يبدو، في نظر العديد من المتتبعين للشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أن قضية استيراد نفايات إيطاليا إلى المغرب، مرشحة لمزيد من التفاعلات السياسية، في الأفق الزمني القريب، وقد تسفر قريبا عن مستجدات تنعكس سلبا على الحكومة، وهي في ختام ولايتها، وعلى مشارف الانتخابات البرلمانية، المقررة ليوم سابع أكتوبر.
ولعل مما يزيد موقف الحكومة إحراجا أمام الرأي الوطني العام، هو أنها تخوض حربا ضد البلاستيك، بموازاة مع استعداها لاستقبال مؤتمر المناخ الدولي في مراكش، بما يعني أنه كان من المفروض عليها أن تتفادى السقوط في هذا المستنقع، كما وصفه البعض .
خصوم الحكومة، وخاصة أعضاء أحزاب المعارضة، وممثلو الهيئات النقابية وجمعيات حماية البيئة ، وجدوا في هذه القضية فرصة ذهبية، بل واعتبرها البعض منهم هدية من السماء، تعزز اطروحاتهم التي تنتقد أداء الائتلاف الحكومي برئاسة عبد الإله بنكيران، وما يعتريه من اختلالات في التعامل مع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد كان فريق حزب الأصالة والمعاصرة في مجلس المستشارين ( الغرفة الثانية للبرلمان) أول الداعين إلى تكوين لجنة لتقصي الحقائق للتحقيق فيما أسماه ب”جريمة استيراد النفايات الإيطالية التي ارتكبتها الحكومة بتوقيعها اتفاقية مع ايطاليا تعمد من خلالها تلويت البلاد في اَخر ولايتها، في الوقت الذي يستعد فيه المغرب لـ”كوب 22 وانطلاق حملة زيرو ميكا”.
وبدورها، دخلت” الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة = الحق في الحياة” على الخط، فطالبت الحكومة بوقف ما أسمته “صفقة النفايات السامة الإيطالية المفرغة بالمغرب”، وإعادتها الى موطنها الأصلي، و حملتها المسؤولية الكاملة “عن خرقها وتجاوزها للقوانين الوطنية والدولية، وكل ما يمكن أن يترتب عن هذه الفضيحة البيئية من اثأر وأضرار على الصحة العامة والصحة البيئية والصحة المهنية.”
واعتبرت “الشبكة”، في تقرير لها، تلقى موقع ” مشاهد24″ نسخة منه، أن العملية برمتها شابتها خروقات قانونية وتجاوزات خطيرة، من أبرز عناوينها “عدم احترام مقتضيات اتفاقية ” بازل”” بشأن التحكم في نقل النفايات والتخلص منها عبر الحدود بطرق أمنة والتي صادق عليها المغرب سنة 1995بسبب الاختلالات الخطيرة التي تعرفها في بلاد المنشأ وعدم احترامها للشروط المطلوبة على المستوى الكيميائي والفيزيائي وعدم احترام دولة المنشأ للضوابط القانونية والبيئية في تدبير نفاياتها وفق تقارير أروبية في هذا الصدد”.
وفي خضم هذا الجدل المحتدم ، منذ تناول الصحافة لمسألة استيراد 2600 طن من النفايات لحرقها في أفران مصانع الإسمنت، التي شغلت الرأي الوطني العام، بمختلف أطيافه وفئاته الاجتماعية، ظلت حكيمة الحيطي، الوزيرة المكلفة بالبيئة، وحدها في الواجهة، سياسيا وإعلاميا، في غياب أي “تضامن حكومي” بعد أن توارى إلى الظل وزراء في الحكومة، على رأسهم بنكيران نفسه، الذي فوجيء بدون شك بانفجار هذه القضية في وجهه، في فترة حرجة وحساسة، يتأهب فيها لخوض معركة الانتخابات.
وباستثناء وزير الداخلية، الذي أمر بفتح تحقيق في النازلة، فإن بقية الوزراء ممن يعنيهم الأمر ظلوا صامتين، وضمنهم الحسين الوردي، وزير الصحة،الذي يعتقد الملاحظون، حسب ما تردد أمس في الندوة الصحافية للحيطي، أنه مطالب بالإدلاء برأيه بشأن مدى الانعكاس المتوقع لهذه النفايات على البيئة بصفة عامة، باعتباره المسؤول الأول والمباشر، عن صحة المواطنين المغاربة.
وحتى ” الحركة الشعبية”، الحزب الذي تنتمي إليه الحيطي، لم يخرج عن صمته، للتعبير عن مساندته لها، إلا مؤخرا، وحاول تبرير ذلك، بأنه كان يتريث ريثما “توفرت لديه كل المعطيات والشروحات حول الموضوع والتي اتضح من خلالها أن عملية الاستيراد بين المستورد والبائع لا زالت جارية وتخضع لمساطر قانونية وتقنية وإجرائية تتوخى التحقق من عدم إضرار النفايات المستوردة بسلامة المواطن”.
وكان لافتا للانتباه، أن الحزب ردد في بلاغه، نفس الكلام الذي أكدته الحيطي نفسها، أمس الاثنين، في ندوتها الصحافية، التي استعانت فيها بممثلي جمعيات البيئة وشركات الإسمنت:” إذا كان هناك من يطالب بمنع استيراد هذه النفايات فذلك من اختصاص الحكومة والبرلمان الموكول لهما تغيير القوانين المعمول بها والتراجع عن الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذا المجال”.
وأمام كل التفاعلات والتجاذبات التي تشهدها قضية نفايات إيطاليا، ينتصب أكثر من سؤال برأسه: هل سيكون هناك تراجع عن استيراد النفايات، كما يروج حاليا؟ ومن سيدفع الثمن السياسي ؟ هل الحكومة بكل مكوناتها، وهي على عتبة الانتخابات؟ أم أنه سوف يتم “التضحية” بالحيطي، الرافضة للاستقالة، لتلتحق بمن سبقوها من الوزراء: الوزير عبد العظيم الكروج في “فضيحة الشوكولاطة”؟ ومحمد اوزين في قضية ” كراطة الملعب”، وكلاهما ينتميان لحزب الحركة الشعبية، دون نسيان “الكوبل” الشهير الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون، المنتمين لحزب العدالة والتنمية؟