يفترش أطفال عائلة حسين، المنحدر من محافظة حماة السورية، الأرض منتصف الليل، وينامون متكئين إلى سور مسجد يوسف باشا بحي أكسراي في إسطنبول، فيما تبدو علامات التوتر بادية على وجه الأب، في انتظار قدوم دورهم للهجرة إلى اليونان في طريقهم نحو ألمانيا، التي سبقهم إليها جيرانهم.
مرت ساعاتٌ عديدة على اتصال المهرب بحسين، من أجل تجهيز أنفسهم للصعود إلى الحافلة التي ستقلّهم نحو الهدف المنشود، ولكنّ الحافلة لم تصل بعد، فيما طالبهم المهرب بالصبر قليلاً بسبب ازدحام الطريق.
في انتظار المهربين :
إلى جوار عائلة حسين يمكن بسهولة تمييز عائلات عراقية وسورية وفلسطينية، تنتظر دورها في بدء رحلة الهروب من الموت في سورية، باتجاه “الجنة الأوروبية”، إذ تشهد مدينة إسطنبول تدفقا كبيرا للاجئين بحثا عن طريق آمن نحو أوروبا، ففي ميدان “أكسراي” المشهور بالوجود العربي الكبير للسائحين والمقيمين العرب، وثق كاتبا التحقيق عبر جولة ميدانية، تواجد مئات الشبان والعائلات العربية بين أزقة الميدان، يفترشون الأرض، وقربهم يلهو أطفالهم، إلى جانب حقائب كبيرة معدة للسفر، والجميع في انتظار المهربين.
في الميدان تتحرك الشرطة التركية بشكل مكثف بالزي الرسمي والمدني على شكل دوريات ومشاة، يتفرسون وجوه المارة من دون أن يكلموا أحدا منهم، يتجولون في المناطق المكتظة بالعائلات كالحدائق العامة وساحات المساجد، ومع علمهم المسبق بنية هذه العائلات الرحيل لأوروبا إلا أنهم لا يعترضون طريق أحد منهم.
سماسرة إلى جانب مركز الشرطة:
في ميدان أكسراي ينتشر سماسرة الهجرة، من بينهم “أبو عبدالله” سمسار عراقي، كان يتحدث مع مجموعة من السوريين المهاجرين، ومن ثم يتحدث على الهاتف مع المهرب “الوسيط” قائلا له :”أحضرت لك الآن ثمانية شبان”. المنطقة التي يقوم أبوعبد الله فيها بإعطاء تعليماته للمهاجرين الراغبين في السفر، هي بجانب مركز الشرطة التركية مباشرة، ولا تبعد عنها سوى خمسة أمتار، وفق ما وثق “العربي الجديد” بالفيديو والصور.
ادعا كاتبا التحقيق، الرغبة في السفر، تقدما نحو السمسار، اختلقا المعاناة والرغبة في الرحيل عن تركيا، تجاوب أبو عبدالله وقال إن تكلفة سفر الشخص الواحد 1200 دولار أميركي، يضعها الراغب في السفر، في أحد المكاتب السياحية العربية في أكسراي، ومن ثم يأخذ اللاجئ رقما سرياً لهذا المبلغ، وعند وصوله لليونان يقوم بالتواصل مع المهرب لإعطائه الرقم كي يذهب للمكتب لأخذ المال، وهكذا يضمن الجميع حقه بالمال كما قال أبو عبد الله.
وعد السمسار كاتبا التحقيق، بحجز مكانين، وزودهما برقم هاتفه للاتصال به لاحقا للسفر. في الأيام التالية من الرصد والتوثيق كان “أبوعبد الله” مستمراً في عمله المعتاد بإقناع مجموعات جديدة بالسفر معه.
التهريب تحت أعين السلطات :
تزدهر تجارة التهريب في تركيا بشكل كبير، وساعد على ذلك، كما وثق كاتبا التحقيق، تراخي القبضة الأمنية التركية ضد شبكات ومافيا التهريب متعددة الجنسيات.
ويعزو حسين سمسار هجرة من مدينة حلب، أسباب تراخي القبضة الأمنية التركية بحق عمليات التهريب، إلى أن “العالم لا يتجاوب بالشكل السليم مع الأزمة السورية، وهو ما دعا تركيا إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي، عبر فتح المجال للسوريين الموجودين على أرضها، في تحقيق حلمهم الأوروبي”.
