مدخل
قبل نشأة الدولة المدنية الحديثة في ليبيا في اواخر العام 1951 كان تاريخ ليبيا بمثابة تاريخ قبائلها! ويري الكثيرون من الباحثين والمهتمين بالشأن التأريخي أن تاريخ ليبيا هو تاريخ القبيلة بامتياز ويعزي هذا الامر الي الحضور الطاغي للقبيلة في شؤون الفرد الليبي في كافة تجلياته حيث لعبت القبيلة ولقرون دور الدولة في حياة الفرد الليبي, فبالإضافة الي كونها المظلة الاجتماعية للفرد فقد كانت الحاضنة والحماية الامنية ومجال النشاط الاقتصادي والرافعة السياسية التي استظل بظلها الانسان الليبي ووفرت له الحماية والأمن والأمان كما كانت مجال التحالفات زمن السلم والحرب. لذا ارتبط الانسان الليبي عضويا بالقبيلة في كافة مراحل عمره. إذ يتكون النسيج الاجتماعي الليبي من عرب وامازيغ وتبو وطوارق يتشكلون في قبائل تقدر بأكثر قليلا من 140 قبيلة الفاعل تاريخيا منها 36 قبيلة لعبت ادوارا مفصلية في تاريخ ليبيا الوسيط والحديث. و راهنا، ينتمي حوالي 90% من مجموع الشعب الليبي الي قبائل في حين ان 10% فقط التي هي التي لا ترتبط عضويا بقبائلها او ان الصلة معها قد انقطعت وتعيش هذه النسبة في الحواضر الشمالية لمدن الساحل الليبي.
لا يخفي علي بال الدور المحوري الذي لعبته القبيلة بنظمها وانساقها وبناها الاجتماعية في حقبة المقارعة العسكرية مع الاستعمار الايطالي حيث كان للحماسة والتأطير القبلي دورا في اطالة امد المقارعة لعقدين من الزمن متتاليين دون هوادة. وعمل الآباء المؤسّسون للدولة الليبية الحديثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الي التأصيل المعرفي للدولة المدنية الحداثية التي تتجاوز القبيلة وتلغي دورها السياسي والاقتصادي إلا أنهم اصطدموا بالواقع الاجتماعي عند الاعلان عن الدولة الليبية الحديثة في العهد الملكي حيث ظلت القبيلة ولعقدين من الزمن المحدد الاساسي للتوازنات والتحالفات السياسية كما عرف البلاط الملكي كيف يوظف البعد الاجتماعي في ادارة لعبة الاختلاف داخل دائرة المسيطر عليه سياسيا كما عملت النخبة السياسية التي حاربت القبيلة في بداية نشأة المملكة الليبية الي العودة الي حواضنهم الجهوية لتوظيف القبيلة سياسيا باعتبارها خزان انتخابي عند الاستحقاقات السياسية الموسمية.
وفي مرحلة تولي العقيد معمر القذافي السلطة، تمت اعادة الاعتبار للمكون القبلي حد المبالغة ولا سيما بعد ان غدت جزءً ا أصيلا من الطرح الفكري لتلك المرحلة وتم الاحتفاء بالقبيلة وتراثها وقيمها ومثلها عبر مقولات ترسّخت في وجدان الانسان الليبي لعقود اربع لعل اكثرها اختزالاً الشعار الذي صار ايقونة لتلك المرحلة (وانتصرت الخيمة على القصر).
