قد لا تبدو قصة اللاجئين السوريين غريبة على مسامع أحد في هذه الأيام، فهي على الأغلب من أكثر العناوين الدوليّة انتشاراً حول العالم، وكأن السوريون الذين يعانون هم فقط من غادروا البلد، وأولئك الذين بقوا يعيشون في نعيمٍ يبقى حلماً للعالم الأوربي.. بغض النظر عن ذلك، يعاني السوريّ منذ سنوات عديدة، وليس منذ 6 سنوات – أي منذ أن شهدت الأحداث انطلاقها – بل منذ أجلٍ بعيد، وخاصةً المرأة السوريّة التي عانت كثيراً في تاريخها وأثناء كفاحها في مواجهة المجتمع السوريّ الذكوريّ وأيضاً التي ناضلت لحقوقٍ مازالت بعيدة لتصل إليها، ولكن ليست بعيدة جداً كما يظنّ البعض.
عانت المرأة السوريّة في الآونة الأخيرة بشكل خاص عن السوريين ككل، فكم من أمّهات فقدن أبناءهن خلال مختلف الأحداث التي شهدتها سوريا، وكم من نساء تعرضن لأبشع أنواع التعذيب والاغتصاب والاستغلال، وذلك بالطبع إلى جانب النتاج الفكريّ التقليدي الذي تجده في أي مجتمع عربيّ محافظ مازالت تعيش امرأته في عصورٍ سوداء كان يطلق عليها اسماء مسيئة مثل الجاريات أو الخادمات.. وكأن هذا لا يكفيها، تقوم المرأة السوريّة الآن بعبور البحار مثلها مثل أي رجل باحثةً عن حياة جديدة، وفي حالات متكررة، حياة جديدة بعيداً عن زوجها السوريّ.
تصاعدت كثيراً في الآونة الأخيرة حالات “الطلاق” بين اللاجئات السوريات، وهي حالات يتمّ طلبها من أصلها من قبل المرأة، وبالرغم من عدم وجود أرقام صريحة واحصائيات دقيقة إلا أن الأعداد كادت أن تكون بالمئات، وستستمر بالتصاعد بمجرّد ما تستوعب المرأة أنها الآن في ألمانيا.. بلدٌ يحترم المرأة ويُقدّرها، وينظر إليها نظرة مساوية لا تقلّ شأناً أبداً عن الرجل السوريّ “التقليدي” الذي قضى حياته موهوماً مخدوعاً أن المرأة لا تساويه بشيء، وهو الأساس في المجتمع.
للمزيد:أبعد من «إيلان»
فلماذا تقوم امرأة بطلب الطلاق من زوجها مجرّد وصولها إلى أرض آمنة مليئة بالأمل؟ ربما لأنها عظيمة، والآن استطاعت أن تفرض عظمتها.. فهناك الكثير من الحالات التي مُنِعت فيها المرأة من التعبير عن رأيها في ذلك المجتمع السوريّ السابق، وكم من مناسبةٍ مُنِعت فيها من حريّة التصرّف، الحياة، وحتى الاختيار، وكم من حالاتٍ بقيت حبيسة زواجٍ يدمّرها من الداخل نظراً لغياب أي قانون يدعمها ويدعم استقلالها عن ذلك الرجل المتوحّش، أو وقعت ضحية عنف منزليّ غير منتهٍ لشخصيّة ضعيفة ربما لأنه أدرك تفوّقها بفكرها، فأراد أن يُحبِطها بقوّته الطائشة البغضاء..
عانت المرأة من التمييز طوال حياتها، بالإضافة إلى تلك الضغوطات اللامنطقية التي تُنفّد عليها والتي تسلب منها إبداعها، حريتها في الحياة، وبالتأكيد اختياراتها في جميع المجالات مثل الزواج المبكر أو الزواج الذي قد لا يكون لها حتى رأيٌ فيه.. قوانين فارغة، مُنظمات دعم المرأة موجودة ولكن شأنها شأن المنظمات السوريّة الأخرى. المجتمع مكان خطيرٌ جداً للمرأة، لكن فقط لأن الرجل صنعه كذلك.. ثم تابع رسم لوحته “الزاهية” بمزيدٍ من الترهيب، منع تطوّر المرأة كفرد، التملّك، والتسلّط.
تراجع كبير في شعبية ميركل بسبب سياسة الهجرة
ما تفعله ألمانيا بكل بساطة هو تلقين الرجال السوريين الذين تمادوا في تعدّيهم على حقوق المرأة وحقوق زوجاتهم في سوريا درساً هاماً في الحياة، وذلك عبر سلبها لزوجاتهم، فما بالك بحبيسة فكرٍ مجتمعيّ رجعيّ ذكوري تبصر الحريّة الفكريّة لأول مرّة في ظل مساواة جنسيّة.. ربما ستريد التخلص مباشرةً من مصدر تعاستها الحقيقيّ..
أنا لا أجزم أبداً بالتأكيد، ولكن من يتحدّث عن مساواة في المجتمع السوريّ هو شخصٌ يعيش في وهمٍ كذلك الذي تحدّث عن حريّة في زمن الديكتاتور، فهي حقيقة موجودة، وناكرها هو شخصٌ يقبل بها.. مجتمع يستند على عادات بالية مُسيئة، تُقيّد المرأة وتسلب منها حريّتها بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يقتصر الأمر أبداً على الأرياف بل أيضاً على المدن الرئيسية، عادات تَفشّت في المجتمع وأصبح التخلّص منها أصعب من الشفاء من سرطانٍ خبيث قد يودي بك ميتاً.. بعد فوات الآوان.
ما يُثبت هذا التخلّف المزمن في المجتمع السوريّ على أقل تقدير، هو ردّة الفعل التي استقبل بعض الرجال بها هذه الأخبار، شاتمين المرأة وكأنها شيءٌ ليس له أي أهميّة في الحياة، بل خادمةٌ خُلِقت للسلطان الرجل الذي يفعل بها ما يشاء.
متى سيستيقظ العرب ليتخلّصوا من ذلك الرداء المترديّ الذي يرفع شعار “المرأة أقل شأناً في جميع مجالات الحياة” فليس هناك قانون يحميها أو يدعمها، ولا مجتمع يساندها.. فهي تبقى وحيدة متمسّكة بأفكارها وأملها بأن اليوم سيأتي ويندم الرجال فيه على تصرفاتهم الوحشيّة في حقها، سواءٌ الجسديّة أو الفكريّة، والجرائم المتمثّلة بالتثبيط الذي يحاول الرجل دائماً فرضه على المرأة زارعاً بها أفكار تضعفها وتحوّل رأيها إلى فشل، متى سينظر المجتمع للمرأة كما ينظر إلى أي رجل لا يختلف سوى بجنسه عنها؟
فماذا عن الانفتاح؟ لماذا أصبحت مؤسسة الزواج مؤسسة فاشلة بامتياز في عصرنا الحديث؟ ربما بسبب الزواج التقليدي، الذي قد لا يملك نسبة جيّدة في النجاح، والذي يسلب من المرأة مرّة أخرى حقّها في تجربة الحُبّ، الشغف بسبب عنصريّة خسيسة عمياء، هُدِفت لتلبية احتياجات الرجل الذي عمل شاقاً لدعم الخرافة التقليدية السخيفة حول المرأة التي لا تستطيع العيش وحدها، ولا تستطيع متابعة الحياة دون رجل يسندها في الحياة في سخافات يُصعب وصفها بأقل من مُنحطَة.
كأن المرأة غير قادرة على اتخاذ أي القرار، بل هي حمقاء لا تعلم شيءً، أداةُ جنسٍ صالحة فقط للاستهلاك. وكيف من المفترض أن تشعر الأنثى عندما يتمّ تمييز الذكر عليها دائماً، وخاصةً في العائلة الواحدة؟ اهتمامٌ كبير غالباً ما يحظى به الابن على حساب الابنة، يبقى تأثيره سلبيّ بالتأكيد على طفولتها ونشأتها بشكل عام، وهو أمر ساهمت المرأة بنفسها في تناقله وتنفيذه عبر الأجيال، حيث وصل في بعض الأحيان تأثير المجتمع على الأم حتى أصبحت ذكوريّة أكثر من الذكور.
إقرأ ايضا:المرأة في معترك الرجال: الطريق نحو المساواة في الجيش الجزائري
عوضاً عن الوقوف في وجهها في هذه المِحن المتصاعدة، يجب مساندتها وتقديم نظرة شاملة كاملة لحقوقها في بلدها الجديد، وترك الخيار لها، ويجب خلع قناع المجتمع الهَش، كشف الغطاء عن حقيقته وتدمير أكذوبة المساواة بين الرجل والمرأة حتى نتمكّن حقيقةً من الوصول إلى تلك المساواة.
كُلّ واحدة منهن قدوة يُحتذى بها، تَقدّمن بخطواتٍ بارزة لبناء تفكير عربيّ مُتحرّر يؤمن بدور المرأة بالمجتمع ويثور على فكرة المجتمع الذكوري ويدعم استقلاليتها وحقّها الكامل في هذه الحياة..
روابط ذات صلة:الإعلان في مراكش عن تأسيس الشبكة العربية الإفريقية للنساء القاضيات