك والسلاطين المغاربة، نذكر البيعات التالية على سبيل المثال كنماذج للبيعات الشرعية المتعددة التي ظلت تتوارد على سلاطين المغرب من القبائل الصحراوية منذ قيام الدولة المغربية(71):
1- بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة ودليم وبربوش والنغافرة ووادي مطاع وجرار وغيرهم، للمولى إسماعيل، وكان ذلك سنة 1089 ه عندما غزا صحراء السوس، فبلغ أقا وطاطا وتيشيت وشنجيط وتخوم السودان، وقد تزوج آنذاك المولى إسماعيل الحرة خناثة بنت الشيخ بكار المغفري.
2- بيعة أهل توات للسلطان عبد الملك بن مولاي إسماعيل سنة 1140ه / 1728م.
3- بيعة للسلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام بمبادرة أحد الشيوخ الأعلام من صحراء شنكيط، وهو ابن طوير الجنة الطالب احمد المصطفى الشنكيطي التشيني الوداني.
4- بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا من الشيخ المختار الكنتي الحفيد ابن محمد بن المختار.
5- بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا للشيخ احمد البكاي بن محمد بن المختار الكنتي.
6- بيعة للسلطان محمد الرابع من إمام تندوف الشيخ محمد المختار ابن الأعمش الجنكي، وفيها يعلن عن بيعة الإقليم للسلطان العلوي محمد الرابع.
7- بيعات الشيخ ماء العينين إلى السلاطين المغاربة، والذي كانت علاقاته بالحكومة الشريفة على أحسن وجه، ذلك أنه كان يعتبر فيما بين سنتي 1888 و1900 نائبا للمخزن في الصحراء لا فرق بينه وبين نواب السلطان في مراكش ومكناس وتافيلالت.
وفي سنة 1887 دأب السلطان مولاي الحسن الأول على مقابلته في مدينة مراكش. وفي سنة 1896 مثل بين يدي السلطان مولاي عبد العزيز الذي استقبله بما يليق به من التحية والاحترام، وقد حمل معه طاعة أهل الصحراء وتعلقهم، مما جعل السلطان يكافئ رعاياه الصحراويين على ذلك بإزالة الضريبة عنهم وإعفائهم من الواجبات المعلومة للمخزن التي كانت توفرها على ظهور الإبل وتسلم للنائب السلطاني في مراكش. وهكذا نلاحظ مدى ارتباط هذا الشيخ الذي يعتبر من بين الشخصيات الهامة والبارزة في الصحراء بالملوك العلويين، حيث اتصل أولا بالمولى عبد الرحمان بن هشام، ثم بابنه محمد الرابع، ثم بالحسن الأول، ثم بالمولى عبد العزيز، ثم بالمولى عبد الحفيظ، مما يجعلنا نؤمن بمدى العلاقات التي تجعل الطرفين يرتبطان ارتباطا عميقا، الشيء الذي يدحض كثيرا من الأقاويل المفتعلة ضد السيادة المغربية على صحرائها.
أما عن البيعات التي صدرت بعد استرجاع الصحراء، فقد كانت تحترم كافة العناصر المغربية الإسلامية المميزة للبيعة في المغرب، فالبيعة التي بعث بها رئيس الجماعة الصحراوية السيد خطري ولد سيدي سعيد الجماني إلى ملك المغرب يوم 2 نونبر 1975 من “لاس بالماس” تقدم كافة العناصر التقليدية من التقاء الأيدي والآية العاشرة من سورة النصر.. ولكن نظرا إلى أن الأمر يتعلق هنا بتجديد للبيعة، فسنجد التأكيد على التشبث بالعهود التي قامت بين الأسلاف، يقول السيد خطري الجماني: ” لقد شرفتني يا مولاي بخطابكم السامي وأذنتم لشخصي الضعيف للمثول بين يدي جلالتكم بمراكش عاصمة الجنوب بتجديد البيعـة
وتأكيد العهود التي كانت تربط بين أجدادكم المنعمين وبين خدامهم من آبائنا وأجدادنا.. مولاي، إنني أبايعك وأعاهدك كما بايع وعاهد أجدادي أجدادك المنعمين…”.