قراءة حالة
الاحداث الدراماتيكية التي شهدتها ليبيا منذ العام 2011 والتي أدت الي تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وعض الدول العربية بناءً علي قراري الأمم المتحدة 1970 و 1973،وما أعقبه ذلك التدخل من دمار لوطن وشعب وأرض وسيادة, حيث تم القضاء على أكثر من 70 % من المؤسسات التي كانت قائمة وتؤدي مهامها بدرجات متفاوتة، وكذلك تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية خلال الحرب أو في المراحل التي تلت الحرب التي سلم فيها ذلك التحالف ليبيا إلى تشكيلات مسلحة. وكانت من تداعيات ذلك التدخل ان تحولت ليبيا إلى أرض حاضنة للإرهاب وتفريخه وتدريبه وتصديره بتواطؤ من بعض الدول وامام صمت وتجاهل المجتمع الدولي، وسعت تلك التشكيلات المسلحة الي تمزيق النسيج الاجتماعي الليبي وضرب الرابط الاجتماعي القبلي لأنه وقف مانعا قويا ضد كثير من الجرائم والانتهاكات, كما كان للقبائل الدور البارز والوحيد في احيان كثيرة في احتواء تبعات الكوارث والتقليل من تعاظم خطرها بدرجة كبيرة جدا، كما ساهمت القبيلة وبشكل منفرد في حل كثير من الإشكاليات والصراعات بين القبائل مما ساهم الي حد كبير في الحفاظ علي حد ادني من الامن والأمان في ظل انفلات امني شامل وغياب شبه كلي لأجهزة الدولة السيادية في كل ربوع ليبيا, لعب التواصل مع أبناء القبائل الليبية خارج ليبيا ومع القبائل غير الليبية خارج ليبيا (التي تربطها أواصر القربي والدم والمصاهرة والتي تشكل امتدادا لذات القبائل داخل ليبيا في دول الجوار) لعب هذا التواصل دورا محوريا في معالجة العديد من القضايا الامنية والتوترات علي المستوى المحلي والاقليمي.
فمنذ بداية الأحداث وانطلاقها حاولت الدولة الليبية بشتي الطرق اظهار أهمية دور القبائل وطالبت دول العالم بالتواصل مع تلك القبائل لإيجاد مخرج للأزمة الليبية محذرة من عواقب تهميش تلك القبائل وإقصائها من المشهد، ومع ذلك لم تهتم الدول التي اتخذت قرار الحرب إلا بما يحقق أجنداتها المتعددة والمختلفة، وقامت دول إعلان الحرب بإنتاج مشهد إذاعي درامي يظهر فيه الفيلسوف برنارد هنري ليفي-عراب الربيع العربي الدموي المدمر- يلتف حوله ثمانية أشخاص في ادعاء سمج إنهم هم ممثلي القبائل الليبية، ذلك العمل الدرامي كان الهدف منه التأثير على مواقف دول رفضت التدخل العسكري في ليبيا وحذرت من عواقبه. وبافتعالهم لذلك المشهد إنما هم يقرون ويعلنون أن القبائل هي صاحبة القرار والسيادة و لهذا هم يظهرون أنهم يتعاملون معها وفق ارادتها، في حين أن القبائل لم تكن موجودة حقيقة ولم يسمح لصوتها أن يسمع.الآن وبعد هذه السنوات العجاف والاعترافات المتتالية بالفشل تلو الفشل لايزال هناك من يسعى لتحقيق فشل آخر من خلال إقصاء القبائل وإبدالها بما يسمى مكونات المجتمع المدني الليبي.
