خلال السنوات العشر الأخيرة، زاد عدد سكان المغرب أربعة ملايين، ليبلغ 34 بعدما كان دون الـ11.5 مليوناً في أول إحصاء عام جرى العام 1960. ولم يكن سكان المدن حينذاك يتجاوزون 25%، كما كانت نسبة الأمية بين النساء والمزارعين مرتفعة. لكن هذه النسبة تراجعت في العام 2014 وأصبح سكان المدن والضواحي يمثلون 61% من مجموع السكان، أي أكثر من 20 مليوناً، حسب إحصاء أنجزته المندوبية السامية في التخطيط.
وقد كشف الإحصاء أن معدل النمو السكاني تراجع إلى 1.3% سنوياً، نتيجة انخفاض الخصوبة عند المرأة إلى 2.2 طفل، مقابل سبعة أطفال قبل ستة عقود. وذلك بفضل تحسن وضع المرأة التعليمي والقانوني وخروجها إلى العمل، وهذا ما جعل عدد أفراد الأسرة المغربية يستقر على أربعة من أصل خمسة قبل عشر سنوات. من هنا، اندثرت تدريجياً الأسرة المتعددة الأفراد، التي كانت تقطن بيتاً كبيراً يضم عائلة ممتدة في الأجيال، إلى أسرة صغيرة تقطن في الغالب شقة حديثة البناء وتحيط بها الشوارع الصاخبة والأنشطة التجارية والمرافق الترفيهية والتعليمية.
طريقة عيش الأسرة المغربية:
في ضوء ما تقدّم، يمكن طرح السؤال الآتي: كيف يوزّع المغاربة وقتهم يومياً بين النوم والعمل واللهو والدين؟
مع تطوّر عدد السكان وتمركزهم الجغرافي وتحسن مستوياتهم الاقتصادية والتعليمية والثقافية، تغيرت ميولهم وطريقة عيشهم وتوزيعهم للزمن، وعلاقاتهم مع المحيط والأشياء والناس. فقد كشفت المندوبية السامية في التخطيط في استطلاع أنجزته حول طريقة عيش الأسرة المغربية شمل 9200 عينة، أن التوزيع الزمني ينقسم في المتوسط بين ثلاثة اهتمامات كبيرة تتوزع بين النوم والواجبات والعناية الشخصية بنسبة 44%، يليها الترفيه بنسبة 28%، ثم العمل المهني ونسبته 14%. ويخصص المغاربة نحو ساعة يومياً للطقوس الدينية وغيرها من الأمور.
ويمتد التوقيت الفسيولوجي عشر ساعات ونصف الساعة، يشمل النوم ولوازمه، ويمتد العمل المهني ثلاث ساعات و20 دقيقة، بينما يحوز وقت الفراغ 6 ساعات و40 دقيقة يومياً، وهذا ما يدل إلى أن غالبية السكان تقضي وقتاً أطول في الترفيه من الوقت الذي تقضيه في العمل. وقد تشكل البطالة عنصراً إضافياً للشباب الذين يقسمون وقتهم بين النوم الطويل والجلوس الممل في المقاهي أو قبالة التلفزيون أو الكومبيوتر. ولا تشغل فيه الرياضة والقراءة سوى دقيقتين لكل منهما.
علماً أن المغاربة ينامون في المتوسط 8 ساعات و21 دقيقة، أقل بـ52 دقيقة من الفرنسيين الذين ينامون تسع ساعات يومياً. وفي المقابل يستغرق المغاربة زمناً أقل بـ45 دقيقة من الفرنسيين في تناول وجبات الأكل التي تطول مدتها عند الأوربيين أكثر منها عند سكان المغرب العربي.
هذا في حين أن متوسط ساعات العمل في المغرب تراوح بين 6 و7 ساعات. وتتراجع حصة العمل مع ارتفاع مستوى التعليم وزيادة المسؤولية إذ يعمل العمال والأجراء وقتاً أطول من كوادر الدولة والمديرين. ويعمل القرويون 32 دقيقة أكثر من سكان المدن والحواضر. وأظهرت الدراسة أن المغاربة يعملون أكثر من الفرنسيين بنصف ساعة يومياً، برغم أنهم يكسبون تعويضات أقل من الأوروبيين بـ20 مرة.
الترفيه والوقت الحر:
وعلى عكس ما كان عليه الأجداد وحتى الآباء، أصبح الوقت الحر ضاغطاً في الحياة العصرية، وانتزع لنفسه مكاناً بين النوم والعمل وزادت كلفته ونفقاته. إذ تسيطر مشاهدة التلفزيون بنسبة 34% من مجموع الوقت المخصص للترفيه والتسلية والراحة، تليها الأنشطة الدينية والجلوس في المقاهي والإبحار على شبكة انترنت، بينما تقل الرياضة والقراءة لدى فئات واسعة من الناس.
ويمتص الوقت الحر نحو 28% من الزمن اليومي، وهو يزيد نصف دقيقة عند سكان المدن، ويبلغ 40 دقيقة إضافية عند المراهقين الذين يفضلون استعمال الانترنت على مشاهدة التلفزيون، خاصة بالنسبة إلى من هم بين 15 و24 سنة. وأشارت الدراسة إلى أن 81% من استعمالات انترنت، هي لغايات الترفيه والمواقع الاجتماعية. ويقضي الأطفال 3 ساعات في مشاهدة التلفزيون وساعتين في الألعاب الإضافية، و12 دقيقة على الانترنت، ويميل الأولاد إلى اللعب أكثر من البنات، بينما لوحظ تفوق الإناث على الذكور في التحصيل والدراسة. وهو ما يفسر ارتفاع الانقطاع الدراسي عند الشباب في المدن التي تكثر فيها مقاهي الترفيه والتسلية.
وبرغم تطور مستوى التعليم والتحضر، فان مساعدة الرجل المرأة في أعباء البيت ما زال ضعيفاً، وأشارت الدراسة إلى أن 13% من الرجال يشاركون في الأنشطة المنزلية، بينما تقوم النساء بنسبة 95% من هذه الأعمال التي تستغرق خمس ساعات يومياً. وهو ما يجعل المرأة المغربية تعمل أكثر من الرجل بجمعها عملين داخل البيت وخارجه، وتمثل المرأة الموظفة نحو ثلث العاملين في القطاع العام. وهناك مهن أصبحت نسوية بامتياز مثل التعليم والطب والصيدلة وغيرها.