حسين أوضح لـ”العربي الجديد” أن: “خفر السواحل التركية لا يقوم بالتدخل لوقف عمليات التهريب التي تتم تحت نظره، فقط يتدخل في حالات الغرق لإنقاذ المهاجرين”.
ليس بعيداً عن مكان لقاء السمسار حسين، بالقرب من مسجد “يوسف باشا” القريب من أكسراي، كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلاً، فجأة بدأت جموع المهاجرين بالتنقل في جماعات، باتجاه حافلات، لكن هرولة شرطي أوقفت الجموع، إذ توجه الشرطي ناحية شاب ممتلئ الجسد، عنفه ومن ثم سحبه من يديه. في خضم الحدث تدخل شاب تركي، يرتدي ملابس سوداء ويحمل حقيبة صغيرة على خصره، قام بفض النقاش بين الشرطي والشاب الآخر، أرسل الشاب بعيدا عن الشرطي، ومن ثم سحب الشرطي جانبا ووضع يده على مرفقه وبدأ بالمشي، الشرطي لم يمانع إطلاقا هذه الحركة، بل بادله بحديث ودي مُنفردا به بعيدا عن أعين الناس.
دقائق فصلتنا عن هذا المشهد، حتى رصدنا مجموعة أخرى من المهاجرين بدأت بالتحرك، قمنا بملاحقتها، فإذا بالشاب الذي أوقفه الشرطي التركي يقود الجموع لشارع جانبي حيث تقف حافلة مستعدة لنقلهم.
هناك فوجئ كاتبا التحقيق، بوجود الشاب الآخر ذو الملابس السوداء، الذي غاب مع الشرطي، متوقفا أمام باب الحافلة، يتحدث مع المهاجرين بالإسراع بالصعود للحافلة التي كانت خالية من المقاعد تماما، حتى تستوعب أكبر عدد ممكن من الراكبين.
هناك فوجئ كاتبا التحقيق، بوجود الشاب الآخر ذو الملابس السوداء، الذي غاب مع الشرطي، متوقفا أمام باب الحافلة، يتحدث مع المهاجرين بالإسراع بالصعود للحافلة التي كانت خالية من المقاعد تماما، حتى تستوعب أكبر عدد ممكن من الراكبين.
سعى كاتبا التحقيق للبحث عن الشرطي، الذي كان في المكان، لكنه سرعان ما اختفى من المنطقة. في الجهة المقابلة لمسجد يوسف باشا، تقع محطة “أكسراي مترو”، وفي هذه المنطقة أيضا أمكن ملاحظة وتوثيق عمليات كبيرة من الصفقات بين مهربي البشر والمهاجرين، كثير من هذه العمليات كانت تدور أمام مركز الشرطة من دون أي اهتمام من قبل المهربين أو المُهربين بوجود الشرطة.
المهرب نكث وعده :
فشلت محاولة هجرة طارق، مهندس البرمجيات الحاصل على شهادة الماجستير في إدارة المشاريع، بسبب جشع المهرب، يقول طارق لـ”العربي الجديد”: “بعد انتظار لثلاثة أيام، نكث المهرب وعده بألا يحمل القارب المطاطي “البلم” أكثر من أربعين مهاجرا، فقام بتحميله بخمسة وأربعين، في هذه اللحظة تراجعت خوفا من الغرق، رغم أنني تعرفت على هذا المهرب عن طريق قريب لي مقيم في بلدتي حمص”.
“قد نستقر في قعر البحر بسبب جشع المهرب”، يقول طارق، الذي لم يكن مهتما بمعرفة مسار الرحلة، كما لا تهم هذه الأسئلة معظم اللاجئين الفارين الذين قابلناهم، إذ إن همهم الوحيد هو الوصول إلى اليونان، بأي طريقة. يؤكد المهندس طارق أنه قضى عاما كاملا من دون عمل في تركيا، ما قضى على كل أحلامه، ودفعه إلى تدبير مال الهجرة عبر أسرته من أجل خوض المغامرة الأوروبية.
في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول توجه طارق إلى اليونان عن طريق البحر، وتمكن “العربي الجديد” من التواصل معه عبر الهاتف، بصعوبة لحظة وصوله إلى ألمانيا، يستطع الإدلاء بالكثير من المعلومات إلا أنه تذمر من صعوبة التنقل بين صربيا والمجر، كما وصف رحلة البحر تجاه اليونان بالخطيرة والمرعبة، مشيرا إلى أن تكاليف رحلته وصلت إلى ألفي دولار.