فمؤسسات المجتمع المدني التي ظهرت في ظروف سياسية غير سوية منذ 2011, فرغم أن الاحصائيات الرسمية تقول أن بليبيا ما يزيد علي 5000 مؤسسة مجتمع مدني إلا أن معظمها لا يتعدى المنخرطين فيها لجنة التأسيس التي في الغالب لا تتعدي 30 شخصا من افراد العائلة او الاصدقاء. ومع اقرارنا بوجود مؤسسات مجتمع مدني قارة وعتيدة استطاعت خلال السنوات العجاف ان تكون جزءًا أصيلا من المشهد الليبي وقدمت أداء مشرفا لصالح المواطن والوطن, إلا أن دورها في أحسن حالاته لا يتعدى بيت خبرة لتقديم الدعم الانساني و اللوجيستي ابان الكوارث و الإحتراب والاقتتال وان اقحمت في السياسة فلا سلطة الزامية لها حتي علي منتسبيها عكس القبيلة التي شكلت وعبر التاريخ الحاضنة الاجتماعية التي تزامن ظهورها مع ظهور البشر في هذه المنطقة وتحمل في تاريخها الطويل إرث ثقافي وسلوكيات معالجة للإشكاليات الطارئة سواءً كان ذلك في ظل دولة قائمة أو في غيابها كما هو الحال اليوم، ولكي تستطيع هذه المؤسسة الاجتماعية الضاربة جذورها في القدم والتي ينتظم فكرها في سلسلة طويلة متتابعة أصيلة من الخبرات والتجارب، لكي تتمكن من القيام بدورها يجب إشراكها بفعالية وعدم التدخل في سياسة وطريقة معالجتها للأوضاع الراهنة المتجددة، فهي حتما الأقدر علي المعالجة والتصدي للتدهور الحاصل راهنا لآنها الأدرى بكيفية معالجة انحراف أبنائها، فكل الليبيين أبناء قبائل ولو كان هناك استثناء من ذلك فإنه لا يتجاوز في احسن الحالات 10% على أقصى تقدير. هذا فضلا علي أن القبيلة تمتلك شرعيتها من أدائها مما يعطيها سلطة انفاذ قراراتها علي ابنائها ولا سيما في مدن الداخل الليبي التي تشكل ثلاثة ارباع رقعة ومساحة ليبيا. وبهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنوب منظمات ومؤسسات المجتمع المدني الليبي عن القبائل الليبية كما أن القبائل الليبية لن ترضى بإقصائها عن المشهد العام والمشاركة في حل الإشكاليات الليبية المتواترة. والقبيلة ظلت صاحبة الحضور الطاغي والسطوة المطلقة في ليبيا في غياب الدولة واختفاء دورها بانهيار مؤسساتها الامنية والعسكرية والإدارية! فالإحتراب والاقتتال بين مكونات الشعب الليبي معظمه اتخذ لبوسا قبليا صرفا كنوع من احياء الثارات والنعرات القبلية التي ظنينا انها اختفت وانتهت بعد ستة عقود من نشأة الدولة المدنية في ليبيا, وبالمقابل لعبت القبيلة دورا محوريا وايجابيا في اطفاء الكثير من الحرائق التي اندلعت في عموم ليبيا من خلال مجالس الصلح بين القبائل ولولا نظام التكافل الاجتماعي القبلي لعاشت ليبيا كارثة انسانية بكل ما للكلمة من معني جراء تدفق النازحين والمهجرين جراء الاقتتال في مناطقهم. أضف الي كل هذا أن مجالس القبائل الليبية في عموم ليبيا كانت المبادرة الي الدعوة الي المصالحة ورأب الصدع ولم شتات وعودة المهجرين والمبعدين وكانت هذه المجالس اول الداعين والمهتمين بقضايا الاسري وحتي يومنا هذا نجحت هذه المجالس القبلية في ابرام 68 صلحا من اصل 74 في ليبيا بين القبائل والجهات والمناطق المتنازعة فيما بينها(أي ما نسبته 91%) كما أن هذه المجالس نجت في تبادل الاسري في 38 واقعة وحادثة من اصل 57 بين المليشيات المتقاتلة او الجهات والمناطق المتحاربة (أي ما نسبته 67%), وبهذا تقول لغة الارقام التي تعتبر اللغة الاكثر اقناعا راهنا ان القبائل في ليبيا كانت الجهة الاكثر فعالية في الوقوف وبشكل سلمي في وجه الجنون والعبث الذي عاشته ليبيا خلال السنوات الخمسة العجاف التي مرت بها, بل إن دورها فاق دور الحكومات الانتقالية المتعاقبة وفاق دور بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا علي اهميته وبديهيا ان دورها فاق باشواط عديدة كافة الاحزاب والهيئات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي أريد لها أن تحل محل القبيلة! وعليه، فالدعوة الي ضرورة رد الاعتبار للمكون القبلي وتفعيل دوره ليقيننا ان أي حل او وسيلة لإحلال السلم الاهلي في ليبيا لن يكتب لها النجاح دون دور مجالس القبائل الليبية في عموم ليبيا. ومن هنا أري انه يجب التفريق بين امرين في غاية الاهمية هما السلم الاهلي والثاني بناء الدولة المدنية, فالاول أمر ملح واستعجالي ولا يمكن الشروع في اية ترتيبات دون احلال السلم الاهلي وهذا الامر لا شك أن القبيلة ستلعب فيه دورا محوريا وقياديا في احلال السلم والامن الاهلي عبر اعراف وتقاليد متعارف عليها بين القبائل اقلها رفع الغطاء الاجتماعي عن افراد المليشيات المتحاربة.