ومن جهة أخرى نجد أن البيعة التي بعثها سكان الداخلة ووادي الذهب المؤرخة في 13 غشت 1979 والمحررة من قبل قاضي المنطقة السيد حبيب الله بن أبوه والتي وقعها ممثلون عن مختلف القبائل الصحراوية، تركز اهتمامها على ملك المغرب كضامن للسلام (72)، فمنذ السطور الأولى لنص هذه البيعة سنلاحظ هذا الانشغال، فالوثيقة تبتدئ بحمد الله “الذي نظم بالخلافة شمل الدين وصان بها الدماء والأموال والأعراض وغل بها أيدي الجبابرة عن مفاسد الأعراض”، ثم تتابع في هذا السياق لتؤكد على ضرورة إيجاد من يحكم البلاد عندما تقول ” وقال الرسول (ص) إذا مررتم بأرض ليس فيها سلطان فلا تدخلوها، إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض” ثم تؤكد على لزوم تقديم البيعة، قال الرسول (ص): ” من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية”.
هكذا نجد إذن أن لهذه البيعة المجددة مبرراتها التي تندرج في إطار التعاقد الأولي الذي يقدم الحاكم حمايته للمحكوم، على أساس مبايعة هذا الأخير له (73). فالبيعة بهذا المفهوم تفيد معنى من معاني السيادة السياسية والقانونية، كما أنها أحد الأسس الجوهرية لنظام الحكم بالمغرب، ذلك أن كل الدول المتعاقبة في المغرب قامت على أساس البيعة الشرعية ومن تم كانت الصحراء المغربية، وبعد أن أثبتت محكمة العدل الدولية وجود روابط بيعة بينها وبين المملكة المغربية، جزءا لا يتجزأ من مناطق نفوذ السيادة المغربية، كما هو الشأن بالنسبة لأي إقليم من أقاليم المملكة (74). ومما تجذر الإشارة إليه، الدور الفاعل لعلماء الصحراء المغربية في توثيق روابط البيعة والحض على القيام بواجب الطاعة والتمسك بالبيعة الشرعية للملوك العلويين (75)، وهكذا يؤكد ارتباط الإقليم الصحراوي بالدولة المغربية ارتباطا ثابتا وراسخا وسياديا، يواكب الارتباط الدائم المتصل لقبائله بالسلاطين المغاربة عبر عقود البيعات الشرعية المتوالية والمتجددة.
هوامش الدراسة:
(1) خالد الناصري، “الصحراء المغربية: نظرة واقعية ومتبصرة”، وارد في: معركة فلسطين العربية ومعركة الصحراء المغربية معركة وحدة الأمة العربية المتحررة، مؤلف جماعي، الدار البيضاء، مطابع البيان، يوليوز 1979، ص 19.
(2) عبد الحكيم بديع، البوليساريو من التأسيس إلى التفكك، الرباط، (بدون ذكر اسم دار النشر)، 1995، الطبعة الأولى، ص 14.
(3) راجع غوفير عبد الحق، الصحراء الغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط، 1993-1994، ص 85.
(4) انظر عبد الوهاب بن منصور، حفريات صحراوية مغربية، الرباط، المطبعة الملكية، 1975، ص 23.
(5) انظر عبد المجيد بن جلون، مذكرات المسيرة الخضراء، الدار البيضاء، شركة الطبع والنشر، 1975، ص 32.
(6) عبد السلام المودن، الدولة المغربية: قضايا الديمقراطية، القومية والاشتراكية، الدار البيضاء، عيون المقالات، 1990، الطبعة الأولى، ص 72.
(7) “أدلة دامغة تؤكد مغرية الصحراء”، مجلة الأمن الوطني، العدد 196 مرجع سابق، ص 6.
(8) انظر عبد العزيز خلوق التمسماني، بحوث ونصوص حول تاريخ المغرب المعاصر، المحمدية، منشورات سليكي إخوان، 1996، الطبعة الأولى، ص 35.
(9) صدوق محمد أبيه، الصحراء المغربية قبل الاحتلال وبعده، الجزء الأول، العيون، مطبعة فضالة، 1989، الطبعة الثانية، ص 123.
(10) محمد عنان، الصحراء المغربية حقيقة وتاريخ، مرجع سابق، ص 25.
(11) مقتطف من تصريح وزير الداخلية المغربي الأسبق السيد إدريس المحمدي في الندوة الصحفية التي عقدها يوم 9 مارس 1958، انظر: مجلة إضاءات، العدد الأول يناير 1999، ص 33.
(12) voir Ali Yata، le Sahara occidental marocain، Casablanca، Ed. ALBAYAN، Octobre 1972، p 31.
(13) جريدة الصحراء المغربية، العدد 4005، بتاريخ 7 يناير 2000.
(14) Ali Yata، Le Sahara occidental marocain، op. cit، p 92.
(15) سوف نتطرق لتحليل مضامين هذه الاتفاقية في الفقرة الثانية من هذا المطلب.
