من النادر أن يخلو ضريح الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من الزوار. وكأنّه تحوّل إلى مزار يجب أن يمر به كل من يصل إلى مدينة رام الله. منه تنطلق أغلبية الفعاليات الوطنية. الأسرى المحررون يزرورنه قبل توجههم إلى بلداتهم وبيوتهم. ويرتاده أبناء حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بشكل متكرر.
زيارة الضريح وفاءً لعرفات:
وتنفيذاً لوصيته، يوجد جثمان عرفات موقّتاً في ضريح خاص، بانتظار نقل الرفات ليدفن في الحرم القدسي الشريف. ويتكون الضريح من ثلاثة مبانٍ هي: الضريح، والمصلى، والمنارة. والضريح هو عبارة عن مبنى على شكل مكعب طول كل من أضلاعه أحد عشر متراً، يرمز للحادي عشر من نوفمبر، يوم رحيله. وفي مركزه يقع قبر ياسر عرفات. وقد بنيت جدران الضريح الخارجية والداخلية من الحجر القدسي ومن الزجاج الشفاف ويضيئها أربعة وعشرون كشافاً. كما نقشت الآيات القرآنية على الجزء الأعلى من حائط الضريح من الجهات الأربع. وتحيط بالضريح من ثلاث جهات بحيرة مائية صغيرة تبلغ مساحتها 603 أمتار مربعة، تتلون بألوان قوس قزح كل مساء.
أما المصلى فتبلغ مساحته 391 متراً مربعاً وارتفاعه من الداخل ثمانية أمتار وتحيط به منطقة خضراء، ونقشت على جدرانه الخارجية آيات قرآنية كريمة. وتبقى المنارة التي تبلغ مساحتها تسعة أمتار مربعة وارتفاعها ثلاثين متراً. وبحكم ارتفاع موقع الضريح فان أعلى نقطة من المنارة ترتفع عن سطح البحر تسعمائة متر ومتر واحد. وينطلق من قمة المنارة شعاع من الليزر باتجاه مدينة القدس.
أمام القبر، كان يقف الناشط الفتحاوي رامي البرغوثي يقرأ سورة الفاتحة لروح الزعيم الفلسطيني. وقال لرصيف22: “أزور الضريح بشكل مستمر، أبناء فتح يعتبرون ياسر عرفات أباً وأخاً وقائداً ورئيساً. وبعد استشهاده لم يجدوا ولن يجدوا قائداً يقف إلى جانبهم مثله. ووفاء لياسر عرفات يزورون بشكل دائم ومتكرر ضريحه”.
الهروب من الواقع:
في تأبين عرفات، قال الشاعر الراحل محمود درويش: “كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة إلى فكرة الدولة، وفي كل واحد منا شيء منه”. أبناء فتح الذين يشعرون بأن حركتهم لم تعد كما كانت يهربون من واقع يعيشونه بالذهاب إلى قبر عرفات ويستغيثون به لعلّه يرشدهم إلى طريق الصواب والخلاص.
وقال المحامي موسى قدورة لرصيف22 “إن أبناء فتح يذهبون إلى ضريح الرمز ياسر عرفات علهم يجدون ضالتهم. فهو الشخصية الاستثنائية في فتح وبالنسبة للقضية الفلسطينية، ولَو لم يكن عرفات لما كانت فتح حركة رائدة”، وأضاف أن “الموت زاد من محبة الناس لأبي عمار الذي ترك غيابه فراغاً يزداد اتساعاً كل يوم، فالفلسطيني منقوص الصفات من دون ياسر عرفات”. وبحسب قدورة، “يعني ضريح ياسر عرفات أطلال النضال الجميل وتجسيداً لقصة حب بين فلسطين وبين العاشق الشجاع الذي رحل ليبقى هنا يروي كيف يموت الأبطال عشقاً بالوطن”.
زيارة لالتقاط الصور؟
وجهة نظر الباحث والإعلامي حسن سليم تختلف تماماً عن وجهة نظر المحامي قدورة. وقال لرصيف22: “ياسر عرفات كان ولا يزال يمثل رمزية كبيرة لحركة فتح ولعموم الفلسطينيين. لكن ضريحه لا يمثل سوى مكان لالتقاط الصور، ولا اتفق مع الرأي القائل إن زيارات أبناء فتح إليه تمثل هروباً، بل أرى فيها تمثيلاً وادعاءً بالوفاء له ولمسيرته”.
وأضاف سليم: “لو كان الحال غير ذلك لانصبت الجهود على كشف المستور في جريمة قتله. فأيّ قيمة لزيارة الضريح إذا كانت الحركة تتراجع ونصيبها من التأييد في الشارع ينحسر، بسبب تشرذمها وعدم قدرتها على استعادة دورها الذي تركه لها صاحب الضريح؟”.
وقال محمد الهندي، الأسير المحرر ورئيس دائرة الإعلام والعلاقات العامة في مؤسسة ياسر عرفات: “ببساطة كلما مر وقت على استشهاده أصبح ياسر عرفات محل إجماع وقدسية عند أبناء فتح وعند الفلسطينيين عموماً، من اختلفوا معه قبل من اتفقوا معه. لذلك يزورونه باستمرار وسيستمرون في ذلك وكأنه نوع من التكفير عن خطيئة يشعرون بها تجاه استشهاده في تلك الظروف”.
وتابع الهندي: “يرى البعض في روح ياسر عرفات الشهيد قدسية ورمزية خاصتين، فتراهم يباركون كل إنجاز أو نصر أو محطة جديدة في حياتهم بإلقاء التحية على ضريحه. كأنهم ضمنياً يقدمون الشكر لمن صنع هويتهم، ووضعهم على طريق تحقيق حلم الدولة”.
ووصف شاب رفض ذكر اسمه وهو على باب الضريح علاقة السر الدائمة بين الشبيبة الفتحاوية والضريح بقوله: “عرفات وهو تحت الأرض، أهم بكثير من قياداتنا التي فوق الأرض. هو قدوة أبناء الحركة، نحن أيتام من دونه”.
الوفاء ليس بالزيارة:
ولكن الهروب، حتى في حالة الحب، لا يقدم شيئاً لحركة فتح ولا حتى لياسر عرفات، على ما يرى البعض. وقال حسن سليم: “ما تحتاجه فتح ليس المواظبة على زيارة الضريح. إذا كان الموضوع هو الوفاء لياسر عرفات، يجب مواجهة إشكالية فتح الحقيقية والعمل على استعادة دورها الطليعي في الشارع، وذلك من خلال التقييم الجاد لتعاطيها مع الأحداث ومواقفها منها”.
للمزيد:هذه فلسطين، هذه غزة حيثما نظرتم!
ينتقد سليم غياب البرنامج الاجتماعي الذي يساعد فتح على استعادة ثقة الشارع بها، ويرى أن هناك “ذوباناً لهويتها في السلطة وصعوبة في التمييز بين موقف الحركة وموقف السلطة، برغم خروجها من الحكومات المتعاقبة منذ ما يقارب سبع سنوات”. من هنا يرى أن “زيارة ضريح عرفات، هو هروب من الواقع ونشاط غير واقعي، ولا يدل على التمسك بهوية الحركة أو برغبة في استعادتها دورها”.