أما الأمر الثاني فلا اري للقبيلة أي دور فيه لأنهما مفهومين متعارضين يصعب قيامها معا بالتوازي فأي خطوة للامام لاي منهما يعني ضمنا تراجع الثاني خطوات للوراء لذا أري أن المجتمع المدني او الدولة المدنية في مثل الحالة الليبية الراهنة ترف فكري ومحاولة للي عنق الحقيقة ووضع للعربة قبل الحصان فيه هدر ومضيعة للوقت وتشتيت للجهد دون طائل, فالاجدر والاصوب ان نعمل راهنا علي احلال السلم والامن الاهلي في ليبيا وبكل السبل واجراء مصالحة حقيقية والعمل علي العودة السريعة الكريمة واللائقة والمشرفة لكافة المبعدين والنازحين والمهجرين والشروع في ترتيبات واجراءات العدالة الانتقالية حيث ان سياسة الافلات من العقاب ستعمل علي تأجيج الاحقاد وتجدد الاختلالات الامنية واندلاع حرب اهلية اخري في أي ظرف.
ومنطق العقل ومجريات الأمور تقول بجلاء لا تجدي حياله المكابرة أن الازمة الليبية تستدعي تضافر الجهود من الجميع قبائلاً كنا او مؤسسات مجتمع مدني او أعيان او نخب ثقافية وسياسية ومالية دون اقصاء او تهميش لأي مكون ليبي لنضع مع بعض تصورًا شاملاً يرضي الجميع وبشكل توافقي يكون المخرج الحقيقي للازمة الليبية التي أطال من أمدها عدم اشراك اهم مكون في ليبيا والمتمثل في القبائل الليبية.
أفق الحل السياسي ومسارات الحوار
استغرب جدا من خيبة أمل الكثيرين حيال مخرجات حوار اللون الواحد الماراثوني الذي التأم جله في الصخيرات بالشقيقة المغرب لأنه حوارُ ولدا ميتاً عندما تجاهل منظموه ورعاته واعني هنا تحديدا بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا الطرف الآخر للمعادلة الذي لا يمكن ان يتم وضع او ارساء اية ترتيبات امنية او سياسية دون مشاركته لانه الطرف الثاني للاشكال الحاصل في ليبيا. وما تابعه العالم بأنفاس متلاحقة طيلة العام الماضي هو حوار اللون الواحد والصوت الواحد حيث تحاور الفبرايريين فيما بينهم دون اشراك السبتمبريين مما يعني ان الحوار كان لترتيب البيت الفبرايري وتقريب شقة الخلافات بينهم وتم استبعداد اكثر من نصف الشعب الليبي المحسوب ساسيا او امنيا علي منظومة النظام السابق مما يعني ضمنا ان اي ترتيبات واتفاقات وتسويات لن تكون كافية لمعالجة الاشكاليات الوجودية التي تكاد تعصف بليبيا وطنًا وكيانًا وحاضرًا ومستقبلًا.