إزمير.. تختصر المأساة :
تنتقل مجموعات اللاجئين السوريين، في المرحلة الأولى، من إسطنبول إلى كل من مدينتي إزمير (الميناء الرئيسي لدولة تركيا في جزئها الآسيوي، تجاور شاطئ خليج إزمير، امتداد لبحر إيجة) وبودروم التركيتين غربي تركيا، حيث تعتبر هذه المناطق هي الأقرب لليونان، ومن هناك تبدأ الرحلة الخطرة، كما وثق كاتبا التحقيق، بعد ثمانية ساعات من السفر من إسطنبول إلى مدينة إزمير، في لمحاولة للوصول إلى إجابات عن أسئلة كثيرة لمعرفة تفاصيل رحلة اللجوء التي يخوض غمارها اللاجئون الفارون من جحيم الموت في بلدانهم.
منتصف ليلة العاشر من سبتمبر/أيلول، بعد الوصول إلى إزمير، في ميدان “التاسع من أيلول” قرب ميناء المدينة، أمكن رصد وتوثيق تواجد مئات العائلات التي تفترش الحدائق العامة وأرصفة الشوارع بعدد هائل، لم يسبق رؤيته في إسطنبول من قبل.
رجال ونساء.. أطفال وشيوخ، يجلسون على الأرض ويتخذون من حقائبهم وسائد للاتكاء عليها في محاولة للنوم في ظل حالة الإزعاج الشديد في الشوارع. خلال التجوال كان من النادر أن تستمع للغة أخرى غير العربية، حتى إن المطاعم يغلب العمال العرب فيها على غيرهم، فتجد اللافتات باللغة العربية منتشرة بشكل كبير أيضاً.
وثقت “العربي الجديد” مفاوضات مضنية تجريها مجموعات من العائلات السورية مع “سماسرة الهجرة”، لمحاولة تقليل الأسعار التي يطلبها المهربون عبر البحر. تجول كاتبا التحقيق داخل الأزقة القديمة، حيث تقوم عصابات التهريب بعقد صفقات الهجرة مع اللاجئين، كما يقوم السماسرة بجلب الراغبين في السفر إلى “المهرب الوسيط”، الذي يقوم بدوره بنقلهم عن طريق سيارة كبيرة تتسع لعشرة مسافرين، ولكنه وضع فيها 40 شخصاً، من المقرر أن يتجهوا نحو شواطئ يمتد طولها لأكثر من 400 كيلومتر، وهي الشواطئ القريبة من الجزر اليونانية المنتشرة غرب تركيا.
ركوب البحر للمرة الثانية :
تمكن النازح السوري مالك، ابن الجولان المحتل، الذي كان يقطن في محافظة درعا آخر عامين، من الوصول إلى تركيا قبل شهر واحد، عقب رحلة محفوفة بالمخاطر من درعا جنوبا حتى الحدود التركية شمالاً، في إزمير ينتظر مالك دوره لركوب البحر للمرة الثانية، بعد محاولة فاشلة للهجرة قبل أسبوع، إذ تعرض قاربهم لعطل أمام سواحل إزمير على الرغم من أنه لم يحمل سوى 37 شخصاً إلا أن “غباء قائد المركب”، كان سببا لتعطله في وسط البحر ما أدى إلى توقيفهم على يد خفر السواحل التركي الذي أعادهم مرة أخرى لإزمير كما يروي مالك.
مالك يوضح أن هدفه الرئيسي هو الوصول إلى ألمانيا، لإكمال دراسته في مجال طب الأسنان، إذ أنهى أربع سنوات منها في مصر، كما أكد على نيته الرجوع لسورية عقب انتهاء الحرب فيها، وهذا ما لا جدال فيه كما قال.
انطلق مالك إلى اليونان ليلة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وبعد أن وصل جزرها أرسل إلى معدي التحقيق رسالة قصيرة، عبر هاتفه، قال فيها إنه وصل بأمان من دون أي صعوبات تذكر.
عشرات اللاجئين المتواجدين في إزمير حالهم مثل مالك، إذ فشلت محاولاتهم الأولى في عبور البحر، سواء أكان ذلك بسبب تعطل محركات قواربهم، أو بسبب هيجان البحر وارتفاع موجه، أو بسبب غرقه إثر الحمولة الزائدة فيه، لكنهم مصرون على استكمال الطريق ناحية الحلم الأوروبي.
دور شبكات التهريب التركية :
وفقا لما وثقته “العربي الجديد”، تتكون شبكات الهجرة من مهربين عرب من جنسيات مختلفة، من العراق، وسوريا، ولبنان، إضافة للأكراد، ولكن العامل المشترك بينهم جميعا هو عملهم لمسؤول أعلى منهم وهو تركي.
في إزمير راقب فريق “العربي الجديد”، مسؤول شبكة التهريب الأعلى، هو شاب يرتدي بدلة سوداء وقميصا أبيض، حليق الرأس، خفيف اللحية، كثيف الشاربين. ظهر الرجل مرة واحدة خلال وجودنا في إزمير، كان يقوم باستلام آخر المعلومات من أحد المهربين الذي كنا نراقبه خلال ساعات، بدا المهرب لبنانيا كما دلت عليه لهجته، وإن حاول في أحيان كثيرة الحديث باللهجة السورية، عرفنا أن كنيته “أبو علي” من خلال مساعديه الذين كانوا ينادونه باستمرار.
خلال مراقبتنا للمهرب “أبو علي” كان يقوم بإقناع رجل كبير السن، وامرأة في أواخر حملها إضافة لثلاثة أطفال بالسفر هذه الليلة، حيث تمكن من إقناعهم عن طريق دفع 1200 دولار أميركي عن كل شخص وحمل حقيبة ظهر واحدة لكل مهاجر.
المهرب اللبناني قام بالنداء على بعض مساعديه لمساعدة العائلة بالانتقال إلى مكان الحافلة الذي كان يقف في أحد الأزقة المظلمة. في هذه اللحظة تقدمنا نحوه وسلمنا عليه، وادعينا بشكل مباشر رغبتنا في الهجرة لأوروبا، ارتبك أبو علي بشكل كبير، وقال “إذا أردتم السفر فإن القارب سيخرج بعد قليل، وعليكم تأمين الأموال وتجهيز أنفسكم الآن”.
أخبرناه أنه لم يمض على وصولنا لإزمير سوى ساعة واحدة، وبأننا نريد مزيدا من المعلومات عن أمان الرحلة كي نستطيع اتخاذ القرار المناسب. تدخل رجل المافيا التركي في هذه اللحظة ورمقنا بنظرة مخيفة وسحب أبو علي متحدثا معه باللغة التركية بشكل سريع ومضى صاعدا في سيارة كانت تقف في إحدى زوايا الشارع وركب معه عدد من المهربين، تعرفنا على أحدهم كنا قد قابلناه في إسطنبول بمنطقة “أكسراي” وهو سوري.
عقب عودة أبو علي بادرناه بالسؤال:” خير شو في!؟” قال لنا :”أنا ممنوع من التعامل مع الراغبين بالهجرة بشكل مباشر، بل أتعامل مع السماسرة كوسطاء فقط، ولكنكم أحرجتموني بإيقافي بهذه الطريقة، وهذا ما لم يعجبه، يقصد التركي صاحب البذلة السوداء”.
أكملنا حديثنا مع أبو علي عن أحلام الهجرة لأوروبا، وبأننا نمتلك الأموال اللازمة لذلك ولكننا فقط بحاجة لتطمينات منه، فقال لنا إن القوارب التي يعملون على تأمينها هي قوارب مطاطية، أو ما تعرف بـ “البلم” وهي بطول تسعة أمتار قادرة على حمل 40 شخصا، وتصل للجزر اليونانية خلال ساعتين من لحظة الانطلاق.
وأما عن نسبة نجاح العبور، قال لنا إن سبعة من عشرة قوارب تنجح في الوصول إلى الشواطئ اليونانية، فيما تعود الأخرى أدراجها. وعن احتمالية الغرق في عرض البحر، والضمانات التي يطرحها من واقع خبرته في التهريب، قال:” إننا نبقى على تواصل مستمر مع القارب عن طريق جهاز GPS، وفي حال حدوث الغرق، لا سمح الله، فإننا نقوم مباشرة بالاتصال بخفر السواحل التركي وإعطائهم إحداثيات القارب للذهاب لنجدته وإنقاذ الركاب فيه”.
هنا بادرناه بالسؤال فوراً: “عادي؟؟ تقومون بالاتصال بخفر السواحل؟ أجاب هذه أرواح أناس ونحن مجبورون على إنقاذهم”، أتبعناه بسؤال آخر: “والخفر ما بيدقق عليكم؟ أجاب لا، لا يُدقق علينا، وهذا عملنا، وإذا كنتم جاهزين سنقوم بإخراجكم الآن”.
طلب أبو علي وضع مبلغ من المال كتأمين، في مطعم سوري في المنطقة يدعى الزعيم، ومن ثم إبقاء الـ 1200 دولار الأخرى لحين الصعود في القارب ودفعها في تلك اللحظة. قام “المهرب بتزويدنا برقم الهاتف للتواصل معه في اليوم التالي، ونصحنا بالسرعة في الهجرة بسبب ارتفاع الموج وازدياد سوء الأحوال الجوية في قادم الأيام.
وبالعودة إلى المطعم السوري “الزعيم” الذي تردد اسمه مرات عدة في إزمير خلال عدة لقاءات مع المهربين ولاجئين، تبين أنه مركز تجميع أموال اللاجئين الراغبين بالهجرة، ومكان عقد لقاءات المهربين والراغبين في السفر، بشكل بات لا يخفى على زائري المدينة.
احذروا المخابرات :
في أحد أزقة المدينة القديمة في إزمير، وقف المهرب الكردي ميرزا، يتناقش مع مجموعة من الشباب السوري المهاجر، ويعطيهم التعليمات الأخيرة قبيل انطلاق رحلتهم، اقترب معدا التحقيق منه، ادعيا رغبتهما في الهجرة، طلب المهرب مبلغ 1600 دولار، قبل أن يتراجع ويعود ليطلب 1200 دولار أميركي، بعد إخبارنا له أن أصدقاء لنا سافروا بنفس القيمة.
في هذه اللحظة اقترب عنصران من الشرطة التركية من خلف ميرزا، طلبنا منه إخفاض صوته قليلا، فلم يهتم وقال “امشوا معي ببطء”، عبر الشرطيان ولم يهتما لأمرنا، ولا لمجموعة الشبان التي تحمل حقائبها منتظرة الحافلة التي ستقلهم لشاطئ خليج إزمير، من أجل ركوب القوارب المطاطية، في الطريق إلى اليونان، التي يبدأ منها الحلم.
سألنا ميرزا عن جنسيتنا، قلنا إنها غير سورية، تابع قائلاً: “لا تظهروها في اليونان، وادّعوا أنكم سوريون، وعندما تصلون للدولة التي تريدونها هناك أبرزوا أوراقكم الثبوتية”. طلب ميرزا إخفاض صوتنا قليلا بعد مرور مجموعة من الشبان، لأن “المنطقة مراقبة بشكل كبير من المخابرات التركية، وعلينا أن نكون حذرين قليلاً”.
وثّق “العربي الجديد” تواجد مجموعات متفرقة من الشبان يتحدثون التركية بين جموع المهاجرين، لاحقا تبين أنهم عناصر في المخابرات التركية كما أخبرنا ميرزا، تقتصر أعمالهم وفق أحاديث المتواجدين في عين المكان، على مراقبة تحركات المهاجرين والمهربين لا أكثر.
في هذه اللحظات من منتصف الليل، اقترب ميرزا من الشبان المهاجرين، وقال لهم إن الحافلة قد وصل، في سرعة بدأ الشبان بحزم الأمتعة، طلب منهم المهرب الإسراع أكثر في ذلك، وبدأوا بالسير بسرعة كبيرة خلفه، ودخلوا في أزقة متفرعة داخل شوارع جانبية، في إزمير القديمة التي كانت خالية من الإنارة، ومن ثم صعدوا في حافلة صغيرة شقت طريقها مسرعة.
من أجل الوقوف على آخر محطات الهجرة غير الشرعية، وصل كاتبا التحقيق، إلى الشواطئ التي ينطلق بها اللاجئون نحو الجزر اليونانية، من هناك بدت جزر اليونان قريبة غير بعيدة، بلداتها واضحة المعالم تقريبا، فيما بدت بعض اليخوت الفارهة والسفن الشراعية تبحر بشكل طبيعي، إذ إن المسافة الفاصلة بين البلدين هي أقل من عشرة كيلومترات، ولكنها أصعب المراحل التي تفصل أحلام المهاجرين عن أوروبا، كما تفصل بين الحياة والموت بالنسبة إليهم.