(16) La marocanité du Sahara، voir le site Internet:http//www.courrier international.com/dossiers
(17) Rachid LAZRAK، le contentieux territorial entre le Maroc et l’Espagne، CASABLANCA، DAR el Kitab، 1979، p 137.
(18 ) F. Trout، Morocco’s Sahara frontiers، Genève، Drog، 1969، p 156.
(19) راجع أحمد السلمي الإدريسي، محاولة في مفهوم الروابط القانونية بين الدولة المغربية والأقاليم الصحراوية قبل 1912، رسالة، مرجع سابق ص 109
(20) نفس المرجع، ص 111.
(21) نفس المرجع و الصفحة.
(22) Abdellah LAROUI، L’algerie et le Sahara marocain، CASABLANCA، Serar، Juin، p28.
(23) محمد الفاسي وعبد الكبير الفاسي، الصحراء المغربية الواقعة تحت الاستعمار الإسباني، الرباط، مطبعة الأنباء وزارة الإعلام، (بدون ذكر سنة النشر)، ص 7.
(24) بخصوص الرحلات والتنقلات والزيارات التي كان يقوم بها سلاطين المغرب إلى إقليم الصحراء، نؤكد أنه خيار مغربي ترسخ منذ بداية الدولة المغربية، وذلك لتفقد شؤون الرعية والقيام بأعمال تنموية بالإضافة إلى تقوية الروابط بين العرش والشعب.
وهكذا قام المولى إسماعيل مثلا برحلة إلى الصحراء، وتزوج من أسرة صحراوية، ورحلت معه زوجته إلى العاصمة مكناس آنذاك، وأصبح الصحراويون مرتبطين برباط المصاهرة مع السلطان، راجع:
-محمد المختار السوسي، ايليغ قديما وحديثا، الرباط، المطبعة الملكية، 1966،ص228.
-باهي محمد احمد، ً الكفاح الوطني في الصحراء المغربية ضد قوات الاحتلال والغزو ً، دعوة الحق، العدد الأول، السنة السابعة عشرة، ماي 1975، ص160.
(25) أحمد السالمي الادريسي، محاولة في مفهوم الروابط القانونية…..، مرجع سابق، ص117.
(26) أحمد السالمي الادريسي، محاولة في مفهوم الروابط القانونية… مرجع سابق، ص133.
(27) علال الأزهر، الصحراء المغربية: الوحدة والتجزئة في المغرب العربي، مرجع سابق، ص 96.
(28) محمد الشيخ الطال أخيار ماء العينين، “صفات من دفاع المغاربة عن السيادة والوحدة الترابية ما بين 1900 و1913: نماذج من الصحراء المغربية”، وارد في: المقاومة المغربية ضد الاستعمار، 1955: الجذور والجليات –أعمال ندوة-، أكادير منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية 1997، ص 132.
(29) إدريس الناقوري، “اسهام القبائل الصحراوية في مقاومة المستعمر الإسباني والفرنسي وفي تحرير الأقاليم الجنوبية”، وارد في: المقاومة المغربية ضد الاستعمار، المرجع السابق، ص 391.
(30) Edouard MOHA، Les relations Hispano Marocaines، OP. cit. p 84.
(31) نور الدين بلحداد، “دفاع المخزن المغربي عن وحدته الترابية وعن وحدته الترابية وعن حقوقه المشروعة في الأقاليم الجنوبية”، مجلة المناهل، العدد 49 السنة العشرون، نونبر 1995، ص 107.
وانظر أيضا: إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، الجزء الثالث، الدار البيضاء، دار النشر الحديثة، 1985، الطبعة الأولى، ص ص 308-316.
وللتوسع أكثر حول موضوع جذور المقاومة في الصحراء وعلاقة سلاطين الدولة المغربية بهذه المقاومة، راجع دراسة: حسن اوريد، “جذور النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية” جريدة الصحيفة، العدد 11، 20-26 نونبر 1998.
(32) “المقاومة المسلحة بالجنوب المغربي: 1912-1917، ثورة أحمد الهيبة وقبائل الصحراء وسوس نموذجا”، بدون مؤلف، مجلة المقاومة وجيش التحرير، العدد 37، 1994، ص 29.
) 33( Concernant la personne et l’œuvre de Ma EL Aïnïan، voir:
– Mohamed BOUGHDADI، Le passé et le présent marocains du Sahara، op. cit، pp 189-19
– Robert Rézette، le Sahara occidental et le frontières marocainses، Paris، Nouvelle éditions Latines، 1975، pp 70-77.
وللاطلاع أكثر على دور الشيخ ماء العينين في مواجهة المحاولات الأوروبية لاستعمار الصحراء، راجع:
*شبيهنا ماء العينين، الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، الرباط، مطبوعات الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي، 1995.