وطيلة السنوات الخمسة الفائتة تناوبت الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وبعضا من الدول العربية علي ادارة الملف الليبي دون ان تقدر اي منهم علي تقديم تصور او مقترح عملي يلقي قبول وترحيب الغالبية من الليبيين ويكون منصفا ومتفهما للتركيبة الاجتماعية الليبية كأحد أهم الفواعل و المؤثرين علي مجمع آلية اتخاذ القرار السياسي في ليبيا. الشيء الذي عمل علي اتساع الهوة والشقة بين الفرقاء الليبيين وانعدام الثقة في الرعاة لأنهم يكادون يجمعون علي تسليم ليبيا للطرف المنتصر ميدانيا في ليبيا دون مراعاة للاعتبارات اللوجستية والقبلية للنسيج الاجتماعي الليبي, من هنا فإن جل المراهنين علي مسار الحوار الحالي باتوا مقتنعين من انه لن يفضي الي حل عملي توافقي ومرضي وبالضرورة لن يكون خارطة طريق للخروج من غابة الوحل التي أدخلت فيها ليبيا عنوة في غفلة من التاريخ.
من هنا نري ان الحل السياسي في ليبيا لن يكون إلا بالحوار السياسي بين كافة الاطراف المتنازعة دون اقصاء او تهميش لأي طرف لأن الجميع شركاء في الوطن واي حوار سياسي لن يكتب له النجاح اذا لم ترعاه جهة محايدة تنال ثقة غالبية الليبيين وان لا تكون لها اطماع او اجندات سرية في ليبيا وألا يكون لها ماضي استعماري في ليبيا والمنطقة ولن نجد جهة او مؤسسة او دولة او منظمة تنال ثقة غالبية الليبيين وتحظي باحترام معظم الفرقاء كالاتحاد الافريقي الذي يتطلع اليه الشعب الليبي بلهفة وتوق للعب دور تاريخي في اخراج ليبيا من وحل لعبة الامم التي اقحمت فيها عنوة وكل المؤشرات تشير الي أن الاتحاد بتجاربه الشبيهة بالمنطقة كفيل وقادر علي لعب هذا الدور الذي اضحي ضرورة و فرض عين لا يجوز الابطاء فيه.الجميع يدرك حجم التحديات التي تواجه الاتحاد الافريقي وحجم آمال وتطلعات الافارقة، ويستطيع القادة الافارقة الموازنة بين تلك التحديات والمتطلبات والامكانيات والتهديدات.
وبما أن الامن على قمة سلم الاولويات في القارة الافريقية وبما أن تعزيز الامن والاستقرار في القارة أهم أهداف الاتحاد و كذلك الحل السلمي للنزاعات بين الدول الأعضاء من خلال الوسائل المناسبة التي تقررها الجمعية العامة للاتحاد ويتولى تنفيذها مجلس السلام والامن باعتباره الجهة المسئولة عن التنفيذ، و يهدف المجلس الى منع وإدارة الصراعات ووضع سياسات الدفاع المشترك وإعادة بناء وتأسيس السلام بعد انتهاء الصراعات. وإنطلاقا من المادة 4 (ح) من القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي، والمادة 4 من البروتوكول التأسيسي لمجلس السلام والامن تعطي الحق للاتحاد في التدخل في أي دولة من الدول الاعضاء في حالات جرائم الحرب والابادة الجماعية وجميع الجرائم التي يجدها الاتحاد الافريقي جرائم ضد الانسانية. ويتوجب أن تدلي الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس السلام والامن بالقرار بالتدخل، ولا يقبل أي قرارات غير هذه. ومنذ 2004 نشط هذا المجلس في العديد من الازمات مثل دار فور وجزر القمر والصومال والازمة الاخيرة في بوركينافاسو وغيرها، فقد إتخذت قرارات بنشر قوات حفظ السلام و فرض عقوبات على الاشخاص المهددين للسلام والامن.
غير أن الدور الافريقي في معالجة الازمة الليبية توقف منذ 2011 بمبادرة الحل السلمي التي قادها الرئيس الجنوب أفريقي ومجموعة من الرؤساء الافارقة، تلك المبادرة التي رفضها المتمردون، وقد نصت المبادرة على «إنهاء النزاع.. والبدء بعملية سياسية تتيح تلبية التطلعات المشروعة للشعب الليبي إلى الديمقراطية». و أن «الفترة الانتقالية تنتهي بإجراء انتخابات ديمقراطية» وهي تتطلب «نقل السلطة إلى حكومة انتقالية» و إلى ضرورة نشر «قوة حفظ سلام».
