كاد المتربصون بالمغرب أن يحققوا نصرا كبيرا في ذكرى 16 ماي، والتي تحوي أرشيفا مليئا بالدماء دُون قبل 13 سنة بمدينة الدار البيضاء. هذه المرة وفي سياق إقليمي مختلف وبمعطيات جديدة بعث تنظيم “داعش” الإرهابي، ذاك الخطر القادم من الشام واحدا من المعتنقين للفكر المتشدد ينحدر من دولة تشاد، ليرسم خطة إرهابية جديدة كانت ستسقط العديد من الضحايا الأبرياء، وبالتالي إعادة سيناريو 16 ماي 2003 الدامي.
مرت 13 سنة على هذا الحادث الإرهابي، والذي وصف بالأعنف من نوعه في تاريخ المغرب، فأغلب ساكنة البيضاء يتذكرون كيف جعل 14 إرهابيا ليلة الجمعة 16 ماي 2003 ليلة لا تنساها الأذهان، فتفجير في فندق “فرح”، وآخر في مطعم “كازا ذي اسبانيا”، وأيضا في المقبرة اليهودية ومطعم “لابوزيتانا”، جعل سماء البيضاء تتغطى بدماء الأبرياء، فالحصيلة كانت ثقيلة 45 قتيلا، ضمنهم 11 انتحاريا، فيما تم القبض على 3 آخرين تراجعوا عن تنفيذ هذه الهجمات، والتي أثارت حنق الدولة ما جعلتها تنهج خطة جديدة تكمن في شن حملة واسعة من الاعتقالات شملت كل شخص ورد اسمه في التحقيقات من قريب أو بعيد. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تمت المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، والذي اعتقل بسببه مئات السلفيين.
ماذا تغير بعد 16 ماي؟
“بعد أحداث 16 ماي إلى يومنا هذا حدثت مجموعة من التطورات، خصوصا بعد الربيع العربي”. يقول إدريس الكنبوري الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية في تصريح لـ مشاهد24 ثم يستطرد قائلا: “لقد ظهرت مجموعة من الجماعات المتطرفة التي أسست فيما بعد دولة الخلافة، والعديد من الدول فقدت السلطة المركزية كليبيا، وأضحى خطر الارهاب يلاحق مجموعة من البلدان في كل ثانية (نموذج مصر)، وأيضا بروز مجموعة من الجماعات المتطرفة في إفريقيا مثل أنصار الشريعة، وبوكوحرام، كل هاته الأمور يضيف المتحدث ذاته، ومن خلال المعطيات المتوفرة يتبين أن المغرب لا زال يلاحقه خطر الإرهاب، والدليل على ذلك تفكيك مجموعة من الخلايا النائمة في الفترات السابقة، بحيث منذ سنة 2002 إلى يومنا هذا تم تفكيك 102 خلية، وبعض الأفراد المعزولين الذين تم اعتقالهم”.
المغرب فهم الدرس!
تغيرت المعطيات الدولية والاقليمية بعد أحداث 16 ماي الارهابية، وتغيرت معها قوة المغرب في التصدي للهجمات الإرهابية، إلى أن تحول اليوم إلى معيار يحتذى به في الحملات الاستباقية التي يشنها ضد المتطرفين، الذين ينوون زعزعة أمن واستقرار المملكة، فرغم التهديدات المتتالية القادمة من دولة الخلافة “داعش”، إلا أن رجال عبد الحق الخيام مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، تحولوا إلى كابوس يجثم على صدور الارهابيين.
السلفية الجهادية.. مخلفات 16 ماي!
ظل ملف السلفية الجهادية بالمغرب حبيس الرفوف، وجامدا لأزيد من ثلاثة أعوام، إلى أن جاء شهر نونبر من السنة الفارطة، حينما أقدمت الدولة على الإفراج عن بعض قيادات هذا التيار بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، إذ أصدر الملك محمد السادس عفوا عن 42 معتقلا سلفيا، أعلنو مراجعاتهم لأفكارهم ومن ضمنهم حسن الخطاب زعيم تنظيم الهجرة والتكفير.
يرى إدريس الكنبوري، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، أن مصالحة الدولة مع السلفيين تخللتها مجموعة من المستويات، فقد تصالحت الدولة في السابق مع أبرز شيوخ السلفية، وكان الجميع ينتظر من هؤلاء تعبئة مجموعة من المعتقلين الموجودين داخل السجون، والعمل على إنجاز نقد ذاتي بالإضافة إلى مراجعة أفكارهم، ولكن للأسف يردف المتحدث ذاته، “لم يكن هناك تواصل طبيعي معهم، الشيء الذي ولد تعاطف هؤلاء المسجونين مع تنظيم “داعش”، بعدما كانوا في السابق متعاطفين مع تنظيم القاعدة”.
وشدد الكنبوري أن ملف السلفية لم يتم التعامل معه بشكل عادي، كي يحل بشكل نهائي، فأصبح التطرف هو الخيار الوحيد أمام المعتقلين، في ظل مبادرات محتشمة من طرف الدولة لحل الملف.
وفي نظر المتحدث ذاته، فإن المشايخ هم الأوفر حظا من المسجونين المغيبين عن مبادرات الإفراج، فقبل أشهر قليلة تم الإفراج عن حسن الخطاب وعبد الرزاق سوماح، وهذا ما يؤجج الصراع داخل هذا التيار، وبالتالي الدولة مجبرة أن تجد حلا لأننا بصدد موجة ثانية من الإرهاب وهو “داعش”.
وأضاف الكنبوري، أن حل ملف السلفية الجهادية قد لاح في الأفق عندما شهد المغرب حراكا شعبيا أثناء الربيع العربي، خصوصا بعد أن وقعت وزارة العدل اتفاقا مع السلفيين يقضي بالافراج عنهم عبر دفعات، غير أن الدولة طوت الملف من جديد عندما هدأت احتجاجات الشارع، وتبددت معها آمال مجموعة من المعتقلين السلفيين.
استحضار هذه الذكرى الأليمة التي لازالت جروحها لم تندمل بعد، يجب أن تكون بمثابة “القرصة” التي تجعل من مسلسل بناء دولة الحق والقانون الذي انخرط فيه المغرب يستمر، وأيضا لاستحضار الانجازات الأمنية في تفكيك الخلايا الارهابية، وأخذ العبرة من الهفوات السابقة، كي يبقى المغرب بعيدا عن أحداث مشابهة لـ16 ماي.