(34) عرض الباحث محمد ابن عزوز حكيم في الجزء الأول من كتابه: السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، (مرجع سابق)، أكثر من 360 وثيقة أغلبها عبارة عن رسائل من السلاطين المغاربة إلى نوابهم وخلفائهم بمنطقة الصحراء المغربية.
(35) شبيهنا ماء العينين، الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، مرجع سابق الذكر، ص 133.
(36) أنظر السعيد بوركبة، أضواء على عمق الروابط بين قبائل الصحراء المغربية وملوك الدولة العلوية ً مجلة دعوة الحق، العدد 341، السنة الأربعون، مارس 1999، ص 97-98.
(37) نفس المرجع.
(38) مجلة الفنون، عدد خاص عن المسيرة الخضراء، مرجع سابق، ص 121.
Voir aussi: Mohamed BENNOUNA، « l’affaire du Sahara occidental devant la cour internationale de justice »، R.J.P.E.M. NUMERO 1 DECEMBRE 1976، P 102.
(39) راجع شبيهنا ماء العينين، الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، مرجع سابق، ص 42.
Voir extraits du traité du 1 er mars 1799 au: Rachid LAZRAK، op.cit، p 391.
(40) أنظر احمد السالمي الإدريسي “الأقاليم الصحراوية في الاتفاقيات الدولية المغربية ما قبل الحماية”، مجلة أبحاث، العدد الثامن، السنة الثانية خريف 1985، ص23.
(41) المرجع السابق، ص 24.
(42) أنظر محمد رضوان، منازعات الحدود في العالم العربي: مقاربة سوسيو تاريخية وقانونية لمسألة الحدود العربية، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق، 1999، ص51. وأنظر أيضا، عبد العزيز خلوق التمسماني، مقالات ووثائق حول تاريخ المغرب المعاصر، طنجة، منشورات سليكي إخوان، 1997 الطبعة الأولى، ص11.
وأيضا محمد ابن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، م.س. ص13
وللإطلاع على تفاصيل اتفاقية 1860، راجع جرمان عياش، دراسات في تاريخ المغرب،الرباط، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، 1986، ص ص 311-320.
(43) مجلة الفنون، عدد خاص. مرجع سابق، ص 121.
(44) أنظر فؤاد أخريف، قضية الصحراء ما بين التاريخ والقانون والسياسة، الرباط، مطبعة المعارف، 1988، ص27.
(45) احمد السالمي الادريسي، ” الأقاليم الصحراوية في الاتفاقيات الدولية المغربية قبل الحماية “، مرجع سابق، ص 25.
(46) انظر علي الشامي، الصحراء الغربية عقدة التجزئة في المغرب العربي، مرجع سابق ص46
Voir aussi: « Fondements histroriques et juridiques de la marocanité du Sahara »، site Internet: www.mincom.gov.ma/french
(47) محمد ابن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، الجزء الأول، مرجع سابق، ص16.
(48) انظر، “الدبلوماسية المغربية في عشر سنوات: من مارس 56 إلى مارس 66″، بدون ذكر اسم المؤلف، الرباط، مطبعة الأنباء،1966، ص30
(49) ويتعلق الأمر بالأستاد محمد برادة راجع احمد مهابة، “مشكلة الصحراء الغربية بين الاستثناء والحل التفاوضي”، مرجع سابق، ص208.
(50) للإطلاع على تفاصيل اتفاقية 5 غشت 1890 انظر، محمد برادة، اتفاق سري يؤكد مغربية الصحراء الغربية”، عرض غير منشور القي من طرف الباحث على هامش الملتقى الوطني الأول حول: “ثقافة الصحراء المغربية: المكونات والخصائص”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك الدار البيضاء، شعبة اللغة العربية وآدابها، 12-13-14 أبريل 2000.
(51) أنظر عبد الرحمان شحشي، ” ممثلو المخزن بالبوادي المغربية”، جريدة الاتحاد الاشتراكي، العدد 6289، 28 أكتوبر 2000.
(52) أنظر محمد احمد باهي، الليث سيدي احمد الركيبي، مرجع سابق، ص 23-24.
(53) الحسن الثاني ملك المغرب، التحدي، مرجع سابق، ص324.
(54) انظر محمد تاج الدين الحسيني، وسائل حفظ السلام في العلاقات الدولية المعاصرة ودورها في تسوية نزاع ” الصحراء الغربية”، مرجع سابق الذكر، ص126.
(55) انظر محمد الغربي، الساقية الحمراء ووادي الذهب، الجزء الأول، الدار البيضاء، دار الكتاب، (بدون ذكر تاريخ النشر)، ص171.