هذه المبادرة التي قبلتها الحكومة الشرعية في ليبيا ومؤتمر القبائل الليبية الذي عُقد في طرابلس بداية شهر مايو 2011 بطرابلس وحضره مندوبو جل القبائل الليبية، وقد تمسكت القيادة الليبية آنذاك ومعها مؤتمر القبائل بالحل السلمي المتضمن للحوار ومرحلة إنتقالية، وبسبب رفض وتعنت المتمردين وداعميهم لم يُكتب للمبادرة الافريقية النجاح.
التوصيات
نظراً لإنعدام الثقة بين مكون القبائل وبعثة الامم المتحدة بالدعم في ليبيا فإن الدور الافريقي من خلال الاتحاد ومؤسساته والدول الأفريقية الكبرى سيقابل بثقة من قبل شرائح معتبرة من المجتمع الليبي فلهذا نرى إن أي توافق او تسوية بين الفرقاء الليبيين لا تشمل التوصيات التالية فإنها ستكون نصف حل او تسوية عرجاء ولن تؤتي أكلها لأنها ستأتي مبتورة ولن تفي بمتطلبات المرحلة, أهم التوصيات التي نري أنها البداية الصحيحة للحل تتمثل في التالي:
1. حل كافة التشكيلات المسلحة: ذات الطابع المدني والشروع في بناء مؤسستي الجيش والشرطة بعقيدة وطنية وبشكل احترافي وفق النظم الحديثة.
2. العدالة الانتقالية: تأسيسا علي تجارب العديد من الشعوب التي مرت بظروف شبيهة بالحالة الليبية فإنه للخروج من هذه الحالة والشروع في بناء الدولة المدنية التي نحلم بها جميعا لابد من عدالة انتقالية تدين المذنب وتنصف المظلوم وتجبر ضرر ضحايا انتهاكات حقوق الانسان المروعة وفق قاعدة ولا تزر وازرة وزر أخري:
• كل من ارتكب جرما يدينه القانون وانتهك حقا أصيلا أو مكتسبا لأي مواطن ليبي لابد من تقديمه للعدالة لينال جزاءه العادل سواءً في فترة النظام السابق او خلال السنوات الخمسة الفائتة وحتي الآن.
• جبر ضرر كافة ضحايا انتهاكات حقوق الانسان للضحايا الاحياء او لذوي الضحايا الموتى.
• اصلاح مؤسسة القضاء التي استشري فيها الفساد.
• حل مشكلة المعتقلات والسجون العلنية والسرية التي أنشئت خارج أطر الشرعية.
• ملف الفساد المالي.
• ملف الهجرة السرية.
• ملف الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والسلاح.
• حل مشكلة المهجرين والنازحين داخليا مثل سكان تاورغاء والقواليش والمشاشية.
• تشكيل لجنة وطنية مكونة من قضاة ومحامين (مشهود لهم بالنزاهة والاستقامة ولم يكونوا جزءا من منظومة الفساد القضائي السابقة او الحالية) ونشطاء سياسيين وحقوقيين وفاعلين اجتماعيين تكون مهمتها حصر كافة جرائم وانتهاكات حقوق الانسان لتقديمها الي محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الافريقية.
في هذا الصدد فقد أعددنا في “التجمع العالمي من أجل ليبيا موحدة وديمقراطية” قوائم مبدئية تحتاج للتحديث لمنتهكي حقوق الانسان خلال السنوات العجاف الماضية لتقديمها الي المحاكمة عبر التنسيق مع كلا من محكمة العدل الافريقية ومحكمة الجنايات الدولية والشرطة الدولية (الانتربول) نظرا الي عدم توفر شروط المحاكمات العادلة في ليبيا راهنًا ولاستشراء وتجذر الفساد في هذا القطاع الحيوي.
