كل أنظار أقطار القارة السمراء،تتجه اليوم إلى أديس أبابا،التي تحتضن أشغال الدورة العادية الثامنة والعشرين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي،وكلها أمال في أن يسفر هذا اللقاء عن نتائج ومقررات ترتقي إلى مستوى متطلبات المرحلة،على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،في زمن يحفل بالكثير من التحديات.
على رأس جدول أعمال القمة الإفريقية تنتصب ملفات ذات أهمية خاصة تتطلب من القادة الأفارقة الكثير من التعقل والحزم في استحضار مصالح القارة،قصد النهوض بها للحاق بالركب، وذلك لن يتأتى إلا من خلال تصفية كل الملفات العالقة،والانطلاق نحو المستقبل،بعزيمة لاتلين،وطموح لايعرف الكلل أو الملل.
ومن أبرز النقط التي تتصدر أعمال القمة، والتي تنتظر ردا حاسما،طلب المغرب استرجاع مقعده في هذا المنتظم الإفريقي،الذي كان غادره سنة 1984، احتجاجا على انحراف “منظمة الوحدة الإفريقية” عن مسارها الصحيح،بقبولها لعضوية كيان وهمي،إسمه البوليساريو،في خرق واضح للشرعية ولمباديء هذه المنظمة التي يعتبر المغرب من روادها ومؤسسيها الأوائل.
الآن،وقد تغيرت عدة معطيات، من بينها استبدال “منظمة الوحدة الإفريقية” ب”الاتحاد الإفريقي”،وبعد أن جرت مياه كثيرة تحت الجسر،كما يقال،يأمل المغرب أن يكون خصوم وحدته الترابية قد استوعبوا الدرس جيدا،ويدركوا أن المناورات التي يقومون بها حاليا لعرقلة رجوعه إلى البيت الإفريقي،لن تجدي شيئا، وأنه عائد بقوة،مدعوما بمساندة مكونات هذا المنتظم الإفريقي.
ومعنى هذا أن عودة المغرب إلى حضنه الإفريقي باتت مسألة محسومة سلفا،خاصة وأنها تأتي عقب حملة دبلوماسية خاضها المغرب عبر مختلف أنحاء خريطة القارة الإفريقية،رغم شساعتها،بقيادة الملك محمد السادس،الذي قام برحلات همت غربها وشرقها وجنوبها، سعيا لإرساء أسس جديدة من التعاون،قوامها التضامن والاحترام والتفاهم،والانخراط في سلسلة من جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كان القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي،ينص فقط على أنه يكفي الحصول على دعم 29 دولة افريقية،فإن المغرب يحظى بدعم ومساندة أكثر من 40 دولة افريقية تعرف مكانته وتاريخه وإشعاعه الحضاري ودوره في المساهمة في أوراشها التنموية الاقتصادية،إيمانا منه بما تتوفر عليه القارة السمراء من موارد طبيعية ومؤهلات وكفاءات بشرية.
طبعا،المعركة لم تكن سهلة،والطريق إلى العودة إلى البيت الإفريقي،ليست مفروشة بالورود،نظرا لما يكتنفها من عقبات وعراقيل يفتعلها بعض خصوم وحدة المغرب الترابية،بإثارة مساطر شكلية،الغرض منها تأخير انضمامه إلى هذا المنتظم.
والواقع ان هذا بالضبط هو السيناريو الذي تنسجه في الكواليس دلاميني زوما،رئيسة المفوضية الإفريقية،التي تحاول بكل ماوسعها إبطاء أو تأخير عودة المملكة،بإيعاز من الجزائر وجنوب افريقيا،علما بأنها تعيش آخر أيامها على رأس هذا المنصب،مخلفة وراءها ذكريات سيئة،بشهادة الصحافة الإفريقية،اعتبارا لما فتحته من جبهات مجانية ومتاعب لعدة دول من بينها المغرب.
وللدلالة على سوء نية دلاميني زوما،يكفي أن ندرك جميعا ماقامت به مؤخرا، وقبل تقديمها لطلب المغرب لجميع أعضاء الاتحاد الإفريقي للحسم فيه،إذ تعمدت أن ترفقه بتقرير حافل بالمغالطات، والتزوير في الحقائق حول الوقائع الأخيرة، التي كانت النقطة الحدودية”الكركارات”مسرحا لها، والتي افتعلتها الجبهة الانفصالية “البوليساريو”،وكل ذلك بهدف إضعاف موقفه،حتى لايتجاوب القادة الأفارقة مع طلبه بشكل إيجابي.
وفي خضم كل ذلك،تنسى دلاميني زوما،أن الحقيقة باتت واضحة،وأن القادة الأفارقة أصبحوا على وعي تام بما يجري في الخفاء من مناورات لخصوم وحدة المغرب،بعد الحملة الدبلوماسية التي قامت بها البعثات،والتي لاشك في أنها سوف تعطي ثمارها المرغوبة ونتائجها المطلوبة،لتتجسد في اقتناع أصدقائه بسلامة طلبه،والموافقة على مشروعية عودته،إلى ساحة العمل الإفريقي،مع العلم أنه لم يبرحها يوما ما،بل ظل على تواصل دائم مع جميع أفراد الأسرة الإفريقية.