(56) المرجع السابق، ص172.
(57) لم يكن العاهل مولاي سليمان مطمئنا على الأوضاع بالصحراء بسبب جور بعض الولاة وانعدام المقدرة لدى معظمهم، وسياسة القهر الضرائبي التي مارسها المسؤولون المركزيون، وهكذا فإن القائد الحكماوي الذي أوفد لتحصيل الجباية سنة 1796 م بتافيلالت، استخلص بالشدة مائة وثلاثين قنطار فضة و 50 ذهبا.
(58) راجع إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، الجزء الثالث، الدار البيضاء، دار الرشاد الحديثة، 1985، الطبعة الأولى، ص146.
(59) راجع محمد الغربي، الساقية الحمراء ووادي الذهب، مرجع سابق الذكر، ص175.
(60) للاطلاع على لائحة تضم أغلب الولاة والقواد الذين زاولوا مهامهم بالصحراء المغربية. راجع محمد ابن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، مرجع سابق، ص ص 26-50.
(61) راجع عبد الله العروي: “الجذور الاجتماعية الوطنية المغربية”، وارد في: مدخل إلى تاريخ المغرب الحديث من عصر الحسن الأول قدس الله روحه إلى عصر جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله، أشرف على إعداده عبد الحق المريني،الرباط، مركز الدراسات والبحوث العلوية، وزارة الشؤون الثقافية، 1996 ص12.
(62) راجع مصطفى قصير العامري، الشورى والبيعة ودورهما في انعقاد الإمامة الكبرى، بيروت، المركز الإسلامي للدراسات، 1996، الطبعة الأولى، ص104.
(63) انظر ابن خلدون، المقدمة، بيروت، دار القلم، 1984، الطبعة الخامسة ص209.
(64) أنظر محمد الإدريسي العلمي، “القانون الوضعي واسترجاع الصحراء”، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، العدد 3، دجنبر 1977، ص 98.
(65) الدكتور عبد الحميد سحبان، ” البيعة.. المؤسسة العريقة.. ” جريدة الصحراء المغربية، العدد 3578، 6 نونبر 1998.
(66) حمداتي شبيهنا ماء العينين، “كيف حافظت البيعة على بقاء الملك في الدوحة العلوية، وأثر ذلك على وحدة الدولة واسترجاع السيادة”، أشغال الدورة الثانية لندوة البيعة والخلافة في الإسلام، الجزء الثاني، العيون، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،1994، ص36.
(67) أنظر الحديث الصحفي لجلالة الملك المغفور له الحسن الثاني لمجلة “جيو بوليتيك” الفرنسية والمنشور يوم 14 ماي 1997، وارد في: خطب وندوات صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، مارس 1997 – مارس 1998، الرباط، نشر وزارة الاتصال، 1998، ص105.
(68) الحسن الثاني، ذاكرة ملك، (بدون ذكر مكان النشر)، الشركة السعودية للأبحاث والنشر، 1993، الطبعة الثانية، ص55.
(69) راجع محمد العربي الخطابي، “مفهوم البيعة والسيادة الترابية”، مجلة الفنون، عدد خاص عن المسيرة الخضراء،1976، ص127.
(70) أنظر عبد الحميد سحبان، “البيعة..المؤسسة العريقة…” مرجع سابق الذكر.
(71) أنظر الدكتور سعيد بوركبة، ” أضواء على مدى عمق الروابط بين قبائل الصحراء المغربية وملوك الدولة العلوية: ارتباط ثابت بالبيعة والولاء التاريخي الوطيد”، جريدة الصحراء المغربية، العدد 3931،25 أكتوبر 1999
(72) هذه البيعة هي تجديد لبيعة سابقة محررة من طرف السيد إبراهيم الليلي قاضي عيون الساقية الحمراء باسم سكان الصحراء المغربية في نونبر 1974. انظر نصها الكامل في انبعاث أمة، الجزء التاسع عشر،1974، مرجع سابق، ص 274.
(73) انظر الحسين بو زينب، البيعة و ارتباط الصحراء بالمغرب، مجلة المناهل، العدد 49، مرجع سابق، ص 45.
(74) انظر عبد القادر الإدريسي،… و دخل الحسن العيون، الرباط، مطبعة الرسالة، 1985، ص 289.
(75) انظر في هذا الصدد، الشيخ ماء العينين لارباس، ” وفاء علماء الصحراء لبيعة الملوك العلويين “، أشغال الدورة الثانية لندوة البيعة والخلافة في الإسلام، الجزء الأول، العيون، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،1994.