3. حوار وطني شامل: يضم كافة مناطق ليبيا وتكون كافة مكونات النسيج الاجتماعي الليبي ممثلة فيه علي أن تكون مخرجاته عونا للهيئة التأسيسية لصياغة الدستور لأنه بهذا الحوار ستتحدد ماهية العقد الاجتماعي الذي يرتئيه الليبيون لشكل الدولة المرجوة وسبل التعايش السلمي بينهم تحت ظل دولة القانون والمؤسسات.
4. المصالحة الوطنية الشاملة: تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية تضع تصورا شاملا لماهية وآلية المصالحة الوطنية بحيث تضم كافة شرائح وقبائل ومكونات النسيج الاجتماعي الليبي بحيث تكون صفحة جديدة في تاريخ ليبيا المعاصر وتؤسس لحقبة الدولة المدنية الديمقراطية تحت ظل القانون.
5. تقييم الأداء السياسي: سياسة الافلات من العقاب هي المسئولة عن انتهاكات حقوق الانسان الجسيمة طيلة السنوات الاربع الفائتة بينما كانت ثقافة الاستبداد المسئولة خلال حقبة النظام السابق. عليه ينبغي وضع آلية وطنية شاملة لتقييم الأداء السياسي من خلال الاستعانة بالخبراء وبيوتات الخبرة كمراكز الابحاث المحلية والدولية تضمن:
• انصاف الوطنيون ورجالات الدولة الاستثنائيين الذين همشوا طيلة 45 سنة الماضية.
• تعريف وتحديد مفهوم الجريمة السياسية بحيث يتم تقديم كل سياسي او متعاطي للشأن العام قام او ساهم او حرض علي القتل او انتهاك حقوق الانسان بأي شكل من الأشكال او كان ضالعا في منظومة الفساد المالي او القضائي او استغلال المنصب او التكسب غير الشرعي او ساهم في توطين وجلب الجهاديين والمتطرفين وتمكينهم في ليبيا او كان مساهما في تحقيق اجندات خارجية أضرت بالمصالح العليا لليبيا بأي صورة من الصور.
6. تجديد الطبقة السياسية: لا شك أن معظم الطبقة السياسية الليبية في حقبة النظام السابق او خلال السنوات الاربع الماضية كانت مسئولة بشكل من الاشكال عن جنون الاقتتال والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وعجزها عن مواجهة الاستحقاقات السياسية التي يمور بها الواقع الليبي, كما أنها كانت مسئولة عن تغول المليشيات المسلحة وتطاولها علي الدولة,إضافة الي أن هذه الطبقة السياسية خلال حقبة الجماهيرية او حقبة المجلس الانتقالي او حقبة المؤتمر الوطني العام او المجلس النيابي بحكوماتهم كانت مسئولة عن كل الاخطاء الجسيمة التي اوصلتنا الي هذه النتائج الكارثية, لذا وجب تجديدها بشكل كامل بطبقة سياسية جديدة من شباب ومثقفي وتكنوقراطي ليبيا الوطنيين والمحترفين والمتمرسين بأساليب التخطيط الاستراتيجي والمعايشين لمكتسبات عصرهم.
7. التعويل علي راعي سياسي محايد كالاتحاد الافريقي: يري معظم الليبيون أن الراعي السياسي المحايد.
8. والمنصف هو الاتحاد الافريقي الذي يتخذ مسافة متساوية من كافة الفرقاء ولن يغلب مصلحة طرف علي آخر بل سيكون راعيا نزيها ومتفهما للارادة السياسية الليبية وتطلعات وآمال الشعب الليبي فضلا علي ان الاتحاد الافريقي حتما سيكون وسيطا متفهما نظرا الي قدرته-خلاف بقية الوسطاء- علي تفهم وادراك اهمية المكون الاجتماعي الذي ظل ولازال البارومتر لتوجيه الاحداث في ليبيا.
*عضو التجمع العالمي من أجل ليبيا/ مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية.