من المنتظر أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الجمعة القادم، تقريره السنوي إلى أعضاء مجلس الأمن حول الأوضاع في الصحراء المغربية. تقرير زادت الإثارة المحيطة به على وقع الخلاف القائم بين المغرب والأمين العام الأممي، منذ الزيارة التي قام بها هذا الأخير للجزائر ومخيمات المحتجزين الصحراويين في تندوف، وما تفوه به خلالها من تصريحات، وقام به من سلوكيات، منافية من جهة للحياد المفترض بموظف أممي في مثل مقامه وتفويضه، ومخالفة، من جهة أخرى، لقاموس الأمم المتحدة المعتمد ومصطلحاته المتداولة منذ أزيد من ثلاثة عقود ونصف.
وتتركز أنظار المتابعين لهذه القضية المستعصية منذ عقود، على مكتب الأمين العام، في محاولة لاستقراء ما يمكن أن تجود به قريحة “المحيطين” ببان كي مون، من صياغات وتوصيات، يمكنها أن تقدم لمجلس الأمن مقترحات ذات معنى، علاوة على التوصية التقليدية بتمديد عمل المينورسو عاما آخر. ترقب يهدف بالأساس إلى الإجابة على سؤال محدد: هل ينحو الأمين العام ومستشاروه نحو تكريس حالة الخلاف مع المغرب ويستخدمون بالتالي عبارات مستفزة تركز على قرار المغرب طرد المكون المدني من بعثة المينورسو، ومتجاهلة مسببات القرار، أم ينحو منحى تصالحيا عبر “اختراع” صيغة اعتذار أكثر ملائمة للمغرب مما سبقها من صيغ محتشمة لم تترك الأثر المطلوب في الرباط، ويقومون بعدها بصياغة تقرير متوازن يتضمن مطالبات المغرب بإحصاء اللاجئين وتسهيل الزيارات العائلية بينهم وبين ذويهم؟
الحقيقة أن كلا الخيارين صعب، وذلك للأسباب الأبرز التالية:
- خيار التصعيد:
لقد جرب الأمين العام ومستشاروه وأعوانه حتى الآن، جميع الوسائل التي تمكنهم من الخروج بحد أدنى من التوافق الذي يحفظ ماء وجه الرجل ويستخلص دعما ولو معنويا من مجلس الأمن، لكن دون جدوى. لعبوا على وتر “الإهانة الشخصية” التي مثلتها مظاهرات الرباط والعيون، ولم ينجحوا.. جربوا مصطلح “السابقة المغربية” التي يمكن أن تهدد بعثات السلام في أماكن أخرى من العالم دون جدوى.. أصروا على التأثير المدمر لسحب المكون المدنى على عمل الشق العسكري، دون نجاح يذكر، ناهيك عن مناورات أخرى لقيت نفس المصير من مجلس منقسم على نفسه، يحظى فيه المغرب بدعم علني وصلب من كل من: فرنسا، السنغال، مصر، اسبانيا، وإلى حد كبير اليابان، مقابل عناد أنغولا والأوراغواي وفنزويلا، التي تعترف ب”جمهورية الوهم”، وصمت باقي الأعضاء، وفشل حتى في انتزاع بيان رئاسي يحمل أية ملامح انتصار للأمين العام. وبناء على هذه التجربة، يدرك الأمين العام ومحيطه أن أية لغة تصعيدية أو غياب للتوازن من التقرير المنتظر سيكون مصيرها مشابها لما شهدوه حتى الآن، وسيحكمون بتجميد العمل السياسي على هذه الجبهة في انتظار مجيء أمين عام جديد بطاقم ورؤية مغايريتين، وسينالون فقط دعم المجلس في التمديد لبعثة المينورسو، وهو الأمر المسلّم به سلفا دون الحاجة لتقرير كي مون، كما جاء على لسان مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن للشهر الحالي.
- خيار التهدئة:
بناء على المحاولات المحتشمة للتنصل من دلالات لفظ “احتلال” الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في المغرب، ومحاولاتهم للإيحاء برغبة الأمين العام في التصالح عبر مراسلة الملك محمد السادس، يدرك بان كي مون والناطقين باسمه بأن المجال لم يعد مفتوحا أمام “أنصاف الاعتذارات” أو الحديث “بفم مليء بالماء”. لكن تلك المحاولات تشي بالمقابل بأن الأمين العام ومن أشاروا عليه بهذه “الزيارة المشؤومة”، ومن ساعدوه في إدارة تبعاتها، ليسوا على استعداد لاعتذار صريح، يعيد العلاقات بين الطرفين إلى ما قبل فبراير الماضي. وعليه، ربما يفضل كي مون ومعاونوه إبقاء الأمر عند هذا الحد، في انتظار انقضاء مدة الرجل ومجيء خلف له مع طاقم مختلف، بعد أن استصعب عليهم التراجع تماما عما قاموا به.
وأمام صعوبة تصور خياري التصعيد والتهدئة بالنسبة للأمين العام وطاقمه، يبدو خيار قذف الأزمة إلى طاولة مجلس الأمن، والاستسلام إلى محاولة حلها بين الدول المؤثرة فيه والمغرب مباشرة، بعيدا عن الأمين العام وطاقمه، مع الاكتفاء بتقديم تقرير مصاغ بلغة باردة، لا تستفز الذين يقفون وراء خطوات بان كي مون، ولا تغيظ المدافعين عن الموقف المغربي، دون أن تصل إلى التصعيد الذي يرغب به الطرف الأول، ولا التهدئة التي يريدها الطرف الثاني.
ولأن الأهم في هذه المعركة الدبلوماسية داخل أروقة مجلس الأمن، هو نص القرار المرتقب آخر الشهر، بعيدا عن التجديد المتوقع للمينورسو، يبدو من الأجدى أن تنصب الأنظار على المسودة التي ستصوغها مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بكثير من الحرص والعناية، بدل الاهتمام بلغة تقرير بان كي مون وتوصياته. مسودة يتوقع أن تركز على مصير المينورسو دون الاهتمام بالخلاف القائم بين المغرب والأمين العام، أو بآفاق الحل السياسي المتعثر. ولهذه الغاية، ربما سيكون مفيدا أن نربط هذه المسودة بالموقف الذي عبرت عنه الخارجية الأمريكية تعقيبا على أزمة المغرب والأمين العام، عندما ألحت على ضرورة استمرار عمل بعثة الأمم المتحدة المينورسو، مع التأكيد مجددا على اعتبار مقترح الحكم الذاتي حلا سياسيا “جادا، وواقعيا، وذا مصداقية”. وإذا علمنا أن من سيساعدها في صياغة مسودة القرار هم: فرنسا وروسيا وبريطانيا واسبانيا، وهي الدول المساندة للموقف المغربي إلى حد كبير باستثناء بريطانيا، يمكننا تنبؤ صيغة القرار التي لن تحمل ضررا يذكر للمغرب، وستكرس، وهذا هو مربط الفرس، اضطلاع الدول الكبرى والمؤثرة بمعالجة هذا الملف “بمقترحات جديدة” بعيدا عن مكتب الأمين العام الحالي وممثله وطاقمه.
أخيرا، فمن المنتظر أن يلي تقديم تقرير بان كي مون الجمعة اجتماع للأعضاء الخمسة عشر لمجلس الأمن مع ممثلي الدول التي تشارك بقوات داخل المينورسو، وذلك في 15 أبريل المقبل، على أن تقدم الولايات المتحدة مسودتها للقرار في السابع والعشرين من الشهر الحالي خلال اجتماع لأعضاء مجلس الأمن، يتلوه تصويت على اعتماده في اليوم الموالي.